سـيَّـان.. إِقـالة أو استقـالة .. صراعُ التوصيف وواحديةُ الأثر

قبل 4 ساعة و 24 دقيقة

بصدور القرارين الجمهوريين رقم (٨) وتاريخ ١ مايو ٢٠٢٥، ورقم (١٥٦) وتاريخ ٣ مايو ٢٠٢٥، أُسدِل ستار الصراع المحتدم بين ثنائي السلطة التنفيذية للشرعية في اليمن (رئيس مجلس القيادة الرئاسي ورئيس مجلس الوزراء) ، لكنّ اللَّغطَ وتساؤلاتٍ عدة ثارث في أوساط النُخب السياسية والقانونية بل وعامة الشعب اليمني حول مضمون القرارين :

-فالقرار الأول لم يُنشر، ونعتقد أنه يحمل شفرة الجواب لصراع التوصيف الذي شغل الرأي العام، أهو إقالة لابن مبارك أو قبول لاستقالته التي نشرها، خصوصًا مع تنامي المعلومات عن حسم مجلس القيادة أمره مبكرًا واتخاذه لقرار إقالة بن مبارك الذي سارع لتقديم استقالته المؤرخة باليوم ذاته.  -في حين أنَّ القرار الثاني المتعلق بتعيين رئيس وزراء جديد أهملَ الأصول الدستورية المفروض اتباعها  عقب صدور الإقالة أو قبول استقالة رئيس مجلس الوزراء، فبدلاً من تكليف من يقوم بتشكيل الوزارة اكتفى القرار بتعيين (بن بريك) رئيسًا للوزراء، ولم يقف عند ذلك بل جرَّده من حقه في اختيار أعضاء حكومته، حيث أعقبه بمادة ثانية تضمنت استمرار كافة الوزراء في أداء مهامهم وفقًا لقرارات تعيينهم السابقة.

رداً على تلك التساؤلات حول مصطلحي ( الإقالة والاستقالة ) وأثرهما على وضعية حكومة بن مبارك، أضع هذا التأصيل القانوني والاجتهاد الدستوري كمَخرجٍ لما يظنهُ البعض مأزقاً دستورياً لا فكاكَ منه، وأتطرق إلى بيان ذلك من زوايا ثلاثٍ :

الزاوية اللغوية:
نعم هناك فرق بين الإقالة والاستقالة المتعلقة بشخص رئيس مجلس الوزراء، فالأولى وهي هنا بمعنى العزل، تكون من السلطة الأعلى للأدنى أَو ممن يملك سلطة العزل، وهي في كنهها تنطوي على معنى العقوبة أو تقرير للمسؤولية السياسية تجاه الشخص المُقال في الغالب، في حين أن الاستقالة : غالباً ما تكون من الأدنى للأعلى، وتقدم بإرادة ذاتية من المستقيل واختيارٍ منه، وإن كانت في أحايينَ كثيرة قد تحمل في باطنها معنى الإقالة، وذلك عند وجود عامل الإجبار والإكراه لسلوكها، كما في حالة حجب أو سحب الثقة عن الحكومة من البرلمان فتصبح هنا استقالة الحكومة إجبارية، وذلك بموجب الدستور النافذ وفقاً للمادة (١٤٢) منه، وهذه الاستقالة الإجبارية التي يُلزم رئيس الوزراء بتقديمها، هي في حقيقتها إقالة؛ لانتفاء وانعدام حرية الاختيار في تقديمها ( كونها تقريراً لحالة المسؤولية السياسية على الحكومة). وهذا ما يؤكد لنا أنَّ ظاهر استقالة بن مبارك ما كانت في حقيقتها-ووفقًا لمعطياتها- إلا إقـالة .

