Image

التسلية أم التغيير..مستقبل الإعلام فى عصر الترفيه طريق الصحافة للنجاة من فخ «السقوط الحر»

هل الصحافة بحاجة لأن تكون مسلية وترفيهية لتحتل مكان الصدارة في المشهد المعلوماتي الحالي؟ ما مدى فعالية المحتوى والسياق البناء؟ هل مقاطع الفيديو الجذابة والمقاطع الصوتية والرسومات البيانية الزاهية والملونة هي الطريقة الوحيدة لجذب الانتباه والمنافسة؟ ما هو موقع الصحافة في اقتصاد الاهتمام الحالي؟ هل مازالت الصحافة هي ذاتها الصحافة التي نعرفها في وقت يتم فيه إغراق المرء ليل نهار بتيار من المعلومات؟ كيف نحافظ على القيم والأخلاق الصحفية؟

 

 

تساؤلات كثيرة طرحها مؤتمر القاهرة الثالث للإعلام الذي نظمته الجامعة الأمريكية في القاهرة ،تحت عنوان «إعادة بناء الصحافة في عصر الترفيه وعدم اليقين» على مدار يومين.  أسئلة تحتاج إلى إجابات من أبناء المهنة سواء في الصحافة الورقية التقليدية أو المواقع الإلكترونية أو من العاملين في الميديا التليفزيونية، إلى جانب أصحاب التجارب المتفردة والخاصة في مجال الميديا والإعلام (مواقع متخصصة في تقديم محتوى خاص) والأكاديميين من أساتذة كلية الإعلام وطلبة الإعلام، بالإضافة إلى استطلاع آراء الجمهور حول ما يريدونه وما يحلمون أن يروه في الإعلام. لم يقدم المؤتمر إجابات نهائية لهذا الكم من الأسئلة الكثيرة، لكنه حاول تقديم إجابات كانت أشبه بالعصف الذهني من كل الأطراف المشاركة في تقديم المحتوى الإعلامى، سواء ممن قالوا إنهم ينتمون إلى المدرسة القديمة في المهنة، حيث المحتوى المميز والحرفية وتحري الدقة، وأن يكون الصحفي مثقفا موسوعيا فمهنته أو حرفته الأساسية هي الكتابة، وبين من يسارعون الزمن لمواكبة التطورات التكنولوجية وسرعة السوشيال ميديا في تطوير المحتوى المقدم للمتلقين/ المستخدمين، وهو ما يفرض الكثافة والسرعة وربما التخلي عن التدقيق والتحقق من المعلومات، الذين يبحثون عن المحتوى الجاذب(clickbait) لجعل الجمهور ينقر للدخول على الموقع.

