Image
  • Image
  • 10:52 2022/03/08

هل يصحو ضمير الأمم المتحدة وتفتح عينيها على هذا العبث؟

المنظمات الأممية.. فساد ضاعف معاناة اليمنيين وأطال من أمد الحرب
النفقات الكبيرة للمنظمات مثل شكلا من أشكال الفساد
أداء غريفيث عكس حالة الفشل الوظيفي على الهيئات الأممية العاملة في اليمن
"الغذاء العالمي" أنفق الملايين تحت مبرر عمل صيانة للمباني ووزع مواد إغاثية منتهية الصلاحية
 
أداء هيئات الأمم المتحدة العاملة في اليمن، طوال سنوات الحرب، يعدّ عاملاً لا يقل أهميةً في استمرار تدهور الوضع الإنساني.
ملايين اليمنيين يعيشون في ظروف صعبة من نزوح وفقر، رغم صرف المليارات من الدولارات التي رصدت للتخفيف من معاناتهم؛ لكن المنظمة تصرِفها لمواقف سيارات وإيجار مساكن ورواتب كبيرة، وما تبقى يصل على شكل مساعدات لا تكفي حتى ربع الاحتياجات من المساعدات الإنسانية. 
تلك النفقات الكبيرة للمنظمات تمثل شكلا من أشكال الفساد الذي ينخر المنظمات العاملة في اليمن. الملايين من الريالات ترصد لليمنيين؛ لكنها تذهب إلى مصروفات للمنظمات.
مصدر إغاثي يقول، مفضلاً عدم ذكر اسمه: "عدد اللاجئين في اليمن يصل إلى 250 ألف لاجئ، وكان الأولى أن تُستخدم هذه المبالغ في إغاثتهم بدلاً من التلاعب فيها في بناء موقف سيارات".
واتهم مصدر إغاثي ثانٍ المنظمات الأممية ببعثرة أموال اليمنيين، مُفيدا بوجود تلاعب في تسجيل الأسماء التي تُسلم لها مساعدات نقدية من المفوضية، وكاشفا عن مقتل مواطنين يمنيين في محافظة الجوف خلال تجمُّع استلام مساعدة المفوضية التي لم تكن قائمة على معايير صحيحة؛ إذ تم تسجيل الأسماء بطريقة قائمة على المحسوبية والاستقطاب حيث تمَّت من خلال شريك المفوضية في محافظة الجوف، منظمة يارد، والتي تسببت بوجود خلافات كبيرة
وقال مصدر آخر يعمل في إحدى المنظمات الإغاثية، طلب عدم ذكر اسمه، إنّ الفساد لا يُمارس في مكتب مفوضية اللاجئين بصنعاء فحسب، بل يُمارس أيضا في برنامج الغذاء العالمي، موضحا: "تنفق مبالغ مالية كبيرة تحت مبرر عمل صيانة للمباني التي تستأجرها كمكاتب لها في صنعاء وإب والحديدة وعدن وغيرها من المحافظات".
إن بنية الفساد المحلي، بسلطاته ونخبه، متشابكة ببُنية الفساد الأممي، إذ يمثل أداء الأول وبنيته دافعاً لتغذية فساد الآخر، بما في ذلك استثمارهما المساعدات الإنسانية القليلة الممنوحة لليمن، مقابل حرمان الفئات الضعيفة والأكثر احتياجاً من المساعدات. وإذا كان فساد سلطات الحرب، وكذلك سياستها الممنهجة في إفقار اليمنيين، قد فاقم من تدهور الوضع الإنساني إلى مستوياتٍ خطيرة فاقت سنوات الحرب الأولى، فإن أداء هيئات الأمم المتحدة العاملة في اليمن طوال سنوات الحرب يعدّ عاملاً لا يقل أهميةً في استمرار تدهور الوضع الإنساني. 
فإضافة إلى تواطئها مع فساد سلطات الحرب ودخولها في شبكاتها العميقة مقابل تمرير مشاريعها في المناطق الخاضعة لها، فإن تربّحها من إدارة العملية الإنسانية يجعلها طرفا ضليعا في معاناة اليمنيين، إذ تجاوز فسادها تعقيدات العمل في بيئة الحرب المحلية إلى التورّط في اختلالاتٍ عديدة تمظهرت في تصعيد قضايا هامشية على حساب القضايا المعيشية لليمنيين وكذلك قصور عملها الإغاثي، بما في ذلك دعمها معسكرات الحرب مستفيدةً من غياب الرقابة المجتمعية، وكذلك تواطؤ النخب مع فسادها، وكذلك تنمية منظمات حقوقية طارئة تتربّح على فساد المنظمات الدولية، الأمر الذي مكّنها من الإفلات من المساءلة. 
