أهمية ترتيب الأولويات السياسية

05:54 2022/07/26

لكل إنسان أولوياته المتنوعة والمتعددة في هذه الحياة، سواء كانت شخصية أو دينية أو قومية أو سياسية أو إنسانية... الخ، والاختلاف بين الناس يكمن في ترتيب تلك الأولويات، والإنسان الناجح هو من يرتبها بحسب أهميتها، الأهم فالأهم. فالترتيب الصحيح لها يعود عليه وعلى مجتمعه ووطنه والإنسانية جمعاء بالخير والصلاح والسعادة، والعكس صحيح. فعلى سبيل المثال، الولاء للوطن يجب أن يكون مقدماً على الولاء للحزب؛ لأن الوطن ومصالح الوطن وأمنه واستقراره وسيادته أهم بكثير جداً من الحزب ومصالح الحزب.
 
وإذا تعارضت مصالح الوطن مع مصالح الحزب، يجب الوقوف مع مصالح الوطن والتخلي عن مصالح الحزب؛ لأن مصالح الوطن أهم بكثير من مصالح الحزب. وذلك لأن الحزب جزء من الوطن وليس الوطن جزءا من الحزب. فالوطن هو الكل لأنه أشمل وأكبر من الحزب، فهو يحتوي على العديد من الأحزاب.
 
وتضرر مصالح الجزء (الحزب) لن يلحق الضرر بمصالح الكل (الوطن). بينما تضرر مصالح الكل (الوطن) حتماً سيلحق الضرر بمصالح كل الأجزاء (الأحزاب). لذلك يجب أن تعطى الأولوية لمصالح الوطن في سلم الأولويات السياسية، فالدفاع عن مصالح الوطن والحفاظ عليها هو دفاع عن مصالح الحزب ومحافظة عليها، وضياع الوطن ومصالحه هو بدون شك ضياع لكل الأحزاب ومصالحها، ولا قيمة ولا وجود للأحزاب بدون وطن يضمها ويجمعها ويوفر لها البيئة المناسبة للحركة والتفاعل.
 
كما أن الوطن ثابت ومستقر (أرضا وموقعا وهوية وانتماء وسكنا وأهلا ووجودا وبقاء) بينما الحزب متغير ومتبدل (أفكارا وآراء واجتهادات وبرامج)، وبالإمكان تغيير الأحزاب لأفكارها وآرائها وبرامجها استجابة لمتغيرات وظروف الحياة، لكن من الصعب تغيير الأرض والموقع والهوية والأهل والانتماء، وبذلك فإن الأولوية يجب أن تعطى للثابت وليس للمتغير. فمن السهل أن تغير الأفكار والأراء إذا استدعت الضرورة ذلك، وذلك في حال تعارضها مثلاً مع مصالح الوطن وثوابته، لكن من الصعب أن تغير أرضك وهويتك وانتماءك وسكنك وأهلك. من أجل ذلك يجب عقلاً ومنطقاً ومصلحةً أن يكون الولاء للوطن مقدم على الولاء للحزب.
 
وبذلك، فإن تقديم الولاء للحزب على الولاء للوطن فعل يتعارض مع العقل والمنطق وحتى المصلحة. كما أنه يسبب خللا كبيرا في سلم الأولويات السياسية، لأنه يجعل الشخص المتحزب بوعي أو بدون وعي يقدم مصالح حزبه على ما سواها، حتى وإن كانت تتعارض مع مصالح وطنه، وحتى لو ترتب على ذلك الموقف إلحاق الضرر بالوطن ومصالحه وأمنه واستقراره وسيادته. وهكذا مواقف تحدث بشكل واسع خصوصا في المجتمعات المتخلفة والمتعصبة، فالتعصب الأعمى للحزب قد يدفع الشخص المتحزب بوعي وبدون وعي إلى محاربة مصالح وطنه وإلى المشاركة في إقلاق الأمن والسكينة العامة، وإلى جر الوطن إلى مربعات العنف والصراع والفوضى؛ وهو ما قد يؤدي إلى فقدان الوطن لسيادته واستقلاله وبضياع الوطن يضيع كل شيء، ليجد المتحزبين أنفسهم أمام موقف صعب ومؤلم ومحزن ، بعد أن فقدوا كل شيء؛ فلا هم بالذي حافظوا على أحزابهم ولا على وطنهم.
 
وكل ذلك بسبب سوء تقديرهم وعدم قيامهم بترتيب الأولويات بالشكل السليم. فتقديم الولاء للأحزاب على الولاء الوطني حتماً سوف يترتب عليه الإنقسام والتشظي والخلاف والنزاع؛ لأن كل حزب لديه أرائه ومصالحه المختلفة عن بقية الأحزاب، بينما تقديم الولاء للوطن على الولاء الحزبي حتماً سوف يترتب عليه التوحد والاتفاق والتوافق؛ وهو ما سوف يبعد الوطن عن مربعات الصراع والعنف والفوضى والخراب والدمار، ويذهب به نحو مربعات التقارب والتصالح والبناء والنهضة، والعيش المشترك في سلام ومحبة.
 
فالعنف والفوضى والصراع الداخلي ليس من مصلحة الوطن، بينما قد يكون ذلك في مصلحة حزب ما، والولاء والتبعية لجهة خارجية ليست من مصلحة الوطن، بينما ذلك قد يكون من مصلحة حزب ما في سبيل حصوله على الدعم والمساعدة من تلك الجهة الخارجية، والتمرد والانقلاب العسكري على نظام الحكم الديمقراطي التعددي ليس في مصلحة الوطن، بينما قد يكون ذلك الفعل في مصلحة حزب ما يرى في الديمقراطية العائق الأكبر أمام وصوله إلى السلطة نظراً لعدم امتلاكه قاعدة شعبية تؤهله لتحقيق ذلك بالطرق السلمية... الخ. وهكذا مواقف تؤكد وجود تعارض بين المصالح العليا للوطن وبين مصالح بعض الأحزاب. من أجل ذلك يجب على كل مواطن عاقل يريد الخير لنفسه ولوطنه أن يقدم الولاء لوطنه على الولاء لحزبه، فالحزبية على كل حال وسيلة وليست غاية، وسيلة في سبيل التنافس الايجابي لخدمة الوطن. ومن غير المعقول أن تصبح الوسيلة غاية إلا عند الجهلة والمتعصبين والمغفلين.