الزاوية القانونية :
تجدر الإشارة ابتداءً إلى أنَّ استقالة الوزير تفرق عن استقالة رئيس مجلس الوزراء، فاستقالة الوزير الفرد لا تبارح أثرها شخصَه، ولا تتعداه إلا في حالة ما إذا تقدم أغلبية الوزراء باستقالتهم، فيُضحي لزاماً على رئيس الوزراء تقديم استقالة الحكومة وذلك الإلزام يستمد سنده من نص المادة (١٤٣) من الدستور، أما استقالة رئيس مجلس الوزراء فالأصل سريان أثرها وامتدادها لكل أعضاء المجلس.  هذا وعودًا على بدء، لم يفرّق المشرع الدستوري اليمني بين الإقالة والاستقالة من حيث الأثر، فكلاهما يشترك في واحدية الأثر، المتمثل- كما تُبين لنا المادة (١٤٠) من الدستور النافذ - في تكليف الحكومة المقالة أو المستقيلة بتصريف الأعمال، حتى تشكيل الحكومة الجديدة، حيث نصت المادة المشار اليها على: " عند إستقالة الوزارة أو إقالتها أو سحب الثقة منها تكلف الوزارة بتصريف الشؤون العامة العادية ما عدا التعيين والعزل حتى تشكل الوزارة الجديدة"، وعليه فيترتب على ذلك أربعة أمور :

1- يفترص استمرار حكومة بن مبارك للقيام بتسيير الشئُون العامة العادية منها فقط دون ما عداها، محظورًا عليها إصدار أي قرارات تتصل بالتعيين أو العزل.
٢- تكليف رئيس الجمهورية لرئيس وزراء جديد يناط به مهمة تشكيل حكومة جديدة بالتشاور مع رئيس الجمهورية.
٣- لا يؤثر تعيين رئيس وزراء جديد على وجود وبقاء حكومة تصريف الأعمال، بشكل مؤقت، لأن العبرة ليس بتعيينه وانما بانتهائه من تشكيل الحكومة الجديدة، وذلك الانتهاء يكون بصدور قرار جمهوري بتسمية أعضاء الوزارة الجدد
٤-  يلزم رئيس الوزراء عقب تشكيل الحكومة التقدم بطلب نيل ثقة البرلمان على ضوء برنامج يتقدم به للمجلس، وذلك خلال ٢٥ يوماً، وفقًا لنص المادة (٨٦) من الدستور.

الزاوية السياسية والواقعية:
على خلاف جمودية وصرامة حرفية السردية القانونية المستمدة من دستور اليمن النافذ، يحمل الواقع السياسي ومتغيراته في جعبته المخرج، إذ يفرض الواقع السياسي أمورًا ومتغيرات يتحتم معها تنحية العمل بالشرعية الدستورية ونصوصها الحرفية ويتجه لتفعيل شرعية الضرورة والقوة القاهرة أَو شرعية الأمر الواقع وهي شرعية يفرضها الواقع السياسي الذي تعيشه البلاد حالياً خصوصا وأننا في حالة حرب، وانعدام الاستقرار السياسي منذ العام  ٢٠١١ مروراً بمتغيرات سبتمبر ٢٠١٤ ثم مرورًا بأحداث مارس ٢٠١٥ وما أعقب ذلك من أحداث جوسياسية مزّقت البلاد وعصفت بالمواطنين ولم تنتهِ آثارها وانعكاساتها حتى اللحظة.

إضافة إلى أنَّ الكتلة الدستورية للبلاد تعددت وجرى عليها التعديل، فلم تعد تقتصر على الدستور النافذ المعلوم فحسب، بل أُضيف لها : المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ( وثائق تعديلية للدستور حسب التكييف القانوني لها )، وأيضاً أضيف لها إعلان نقل السلطة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي الصادر بتاريخ ٧ ابريل ٢٠٢٢، الذي اعتمد في تأسيس صدوره على بعض المبادئ العامة للدستور والمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وبالذات المادة التاسعة منها، ويمكن اعتباره إعلانًا دستوريًا مكملًا لبقية الوثائق الدستورية السابقة. والقول بغير ذلك التأسيس ينسف وجود سلطات الشرعية القائمة وما تبقَّى من وجود للدولة.

وعليه : فالمادة السادسة من الإعلان المشار إليه الواردة تحت عنوان "حكومة الكفاءات" تسمح لمجلس القيادة الرئاسي بإجراء تعديلٍ أو تغييرٍ أو تشكيلٍ جديد للحكومة ، في حين أنّ المادة الأخيرة منه وهي المادة التاسعة تنص على إلغاء أي تعارض لنصوص إعلان نقل السلطة مع الدستور والقوانين النافذة وتجعل لها الفوقية والسُّمو على غيرها. هذا والله أعلم. 
              
* باحث دكتوراه في القانون الدستوري