Image

الصيام فى الضفة الأخرى.. ماليزيا تستقبل رمضان بالبيانات التلفزيونية وقرع «الدوف»

- «الكولاك» لمواجهة عطش النهار.. و«الحلقات» لإحياء الليل

لشهر رمضان فى الضفة الأخرى من العالم بماليزيا، عشق خاص لدى الماليزيين، كما عايشته بنفسى أثناء إقامتى هناك لعدة سنوات، فهم يعظمون شعائر الصيام بشكل يفوق الحد، ولهذا له طعم خاص عندهم، خصوصًا فى العاصمة كوالالمبور، حيث تعيش فيها مجموعات عرقية متنوعة من المسلمين، من الجاليات العربية، والإفريقية، ويمثل الطلبة نسبة كبيرة من هذه الجاليات المسلمة، حيث يعيش العرب، خصوصا الطلبة منهم فى ماليزيا فى تكاتف جميل، مبنى على مبدأ الوحدة الإسلامية.

يبدأ الاحتفال بشهر رمضان الكريم فى ماليزيا، برش الشوارع والساحات وتعليق الزينة، كما تدق الطبول من أهل القرى فى أولى ليالى رمضان، وتستمر الاحتفالات بشهر رمضان فى ماليزيا، ابتداءً من تجهيز المساجد وتعطيرها بأفضل العطور، حتى تفتح أبوابها طوال اليوم فى رمضان.

كما يقوم الماليزيون بالتعبير عن فرحتهم بشهر رمضان فى شوارعهم بإقامة الأسواق الشعبية، التى تسمى (بسار رمضان)، وتعنى سوق رمضان، بعد صلاة العصر مباشرة، فيبتاعون ما لذ وطاب من الأطعمة الماليزية، ويقيمون فيها مهرجانات ونشاطات رمضانية، وعادة ما تكون هذه الأسواق فى المجمعات السكنية، حيث يسارع إليها أبناء المنطقة قبيل أذان المغرب لشراء الأطعمة والمشروبات والحلويات.

وتنتشر اللافتات التى كُتبت عليها عبارات التهنئة بدخول شهر الصيام، مثل : «شهر مبارك»، و«شهر القرآن» وغير ذلك من عبارات التهنئة والفرح على واجهات المحال والمنازل.

أما فى القرى الواقعة خارج نطاق المدن، فيحتفل المسلمون هناك بدخول الشهر الكريم بالتجمع فى المساجد، وتهنئة بعضهم بعضًا، ويعلنون عن دخول شهر رمضان بقرع الطبول الكبيرة، وتسمى «الدوف».

كما تشيع فى مساجد القرى وبعض المدن الماليزية الأجواء الروحانية والخشوع عند استقبال هذا الشهر، فيتدارس فيها المسلمون القرآن الكريم، والأحاديث النبوية، وتقام فيها المحاضرات الدينية، والدروس الرمضانية، إضافة إلى صلاة التراويح وقيام الليل، كما يقوم التليفزيون والراديو بالتنويه عن شهر رمضان قبلها بثلاثة أشهر على الأقل، وكل يوم يصدر بيانات إعلامية أنه بقى كذا يوم على شهر رمضان، إلى جانب إعداد برامج فى الدين والسيرة والفقه والتفسير وتلاوة القرآن، وذلك ابتداء من الأسبوع الذى يسبق شهر رمضان، حتى يهيئوا للمسلمين جو الروحانية والعبادة فى هذا الشهر.

فيما تتسابق الفنادق والمطاعم فى تنظيم موائد الإفطار والسحور، التى تتراوح أسعارها ما بين 5 إلى 15 رينجت ماليزى (الرينجت يعادل 4 جنيهات مصرية تقريبًا) وهم يراعون شهر رمضان فى خفض الأسعار، وقد يشاركهم فى ذلك غير المسلمين، حيث يتفهّم غير المسلمين معنى احترام الأديان، فيمتنعون عن الأكل أو الشرب نهارًا أمام المسلمين، وكثيرًا ما يدخل غير المسلمين فى الإسلام أثناء هذا الشهر الفضيل، لما يرون من تلاحم المسلمين فى رمضان، وإقامتهم لشعائر الدين، وأدائهم لزكاة الفطر فى نهاية شهر رمضان.

