بين سبتمبر اليمنيين وسبتمبر الحوثي..!؟

05:08 2019/09/23

يقول الحوثيون إنهم يؤمنون بالجمهورية، وهذا طبعاً لم يرد على لسان عبدالملك وإنما آخرين لا يفرقون بين الصقر والغراب، فما هو الفرق بين 21 سبتمبر الذي يحتفل به الحوثيون من صميم قلوبهم، و26 سبتمبر الذي يزرعه اليمنيون في أعماق أرواحهم وينمو ويرتوي فيها بقدر ما يحاول الحوثيون تجفيفه وقطع جذوره.

قالت قناة المسيرة إن مهدي المشاط الذي يفهم من هم تحت سلطة الحوثيين أنه يمارس مهام رئيس الجمهورية، قد رفع التهاني بمناسبة (ثورة 21 سبتمبر) إلى "القيادة"، أي أنه ما زال موظفاً في مكتب عبدالملك ولكن بمسمى وظيفي مختلف، وفي كل رئاسات العالم يتلقى الرئيس التهاني بالمناسبات، وهذه النظرية المعكوسة للحوثيين لا علاقة لها برئاسة الجمهورية اليمنية، فمن انتخب مهدي المشاط، ودستور الجمهورية اليمنية ينص على انتخاب الرئيس مباشرة من المواطنين، وهذا أول فارق بين جمهورية اليمنيين وسبتمبرهم، وبين سبتمبر عبدالملك وشركاه؟!

وبينما لا أهداف معلنة لما يسميه الحوثي ثورة 21 سبتمبر وهذا الفرق الثاني، فقد نصت أهداف ثورة 26 سبتمبر 1962 على أن المساواة هدف لها، وتحول هذا الهدف إلى نص دستوري مرجعي في دستور الجمهورية، يجرم التمييز بين المواطنين وينص على أنهم سواسية أمام القانون، فأتت 21 سبتمبر لترفع نص القسم بالولاء يصف عبدالملك بـ"سيدي ومولاي"، ويقول إن الله اختاره لولاية المسلمين، وأنه أكرم من سواه، ويحق له ما لا يحق لغيره، وفي هذا الإطار يصعب إجراء أية مقارنة مع الجمهورية ومبادئها، ولكنه عملياً أكثر فظاعة من ادعاء الإمام يحيى حميد الدين ذاته بالقداسة والحق الإلهي بالحكم، فلم يكن يجبر تابعيه على قسم كهذا رغم فارق عقود بينه وبين صاحب الكهف الجديد.

جاء 26 سبتمبر اليمني ليبشر بالديمقراطية والتحرر من الاستبداد والاستعمار، وجاء 21 سبتمبر الحوثي، ليرسل محمد عبدالسلام إلى طهران للاعتراف بعلي خامنئي كمرجع له ولجماعته، وليمارس أصغر مسلح حوثي استبداداً وانتهاكاً غير مسبوقين على أي مواطن يمني، دون أن يحاسبه أحد، فحتى أجهزة الأمن والقضاء أصبحت مجرد غنيمة للصوص تحميهم من أي مطالب حقوقية.

جعل 26 سبتمبر من حسن زيد رئيساً لأحزاب اللقاء المشترك، ليطالب بأعلى سقف من الحقوق له ولأحزاب المشترك، ويتحدث للصحف والقنوات بما يريد ضد سلطة وحزب علي عبدالله صالح، دون أن يتعرض لأي أذى، وجعل 21 سبتمبر من حسن زيد وزيراً للحوثي يقول إن أية معارضة للحوثيين خيانة عظمى، رغم أنه هو وجماعته ارتكبوا الخيانات الأعظم، ودمروا البلد جيشاً واقتصاداً وحريات وحقوقاً وخدمات بناها اليمنيون على مدار خمسة عقود، وكانوا يطالبون بتحسين شروطها وجودتها، في ظل نظام ديمقراطي حر لم يؤمن به زيد وجماعته يوماً.

راكم 26 سبتمبر إرث دولة بنت أكثر من 15 ألف مدرسة التحق بها ملايين الطلاب، ومنح مئات الآلاف من اليمنيين فرص التعليم الجامعي في الداخل والخارج، ومهما كانت مستويات التعليم وجودته، فقد تكرس كحق أصيل للمواطن اليمني وبمرور الوقت والتجربة كان سيصبح أفضل بحتمية الزمن والتاريخ، وراكم 21 سبتمبر مئات المدارس ككومة تراب استوت جدرانها بأعمدتها بأسقفها، واختلطت نوافذها بأبوابها، وحول غيرها إلى ثكنات عسكرية ومساكن نازحين، وأوقف ما تبقى عن أداء دورها بوقف وسرقة مرتبات المعلمين، فأصبحت ديكوراً للحصول على دعم المنظمات الدولية باسم المعلمين والطلاب، ومنح الوزارة برمتها ليحيى الحوثي لأنه شقيق عبدالملك، ليعدل المناهج ويغير السياسات والقيادات، وهو الذي لم يلتحق يوماً بمدرسة تعليم نظامي، ويعجز عن مجرد التوقيع على شيك بنكي.

