لماذا كل من تعاديه أمريكا يصبح دكتاتورا

08:00 2022/08/13

ليس من باب الصدفة أو الاتهام أن كل من تعاديه الولايات المتحدة الأمريكية يصبح في نظر أمريكا وماكنة الإعلام الغربي دكتاتور. زرت رومانيا لأول مرة عام 1982 للمشاركة في مؤتمر طلابي نظمته الأمم المتحدة في العاصمة الرومانية بوخارست، وكانت البلاد تعيش بهدوء واكتفاء ذاتي وعليها ديون خارجية بنصف مليار دولار. وعندما التقينا بنجل الزعيم الروماني الراحل نيكولاي شاوشيسكو السيد نيكوا نيكولاي، اجاب عن سؤال عن وضعية علاقتهم مع أمريكا بأنها مستقرة لا صداقة ولا عداوة.
 
وبعد أن انتهج الزعيم الروماني سياسات خارجية واقتصادية تتعارض والتوجهات الأمريكية، منها انضمامه إلى منظمة دول عدم الانحياز ودعم حقوق الشعب الفلسطيني والقضايا العربية العادلة وأسس لقاعدة صناعية مهمة كانت بواكيرها أهم مصنع لإنتاج طائرات الهليكوبتر  المسلحة وتنمية الزراعة، شرع الإعلام الأمريكي بمهاجمة روماتيا ورئيسها ودعمت المخابرات الأمريكية منظمة مجتمع مدني لتأليب الشارع ضده وتنظيم احتجاجات، وجندت مرتزقة قاموا بقنص عدد من المحتجين، لتطالعنا صحيفة الواشنطن بوست بمانشيت "دكتاتور رومانيا يقنص المحتجين السلميين في  بوخارست". 
 
وفي كوريا الشمالية بات الزعيم الكوري دكتاتورا لأنه يناهض السياسات الأمريكية. إنها صناعة إعلامية أمريكية احترافية، وهي شيطنة القادة المناوئين لمصالحها، مثلما جرى للرئيس العراقي الراحل صدام حسين؛ إذ تجندت كل وسائل الإعلام الغربية لشيطنة النظام العراقي السابق متناسية كل ما صنعه من منجزات لشعبه من تقدم ونهضة علمية وصحية كانت موضع تكريم اليونسكو ومنظمة الصحة العالمية. بمعنى أن من يقف أمام توجهاتنا ويتخذ منهجا استقلاليا فهو دكتاتور ومنبوذ ويستحق العقاب وأصبح يقتل شعبه.
                       
من قبل كان الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في مصر وتيتو في يوغسلافيا وبومدين في الجزائر وفي إفريقيا لومومبا ونكروما والقذافي، وسواهم جميعهم حكام مستبدون. 
كما أمسى الرئيس السوري بشار الأسد أيضا بين ليلة وضحاها، وتغيرت وظيفة  السفير الأمريكي السابق في دمشق من دبلوماسي   إلى داعية ديموقراطي.  
ماكنة إعلامية رهيبة يشترك في تشغيلها خبراء في السياسة والاقتصاد والحرب النفسية وعلم الاجتماع والدعاية، المهم ان تسحق الدول التي تبني انموذجها التنموي وتتحول إلى دول فاشلة.
 
 عندما أجبر الزعيم الصومالي الراحل محمد سياد بري على الرحيل من بلده بعد نزاعات عرقية وقبلية حركتها أمريكا بسبب وقوفه إلى جانب المعسكر الاشتراكي، ألصقت به أيضا صفة الدكتاتور الذي نهب ثروات شعبه. وقف أمام القصر الجمهوري وهو يهم بمغادرة بلده إلى الجارة كينيا لاجئا خاطب من حوله: إذا كانت مشكلتكم الدكتاتور فهو الآن راحل عنكم ولكنهم سيصنعون لكم ألف دكتاتور وستبكون دما على سياد بري، ومات الزعيم لصومالي في شقة بائسة في العاصمة الكينية نايروبي وتكفلت إحدى الجمعيات الخيرية بتكاليف دفنه بعد أن شيطنه الإعلام الأمريكي واتهمه بسرقة ثلاثة مليارات دولار، بينما كانت كل ميزانية الدولة السنوية لا تتجاوز ثلاثمائة مليون دولار، وهي نفس الدعاية التي روجوها عن الرئيس صدام حسين بأنه أودع  ستين مليار دولار في حسابات سرية ببنوك الغرب، ليتبين بأن الرجل لا يملك من حطام الدنيا لا أملاكا ولا أطيانا، بل حتى لا يملك دارا باسمه كما صرح بذلك حيدر العبادي رئيس الوزراء بأن الرئيس صدام ليس عنده أملاك وقصور أو أرصدة، فكل ما وجدناه مسجل باسم الدولة. وأرصدته المليارية اكذوبة مصنوعة لتشويه تاريخه السياسي الناصع، بينما المسافة التي تفصل أكبر سفارة أمريكية في العالم في المنطقة الخضراء عن بيوت ومقرات الحكام الفاسدين عن مائتي متر ونهبوا أزيد من تريليون دولار لم تطلق عليهم كلمة واحدة أو تصف نوري المالكي الدكتاتور، وتحتفل به في البيت الابيض ثلاث مرات. 
ليس المهم أن تكون سارقا أو قاتلا أو ناهبا للمال العام؛ المهم ألا تعترض أو تقف أمام السياسات الأمريكية.  
 
أمس أتابع نشرة الأخبار. الرئيس الأمريكي بايدن يعلن عن اتصالات مباشرة مع القيادة السورية وعلى أعلى المستويات بحجة العمل على إطلاق سراح سجين أمريكي. في نفس التوقيت يعلن وزير الخارجية التركي بعد أول لقاء له مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد عن إعادة النظر في السياسة التركية نحو سوريا. إنها لعبة المصالح تذهب ضحيتها بلدان مستقرة وزعامات مهمة.  
لا تصدقوا ما يقوله ساسة امريكا والإعلام الأمريكي والغربي. فبعد أن كان الرئيس الروسي بوتين صديقا حميما للغرب وميركل وبريطانيا، بات اليوم في الإعلام الغربي يلقب بالمجرم والدكتاتور والقاتل بدم بارد.             
 
*كاتب وأكاديمي من العراق