Image

طفرة النمو الجنوبية تخلق اقتصاداً بسرعتين في منطقة اليورو

الإنتاج الاقتصادي للدول الأوروبية الجنوبية الأربع يتفوق بـ5 % على ألمانيا

أضافت إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان أكثر من 200 مليار يورو من الناتج المحلي الإجمالي، من حيث الأسعار المعدلة على مدار الأعوام الستة الماضية، في حين توسع الناتج المحلي الإجمالي الألماني بمقدار 85 مليار يورو فقط، بحسب تحليل أجرته شركة «كابيتال إكونوميكس» للاستشارات لصالح «فايننشال تايمز».

ولم ينمُ الاقتصاد الألماني إلا بالكاد، منذ تفشي جائحة فيروس «كورونا» في 2020، بعد تفاقم التباطؤ الحاد في قطاع التصنيع الضخم، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة منذ بدء الحرب الأوكرانية.

وعلى النقيض، تلقت دول جنوبي أوروبا دعماً من انتعاش السياحة، بعد رفع قيود الجائحة، إضافة إلى انخفاض تعرضها لانكماش التصنيع، وفقدان الغاز الروسي الرخيص.

وقال آندرو كيننغهام كبير خبراء الاقتصاد المختصين بالشأن الأوروبي لدى «كابيتال إكونوميكس»، إن الإنتاج الاقتصادي للدول الأوروبية الجنوبية الأربع «يتفوق الآن بأكثر من 5 % على ألمانيا».

ولكن طفرة النمو التي حدثت منذ عام 2017، تعكس جزئياً فقط، الأرض التي فقدتها هذه الدول منذ الأزمة المالية لعام 2008، التي عانت بعدها اقتصادات عديدة في «أطراف» منطقة اليورو أزمات مصرفية، واحتاجت إلى حزم إنقاذ.

وأوضح كيننغهام أن «الدول الطرفية كانت أكبر بنسبة 20 % من ألمانيا قبل الأزمة المالية العالمية».

وقال الخبير الاقتصادي إن الأداء المتفوق نسبياً لدول الجنوب، يبدو أنه ساعد المصرف المركزي الأوروبي في الحفاظ على توافق واسع حول توقيت الخفض المُحتمل لأسعار الفائدة، حيث يلمح غالبية واضعي السياسة النقدية لاحتمالية بدء التحرك في يونيو، إذا واصلت ضغوط الأسعار انحسارها.

وأضاف كيننغهام: «خلافاً لما شهدناه في غالبية العقد المنصرم، فمن الواضح أن الاقتصادات الجنوبية لا تحتاج لسياسة نقدية أكثر مرونة مقارنة بالدول الأساسية، بل ربما يكون العكس صحيحاً».

وساعد اقتصاد منطقة اليورو ثنائي السرعات، في تضييق الفجوة بين تكلفة الاقتراض بالنسبة دول جنوبي أوروبا مقارنة بألمانيا. وقد انخفض الفارق بين عوائد السندات لأجل 10 سنوات في إيطاليا وألمانيا مؤخراً، إلى أدنى مستوى له منذ عام، وهو مقياس للضغوط المالية، يتم مراقبته عن كثب 2021.

ويتوقع استمرار تفوق أداء دول الجنوب، بما في ذلك إيطاليا وإسبانيا، ثالث ورابع أكبر اقتصادات منطقة اليورو، مع مواصلة النمو القوي هذا العام، في حين تظل ألمانيا والاقتصادات الشمالية الأخرى، مثل النمسا وهولندا، عالقة في مأزق.

وقال كيننغهام إنه يتوقع نمو اقتصادات هذه الدول الجنوبية الأربع بشكل جماعي، بنسبة تتخطى النمو في ألمانيا بـ 1 %، وذلك بين نهاية العام الجاري و2026. إلا أنه وغيره من خبراء الاقتصاد، شككوا في استمرار هذا الاتجاه بعد هذه النقطة.

ووجدت دراسة حديثة أجراها مصرف «آي إن جي» الهولندي، أن النمسا وبلجيكا وفرنسا وهولندا، خسرت القدرة التنافسية لتكاليف العمالة، بسبب النمو السريع للأجور خلال السنوات الأربع الماضية، إلا أن الأمر شهد تحسناً في إيطاليا وإسبانيا واليونان وإيرلندا، نتيجة التحسينات في الإنتاجية. أما في ألمانيا، فقد ظلت التنافسية ثابتة.

ثمّة عامل آخر، وهو صندوق تعافي الاتحاد الأوروبي البالغة قيمته 800 مليار يورو، الذي استفادت منه الدول الجنوبية بالدرجة الأولى، بفضل مزيج المِنَح والقروض الرخيصة، في مقابل إصلاحات بنيوية معززة للنمو. وتعد إيطاليا وإسبانيا أول وثاني أكبر المستفيدين من هذا الصندوق.

وذكر رافاييل دومينيش كبير خبراء الاقتصاد لدى مصرف «بي بي في إيه» الإسباني، أن نمو إسبانيا تلقى دفعة من ارتفاع معدل الهجرة، التي عززت القوى العاملة في البلاد بنسبة 1.1 % العام الماضي. ومع ذلك، حذر دومينيش قائلاً: «أشك في استمرار فرق النمو هذا في المستقبل، في ضوء انخفاض استثمار إسبانيا في السكان بسن العمل، ونظراً إلى التراجع المُتوقع لنمو الإنتاجية».

من ناحية أخرى، خفضت معاهد البحوث الاقتصادية الخمسة الكبرى في ألمانيا، تقديراتها لنمو البلاد في 2024 من 1.3 % إلى 0.1 %. رغم ذلك، رجحت هذه المعاهد تعافي النمو إلى 1.4 % العام المقبل.

وصرّح يانيس ستورناراس محافظ المركزي اليوناني، لـ «فايننشال تايمز»، بأن قدراً كبيراً من تفوق الأداء الذي تمتعت به دول الجنوب، يُعزى إلى «تعديل ألمانيا لنموذج أعمالها وفق الحقائق الجديدة»، وهي ارتفاع تكلفة الطاقة وصادرات أقل إلى الصين، مضيفاً: «لا أعتقد في ديمومة هذا الوضع».

ثمّة عامل آخر يلقي بظلاله على النمو الألماني، وهو التشديد الهائل للسياسة المالية، لتقليص عجز الموازنة الحكومية إلى نحو 2 % العام الماضي، امتثالاً لعودة العمل بقاعدة كبح الديون المقيدة في البلاد.

وعلى النقيض، حافظت دول الجنوب على سياسة مالية أكثر دعماً، فازداد عجز الموازنة الإيطالي إلى 7.2 % في العام الماضي.

لكنّ تعتزم إيطاليا كبح الإنفاق للوفاء بالقواعد المالية للاتحاد الأوروبي، التي تم استئناف العمل بها مؤخراً، ما يعني أنه من المتوقع أن يتلاشى أداؤها المتفوق. ويرى كيننغهام أن معظم النمو الإيطالي تقريباً منذ 2019، إنما كان نابعاً من محفزات ضريبية «ممتازة»، التي عززت قطاع الإنشاءات الخاصة، منوّهاً بأن تقليص هذا البرنامج سيتسبب في أن هذا التوسع «لن يكون مستداماً».