إنما يؤلمني جرح الوطن

02:17 2019/08/07

واقف بينهم دون ثبات رغم إسناد جسده بساقين خشبيتين تتكئ عليهما إبطاه المتعرقة؛ الحرج لمنظره الرث المتسخ يجعل جسده ينزف عرقا رغم وجود المكيف .
 
واقف بينهم بأربع سيقان وخيبة كبيرة .
جريح لكن جراح كبريائه أشد وجعا أمام ربطات العنق الملونة والقمصان المكوية التي تتقاذف عرجه من مكتب إلى آخر في مبنى القنصلية .
 
يتقلص جسده أمام الفتيات الأنيقات اللاتي يصدف مرورهن من حوله كأضواء كاشفة؛ لتخترق نظراتهن جسده المرتعش ككائن لا مرئي ..
كيف يمكن أن تستقر نظراتهن على مخلوق بائس مثله .
 
الثوب الذي يرتديه قد حال لونه؛ وارتسمت عليه بقع كأنها ابتسامات ساخرة؛ تبرز منه قدمه المصابة كرأس حيوان متعفن؛ جسده اللدن الذي نسي متى آخر مرة اغتسل فيها منذ إصابته .
 
لم تكن ملامحه المرهقة ونظراته المعذبة في سحنته السمراء سوى مكمل لإطار صورة للشقاء. 
 
اغمضت عيني عن النظر إليه بألم ..
كلنا جرحى ..وجراح الروح لا تشكى .
هذه الحياة التي نعيشها ونتصارع فيها ليست سوى الظاهر من وجودنا المغروز في الحياة .
 
ما خفي من تداعيات حياتنا ومشاعرنا المدفونة في أعماقنا أكبر بكثير مما يظهر ..
إنه يجعلنا أكثر ثباتا كالجبال أمام أعاصير الحياة  .
يكسرنا الاهمال ممن نتوقع منهم الرعاية في أوقات الشدة والتعب؛ لكنه انكسار للشعور فقط؛ نستقيم بعده أكثر صلابة وعناد .
جراحه مضاعفة فقد ضحى بروحه المهمشة وجسده المتآكل من أجل أن يبقى هؤلاء على مكاتبهم تتدلى ربطات أعناقهم كذيول الكلاب من رقابهم .
أليس موجعا أن يقيّم روحك المهشمة هؤلاء الزائفون الذين لا يعرفون قيمة هذه الروح ؟!!
 
يرونك ضئيلا في انتفاخ زيفهم؛ يتجاوزونك أنت الذي تشبثت بالخيط الذي يفصل الحياة عن الموت .
ثم يأتي عليك يوما تقف على أبوابهم تتسول تلك الحياة التي استمدوها من تضحيتك .
 
وتخشى كثيرا أن تسقط من عيونهم لأنك ظهرت بكامل عريك من الزيف وبحقيقتك المرة؛
لتفقأ أعينهم التي لا تخجل حين تقيّم سقوطك أو ارتفاعك وهم الساقطون .