وبالنسبة للمساجد فى ماليزيا، فقد كانت، قبل جائحة كورونا، تفتح أبوابها طوال هذا الشهر المبارك ولا تغلق مطلقًا، وإن تغير الوضع مع انتشار «كورونا»، حيث تفتح المساجد مع مراعاة الإجراءات الاحترازية الآن، وعند صلاة المغرب يتم إحضار بعض المأكولات والحلويات والمشروبات والعصائر، وتوضع على مفارش طويلة مفتوحة للجميع للمشاركة فى تناول طعام الإفطار، وبعد الانتهاء من صلاة المغرب يذهب المصلون إلى تناول وجبة الإفطار الأساسية مع عائلاتهم وذويهم فى بيوتهم، ثم يخرج الجميع لأداء صلاة العشاء والتراويح فى المسجد، ثم يجتمع المصلون مرة ثانية فى المساجد لصلاة القيام والتسابيح، وقراءة القرآن، والمسلمون هناك يصلون صلاة التراويح عشرين ركعة، فى أغلب المساجد، بينما تقام الدروس الدينية والمواعظ هناك عقب صلاة الفجر مباشرة، وطوال الشهر الفضيل تتبادل الأسر والعائلات الماليزية الهدايا والأطعمة والحلويات مع بعضها بعضًا تعظيمًا لمكانة هذا الشهر فى نفوسهم، ووجبة الإفطار الماليزية تتعدد أنواع أطباقها، غير أن الأرز يبقى هو الطبق الأساسى والأهم بين تلك الأطباق، ويكون إلى جانبه اللحم أو الدجاج، وبعد الإفطار يفضل الجميع شرب القهوة الخفيفة أو الشاى.

عقب الانتهاء من صلاة التراويح تعقد مجالس العلم، وتنظم حلقات القرآن؛ حيث يتحلّق المصلون فى حلقات لسماع دروس العلم الشرعى من أهل العلم، وغالبًا ما تنفضّ تلك الحلقات مع حلول منتصف الليل، ثم يغادر معظم المصلين إلى بيوتهم، بينما يمكث البعض فى المسجد لقراءة القرآن والعبادة.

ومن عادة المسلمين هناك أن يتناولوا بعد الفراغ من طعام السحور شرابًا يسمى “الكولاك” وهو شراب يساعد على تحمل العطش، ويدفع الظمأ عن الجسم فى نهار رمضان، ويزوده بطاقة وقوة خاصة تعينه على القيام بعمله أثناء الصيام.

وعند اقتراب رحيل شهر رمضان، وقرب يوم العيد، يقوم بعض المتخرجين فى المدارس والمعاهد الدينية بعمل لجان فى المساجد لجمع زكاة الفطر، ومن ثم يقومون بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين؛ كما يوزع بعض أهل الخير الملابس الجديدة، وحلويات العيد، والأموال على الفقراء والمحتاجين. كل ذلك يجرى فى جو أخوى وإيمانى، يدل على مدى التكافل والتعاطف بين المسلمين فى تلك البلاد، حيث يكون الجميع فى غاية السعادة والفرح مع قدوم عيد الفطر.

كما تقام فى رمضان مهرجانات للمأكولات والحلويات بأشكالها وأنواعها وألوانها، يسمونها باللغة الملايوية (بازار رمضان) أى سوق رمضان، تقام هذه المهرجانات فى كل مكان توجد فيه تجمعات سكنية، وقبل الغروب بنحو ساعتين تقريبًا يتسابق المسلمون إلى هذه المهرجانات لاختيار ما يحلو لهم من الأطعمة والمشروبات والحلويات المعدة للأكل.