يكمن جذر اختلالات الأمم المتحدة في اليمن في كيفية تعاطيها مع الأزمة اليمنية، سواءً في شقها السياسي أو الإنساني. بحيث بات تعاملها اللامسؤول حيال قضايا اليمنيين الملحّة سمةً بارزة ميزت نشاطها وهو ما تجلى في أداء المبعوث الأممي الحالي إلى اليمن، مارتن غريفيث. فإضافة إلى فشله المزمن في دفع فرقاء الصراع إلى استئناف المسار السياسي، بما يؤدّي إلى إيجاد حل جذري ينهي حالة الحرب، فإنه اكتفى بتسويق مبادراتٍ وتسوياتٍ جزئية أسهمت في تشتيت الحل السياسي، بما في ذلك الصراع. إلا أن الأكثر كارثيةً في أداء المبعوث الأممي هو انحرافه عن دوره الوظيفي، الذي ينحصر في تقريب وجهات النظر بين فرقاء الصراع، إلى دفع قوى اجتماعية غير مؤثرة في الصراع المحلي إلى الواجهة السياسية، وتسويقها باعتبارها جزءا من ضرورة الحل السياسي فعدا عن إتمام صفقة تبادل الأسرى قبل أشهر، والتي هي جزء من اتفاق ستوكهولم، الذي عقد قبل عامين. فإن نشاط مكتب المبعوث الأممي تركّز في تصعيد قضايا ثانويةٍ لا تصبّ في صالح وقف الحرب، وإنْ سوّق ذلك بحيث بدت مجمل تلك القضايا إلهاءً سياسيا لا أكثر وإهدارا للأموال المرصودة لليمن، وتهرّبا من مسؤوليته الوظيفية ومن ثم تضييعا للوقت على حساب إنهاء الحرب.
عملت منظومة الأمم المتحدة بكل الوسائل على إبقاء الوضع في اليمن على ما هو عليه.بات تعامل الأمم المتحدة اللامسؤول حيال قضايا اليمنيين الملحّة سمةً بارزة ميزت نشاطها، ما يتجلى في أداء مارتن غريفيث. انعكست حالة الفشل الوظيفي للمبعوث الأممي على أداء هيئات الأمم المتحدة الأخرى العاملة في اليمن، بحيث عملت منظومة الأمم المتحدة بكل الوسائل على إبقاء الوضع في اليمن على ما هو عليه، سواء في الشق السياسي أو الإنساني، إذ تتبع هيئات الأمم المتحدة الإغاثية آلية عمل تعتمد بالمجمل على حلولٍ آنية لا تقدّم حلا جذريا لحالة الفقر في اليمن ودعم الفئات الأكثر احتياجاً وضعفاً، لكنه يضمن لها استمرار تدفق المساعدات من الدول المانحة على حساب إعاقة أي ممكناتٍ لإيجاد حلول مستدامة تسهم في تحسين الشرط الإنساني لليمنيين، فضلاً عن توزيعها مواد إغاثية منتهية الصلاحية، بحيث تورّطت منظماتٌ في توزيع مواد منتهية الصلاحية، جديدها منظمة الغذاء العالمي، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، وهو ما دفع السلطات في مدينة عدن إلى مساءلتها، بالإضافة إلى حرمانها الفئات الضعيفة والأشد فقراً من المساعدات الإغاثية، لصالح دعم شبكات الحرب، إذ تورّطت بعض منظمات الإغاثة الأممية العاملة في تغذية الحرب في اليمن، من خلال توزيع الإغاثة لأسر المقاتلين في جبهات الحروب سواء في المناطق الخاضعة لجماعة الحوثي، أو في مناطق السلطة الشرعية، بما في ذلك مناطق المواجهات، ما يجعلها داعما رئيسا للحرب. 
وفي واقع الفقر المدقع الذي يعانيه معظم اليمنيين، والذي يتجه إلى مؤشراتٍ أكثر خطورة في ظل انهيار الاقتصاد والعملة الوطنية، من المفارقة المحزنة أن يستمر هدر كل هذه الأموال المرصودة للعملية الإنسانية في اليمن، وتُجمع باسم اليمنيين لفعالياتٍ لا تخدم مصالحهم، وأن تكون منظمات الأمم المتحدة جزءا من منظومة الفساد، بحيث لا تختلف عن سلطات الحرب، كونها تتغذّى على استمرار معاناة اليمنيين، إذ إن السخط وحده لا يكفي هنا، كي تدرك الأمم المتحدة أن ما تفعله باليمنيين لا إنساني ولا أخلاقي، وأن عليها أن تفتح عينيها على هذا العبث.