الأرض العربية وتصفية الحسابات الإقليمية والدولية

03:55 2022/07/25

عبر التاريخ البشري، كانت وما تزال وستظل أرض الضعفاء هي المكان المناسب للأقوياء لتصفية حساباتهم عليها، واستعراض عضلاتهم وقوتهم فيها. والضعفاء هم من يدفعون ثمن ذلك كله، من دمائهم وأمنهم واستقرارهم واقتصادهم وتطورهم وتقدمهم ومقدراتهم وإمكانياتهم؛ بينما تكون بلاد الأقوياء في مأمن وبعيدة عن كل الأخطار إلا في حالات المواجهات المباشرة والشاملة كالحروب العالمية الأولى والثانية.
 
ولو نعود بذاكرتنا التاريخية قليلاً إلى ما قبل ظهور الإسلام، حيث كان العرب يعيشون في مرحلة ضعف وتمزق، ما جعل من الأرض العربية المكان المناسب لتصفية الحسابات بين الامبراطورية الرومانية والامبراطورية الفارسية. وانقسم ولاء القبائل العربية آنذاك بين الامبراطوريتين، فالمناذرة في بلاد العراق كان ولاؤهم للفرس، والغساسنة في بلاد الشام كان ولاؤهم للروم، وكان الفرس والروم، يفرضون على القبائل العربية، تجهيز الجيوش للمشاركة في معاركهم، فكانت معارك الفرس والروم تدار على الأرض العربية وبدماء عربية، وكان دور الفرس والروم يقتصر على القيادة والإشراف.
 
واليوم ها هو التاريخ يعيد نفسه، فها هم العرب يعيشوا في مرحلة ضعف جديدة. وهذا ما جعل أرضهم المكان المناسب لتصفية الحسابات الاقليمية والدولية. وها هي القوى الإقليمية والدولية (أمريكا وأوروبا وروسيا وإيران وغيرها) تقوم بتصفية حساباتها وصراعاتها على الأرض العربية. وها هي الأنظمة العربية والأحزاب والجماعات العربية لم تتردد في توزيع ولائها بين هذه القوى، فالبعض ولاؤهم لأمريكا وأوروبا، والبعض ولاؤهم لروسيا، والبعض لإيران، وهكذا. وكل طرف يسعى إلى توسيع نفوذه في المنطقة العربية على حساب الطرف الآخر، والجيوش العربية والجماعات العربية هي من تخوض المعارك فيما بينها بالنيابة عن تلك القوى، وينحصر دور أمريكا وأوروبا وروسيا وإيران، في القيادة وبيع السلاح والتوجيه والإشراف ونهب الثروات. وما يحدث في العراق وسوريا واليمن وليبيا أنموذج لذلك.
 
وهكذا أصبحت الأرض العربية مجرد ميدان وساحة ومسرح كبير، لتصفية الحسابات بين الأقوياء. ومن يدفع ثمن ذلك هو الشعوب العربية، فالدماء التي تسفك دماء عربية، والمدن التي تهدم مدن عربية، والاقتصاد الذي ينهار هو الاقتصاد العربي، والإمكانيات والمقدرات التي تهدر هي مقدرات وإمكانيات الأمة العربية، والمأساة الكبرى تكمن في تعصب الشعوب العربية ضد بعضها وانقسامها على بعضها، نتيجة إنجرارها الأعمى خلف التعصبات المذهبية والطائفية والمناطقية والحزبية.
 
وبالتالي، فإن ما يحصل اليوم من حروب على الأرض العربية، لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية، هو دليل على أن العرب يعيشون في مرحلة ضعف جديدة، بسبب خلافاتهم البينية وبسبب تعصباتهم المذهبية والطائفية، وبسبب عمالة وتبعية أحزابهم وجماعاتهم للخارج، ولن يتوقف هذا المشهد المؤسف والمحزن، إلا بعودة العرب إلى دينهم الإسلامي الحنيف، النقي من شوائب المذهبيات والعصبيات، وباستعادة العرب لإرادتهم وقرارهم السياسي من خلال الالتفاف حول المشروع القومي العربي. وكل ذلك لن يتحقق إلا بارتفاع مستوى الوعي والثقافة لدى الشعوب العربية. فالمعركة اليوم هي معركة وعي وثقافة وتنوير ، ونتيجة هذه المعركة هي التي ستحدد نوعية المرحلة القادمة.