منح 26 سبتمبر اليمن رصيداً من الديمقراطية، سمح بأن يقوم المواطن نفسه باختيار رئيسه عبر صندوق الانتخابات، وأرغم من يريد الوصول للحكم على إقناع المواطن ببرنامجه وهدفه ليحصل على صوته، وأن يلهث من محافظة لأخرى للوصول إلى المواطن صاحب القرار، وخاض اليمنيون انتخابات عدة لأعضاء البرلمان الذين يضعون التشريعات ويمارسون الرقابة على الحاكم وأجهزته التنفيذية، كانت التجربة تتطور باستمرار، حتى جاء 21 سبتمبر فانقلب على رئيس، وقتل من سبقه، ومنع البرلمان من عقد جلساته لسنوات، وقال إن الديمقراطية كفر وتبعية للغرب، وإن الولاية هي المبدأ الذي يؤمن به، وهي تمنح الحق لعبدالملك وأسرته وليس لليمنيين.

جرم دستور اليمن وقوانينه النابعة عن 26 سبتمبر أية جباية بدون قانون، وجعل التعليم والصحة حقاً مجانياً للمواطن اليمني، وكان بإمكان أي مواطن أو حزب الاعتراض حتى على مشاريع القوانين، أو على أية ممارسات تحد من تكافؤ الفرص أو سوء استخدام السلطة، ومع كل الممارسات السلبية كانت العجلة تدور والتجربة تتطور كل يوم، وجاء 21 سبتمبر لينهب المواطنين بمسميات مختلفة ويفرض جمارك داخلية وضرائب على سنوات ماضية، وزكاة بلا قانون، ولا يقدم مقابل ذلك للمواطن أية خدمة عامة، الكهرباء تمت خصخصتها، والصحة مستشفيات حكومية لمقاتليه وكادر بدون حقوق، ومشاف خاصة لمستثمرين تابعين له، وكل شيء يتم بيعه للمواطن المحروم من أبسط حقوقه.

حتى المقاتلين في صف الحوثي، فرض عليهم 21 سبتمبر تمييزاً عنصرياً مقيتاً، فقد عاد شابان من حي شعوب إلى أسرهما من جبهة الساحل الغربي أشلاء ممزقة، تم تسليم الأول على متن سيارة شاص لأسرته كأية مخلفات دون مراسيم، ولا تعزية ولا معونة، لأنه لا ينتمي لأسرة من السلالة، وتم تشييع الثاني بموكب سيارات، وتسليم أسرته حمولة سيارة كاملة من المواد الغذائية والمشاركة في دفنه، لأنه ينتمي لبيت الوشلي.

26 سبتمبر رفع للسلطة والمناصب القيادية يمنيين من كل منطقة في اليمن رغم بعض الاختلالات التي كانت تتعرض للنقد الشديد، بينما 21 سبتمبر رفع للمناصب العليا لسلطة الجماعة شخصيات من صنف واحد وسلالة واحدة تفتقر للموهبة والمؤهل والنزاهة والمسؤولية، وأقصى كل مناطق اليمن من أي استحقاق، وإذا قام أحدهم بانتقاد تلك الممارسات بأخفت صوت، تعرض للتخوين والاتهام، والملاحقة والاعتقال والتعذيب.

باختصار هدم 21 سبتمبر كل ما بناه 26 سبتمبر، وحوَّل ما منحه 26 للشعب اليمني إلى غنيمة حصرية لسلالة أو ادعاء سلالة.

المحبة تحولت كراهية في عهد 21

التعايش تحول صراعاً في عهد 21

المساواة تحولت تمييزاً عنصرياً في عهد 21

صندوق الانتخابات تحول صندوق جمع تبرعات في عهد 21

التعليم تحول تجهيلاً في عهد 21

الصحة أصبحت شعوذة ووباءً في عهد 21

الجيش تحول لجاناً شعبية في عهد 21

الحرية أصبحت استبداداً في عهد 21

الدولة تحولت ميليشيا في عهد 21

عنصر الأمن أصبح قاطع طريق في عهد 21

الإسلام تم حصره في الولاية في عهد 21

اليمن تم حصرها على أسرة بدرالدين في عهد 21

النشيد الوطني تحول إلى شعار موت في عهد 21

اليمين الدستورية تحولت إلى قسم الولاء في عهد 21