البدايات الخاطئة .. والنهايات الكارثية ..!!

08:47 2023/11/07

دائماً ما تتوقف النتائج النهائية لأي مشروع أو تجربة أو بحث أو تصرفات أو سياسات على البدايات والأسس والأوليات والقواعد والأفكار والسلوكيات التي يمارسها القائمين والمشرفين والمسئولين عن ذلك العمل ، فالبدايات الخاطئة من غير المعقول أن تؤدي إلى نهايات صائبة وصحيحة ، والعكس صحيح ، فمن يتبنى أفكار سلبية وسياسات خاطئة ، سوف تكون النتائج والنهايات لسلوكاتيه تلك كارثية ، فمن يزرع الشوك لا يمكن أن يحصد العنب ، ومن يزرع مثلاً التعصبات الطائفية والمذهبية وثقافة الكراهية لا يمكن أن يحصد التسامح والتعاون والقبول من الآخر ، فبناء جسور التعاون والتكاتف والتلاحم بين أفراد الأسرة أو المجتمع أو الأمة الواحدة ، يحتاج إلى ترسيخ ثقافة التسامح والتعدد والتنوع والقبول بالآخر واحترام الآخر والشراكة مع الآخر ، فالسياسات والتصرفات القائمة على التعصب الطائفي والمذهبي حتماً ستؤدي إلى صناعة المزيد من التفرقة والانقسام بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد ، وهل تتعرض الأمم للهزائم والانكسارات إلا بسبب التعصبات الطائفية والمذهبية والحزبية والمناطقية التي تنخر في جسدها ، وتفت من عضدها وتضعف قوتها وتشتت شملها وتهدر طاقاتها وامكانياتها وثرواتها وخيراتها ، وتجعلها مطمعاً لكل ناهب وطامع ..!!

والشاهد من ذلك هو أن حالة الضعف والهوان التي تعيشها الأمة الإسلامية اليوم ، هي النتيجة الطبيعية لحالة الانقسام الطائفي والمذهبي بين أفرادها ، والذي لم يتوقف عند ذلك الحد بل إن السياسات السلطوية تتوقف على الولاءات والانتماءات الطائفية والمذهبية للقائمين على السلطة في هذه الدولة أو تلك ، لتصبح السلطات الحاكمة بمثابة سلطات طائفية ومذهبية ولا تمثل كل أفراد الشعب ، تسخر كل امكانيات وقدرات الوطن لترسيخ ثقافتها وتوجهاتها وأفكارها الطائفية والمذهبية ، بل والعمل على فرضها بالترهيب والترغيب على الآخرين ، والذي يؤدي إلى صناعة المزيد من الكراهية والتنافر بين السلطة الطائفية والمذهبية والمعارضين لها ، وهو ما يؤدي إلى حالة من الإنقسام داخل الوطن الواحد ، والظروف السياسية قد تضع السلطات الحاكمة في مواقف صعبة يتوقف عليها مصيرها ومستقبلها ، ما يدفعها للمطالبة بتوحيد الصفوف ولم الشمل لمواجهة تلك الأخطار المحدقة بها ، وهكذا دعوات إيجابية للأسف تأتي في أوقات متأخرة ، وفي أوقات عصيبة ، وكم كانت ستكون تلك الدعوات رائعة ومقبولة لو جاءت في وقت مبكر ، ولو جعلت منها السلطة منهجا لها في تعاملاتها وسياساتها في كل الظروف والأحوال ، لوجدت نفسها في مأمن ولشاهدت كل ابناء الوطن بمختلف انتماءتهم وهم يقفون معها في صف واحد ..!!