وبسبب سرعة قارئ الصحف ومشاهد التليفزيون إلى السوشيال ميديا، تغيرت اهتمامات المتلقين، حيث تزايدت كراهية الميديا، خصوصا مع تفشي كورونا، لأنها لا تقدم لهم ما يريدونه من الترفيه والمتعة مثل منصات البث الحي ووسائل التواصل الاجتماعي، خصوصا «التيك توك» الذي يستهدف المراهقين والشباب.  قال فراس الأطرقجي، رئيس قسم الصحافة والإعلام بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، إن الدور الأساسي لمعلمي الصحافة والإعلام هو التركيز على السياق والتوازن والمصداقية، وإن معظم المؤسسات الإعلامية تخضع لسيطرة السوشيال ميديا ويجب على الصحافة التقليدية الاهتمام بقراءة محتواها وزيادة جرعة التحقيقات الصحفية، وهذه مسئولية على الأكاديميين لإيصالها للجيل الجديد من الصحفيين. ووجه الأطرقجي رسالة لكل أساتذة الصحافة والإعلام، بضرورة تعليم الجيل الجديد أساسيات الصحافة ومواثيقها، وأن صناعة»الإعلام الصحيح»تتطلب الحياد. وأكدت الإعلامية اللبنانية جيزال خوري، التي شاركت في المؤتمر عبر تطبيق زووم، قضية عزوف الشباب عن وسائل الإعلام التقليدية، فلا يوجد من يتابع برنامجا تليفزيونيا لمدة ساعة على سبيل المثال، وأنهم يلجأون إلى مواقع التواصل الاجتماعي. وطرحت جيزال فرضية أنه يجب على وسائل الإعلام التقليدية الاستماع إلى صوت الشباب العربي، فهذا أحد الحلول للوصول إلى هذه الفئة، وأنه يجب استخدام السوشيال ميديا للترويج للبرامج التليفزيونية بشكل أكبر، ولم ينجح أحد من المؤسسات الصحفية العربية في استغلال السوشيال ميديا بالشكل الأمثل حتى الآن. بينما توقف الكاتب الصحفي جمال فهمي عند أول سؤال: «هل يجب أن تكون الصحافة مسلية؟»، قائلا: «أحب أرد بسؤال وهو هل الصحافة مهنة وحرفة أم من الممكن لأي شخص أن يصبح صحفيا على الإنترنت دون الالتزام بأي معايير أو مواثيق في العمل الصحفي أو الإعلامي ؟»، مشيرا إلى أن الصحفي يقدم خدمة معلوماتية، مع الالتزام بالتحقق وصحة المعلومة، وأنه مع السوشيال ميديا أصبح هناك شكل من الاستخفاف أو الاستسهال في نقل المعلومة أو التحقق منها. ويري فهمي أن السبب الرئيسي لوجود أخبار غير صحيحة أو مفبركة هو سهولة استخدام السوشيال ميديا، وأن الصحفي أصبح أقل اكتراثا لقواعد المهنة، مما سبب تراجعا كبيرا وتهاونا في التعامل مع قواعد ومعايير العمل الصحفي. تحدث الكاتب الصحفي علاء الغطريفي، عن أن المحتوى الجيد لابد أن يفرض نفسه، وأن التكنولوجيا وسيلة لرواية القصص الإخبارية بشكل أفضل. وأكد أن العودة للجذور هي السبيل الوحيد لإنقاذ المهنة واستمراريتها، وأن «تاءات» الصحافة المتمثلة في«التأثير والتغيير والتقارب والتسلية»، حيث أصبحت التاء الرابعة (التسلية)هي الغالبة «تاء هزمت تاءات» وحولت الصحافة إلى «فشار» ليس بها شيء حقيقي، خصوصا المواقع الإلكترونية. إذن نجاة الصحافة أو بمعنى أصح» نجاة أي مهنة هو التمسك بأصولها.. فكيف تطلب من طبيب أن يطبب ويداوي الناس دون أن يلتزم بأخلاقيات ومعايير مهنته، هكذا الصحافة تلزمنا بالعودة إلى أصولها (جذورها) لكي نتجنب الانهيار أمام سطوة التكنولوجيا، ويمكن الاستفادة من فرص وامكانات التكنولوجيا واستخدامها برشادة لمصلحة مهنة الصحافة والإعلام.. لهذا فالبث المباشر صحافة أيضا، وعلينا أن ندرك أنه ليس هدفا في حد ذاته»، حسب الغطريفي، الذي أكد ضرورة وضع ضوابط مهنية للبث المباشر.

وعن تجربة الإعلام النرويجي، قال كريستوفر إيجبيرج رئيس تحرير صحيفة «فاكتيسك دوت نو» النرويجية إنه» يجب استخدام التكنولوجيا للتحقق من الأخبار، ولا يجب التعجل على نشر الخبر من أجل تحقيق سبق صحفي على حساب التحقق من صحة الخبر،  علينا أن نجعل المشاهد يقبل المغامرة في تقصي الحقائق والأخبار والتركيز على القضايا التي تهم الجمهور». وتابع أنه «يجب ألا تسمح المؤسسات الصحفية بنشر خطاب الكراهية عبر منصاتها ، كما يحدث في أمريكا من نشر لخطاب الكراهية ،وعلينا كبديل لذلك نشر صحافة تقصي الحقائق».

وختمت الدكتورة نائلة حمدي، «عميد مساعد للدراسات العليا والبحوث بكلية الشئون العالمية والسياسة العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة»،  المؤتمر بالخروج بمجموعة من التوصيات أشارت فيها إلى أنه «تقع على عاتقنا مسئولية فرز الكثير من البيانات، والتحقق من الحقائق، وان نقدم لجمهورنا رؤية واقعية للعالم ، كل ذلك مع الحفاظ على الوقت المناسب ، والأخلاق ، والترفيه».

نقلا عن الاهرام