وهكذا نهايات عظيمة وسعيدة هي نتاج سياسات وتصرفات سلطوية مسئولة ، ونتاج نظرة السلطة بعين التساوي لكل أبناء الشعب ، ونتاح احترامها للتعدد والتنوع المذهبي والفكري والثقافي والسياسي ، ونتاج شراكتها السياسية مع كل القوى والاحزاب الفاعلة في الساحة الوطنية ، ونتاج انتهاجها للأفكار والمبادئ الشوروية والديمقراطية ، وهكذا نهايات لا تحدث في المجتمعات المتخلفة والجاهلة والمتعصبة ، ولا تحصل في المجتمعات التي تحكمها أنظمة حكم استبدادية وطائفية ومذهبية ، لأن البدايات والأسس والمقدمات السلبية التي تقوم عليها تلك المجتمعات والأنظمة ، لن تقود ولن تؤدي إلإ إلى نهايات كارثية وحزينة ، فحالة الظلم السائدة ، وحالة تكريس الفكر الطائفي والمذهبي ، حتماً تصنع حالة من التذمر والسخط والرفض الجماهيري تجاه السلطة الحاكمة ، وفي نفس الوقت تجعل السلطة الحاكمة تنظر إلى كل من يعارضها بعين الشك والريبة ، وهكذا وضع غير مهيأ أبداً لصناعة نهايات عظيمة وسعيدة بل إن النهايات الكارثية والحزينة والمأساوية هي ما سوف تفرزه هكذا أوضاع سياسية وسلطوية واجتماعية مضطربة ، لذلك من يريد تحقيق نهايات عظيمة وسعيدة وإيجابية سواء على المستوى الفردي أو الجماعي أو السياسي ، عليه وضع المقدمات والقواعد والأسس والبدايات الإيجابية القادرة على صناعة الظروف والأوضاع المثالية للحصول على النهايات الإيجابية والعظيمة ..!!

فبناء جسور التواصل والتعاون والتآخي والتلاحم بين أفراد الأسرة أو المجتمع أو الأمة ليست مسألة مزاجية أو وقتية يمكن للسلطة استدعاءها عند الحاجة إليها فقط ، بل هي نتاج مجهودات كبيرة وعظيمة وقناعات صادقة تتبنى كل السلوكيات والأفكار والسياسات التي تساهم بشكل إيجابي في ترسيخ تلك القيم كثقافة مجتمعية وتعليمية وواقعية ، تنمي روح التعاون والتآخي بين كل أفراد المجتمع ، ثقافة تتجاوز السلبيات والخلافيات وتركز على الإيجابيات ونقاط التقارب والتوافق ، والسلطة القادرة على القيام بتلك المهمة العظيمة والنبيلة هي السلطة المتحررة من كل التعصبات الطائفية والمذهبية والحزبية ، والقائم فكرها ومنهجها على العدل والشورى والديمقراطية والمواطنة المتساوية ، هي السلطة التي تحترم النظام والقانون في كل تعاملاتها ومواقفها ، إنها السلطة الفاضلة التي نشأت وترعرعت في مخيلة الفلاسفة والمفكرين ، التي يقودها الحكماء والعقلاء ، الذين تجاوزوا بحكمتهم وعلمهم معضلة التعصبات بكل أنواعها ، والذين ينظرون إلى كل أفراد المجتمع نظرة واحدة ومتساوية ، وهكذا سلطات من النادر وجودها على أرض الواقع خصوصاً في المجتمعات المنقسمة طائفيا ومذهبياً، فالمصالح الشخصية والأسرية والتعصبات الطائفية والمذهبية والولاءت الحزبية والمناطقية هي الحاضرة في معظم تصرفات ومواقف الكثير من القيادات السلطوية في تلك المجتمعات ، وسلطات تتأسس وتقوم على تمجيد وتعظيم الأفكار الطائفية والمذهبية ، بدون شك أن قراراتها وممارساتها وسياساتها لن تكون إيجابية ومثالية ، وهكذا أوضاع بدون شك هي التي تقود السلطات الحاكمة والمجتمعات البشرية الغارقة في مستنقعات التعصبات السلبية في كل زمان ومكان إلى حصاد  نهايات سلبية وكارثية وحزينة ..!!