الأنظمة السياسية الدينية .. والاستبداد الفكري ..!!

11:47 2022/10/20

للأسف الشديد عبر التاريخ البشري لم تكتفي الأنظمة السياسية الدينية ( الأصولية ) من ممارسة استبدادها وطغيانها السياسي ضد المجتمعات الواقعة تحت سلطتها وهيمنتها ، بل إنها لم تتوقف عن ممارسة كل الأساليب والوسائل المشروعة وغير المشروعة لفرض فكرها العقائدي والمذهبي والطائفي على جميع أفراد المجتمع ، وهو ما يعرف بالاستبداد الفكري ، والذي تسعى من خلاله إلى إكراه وإجبار الآخرين على اعتناق فكرها ومعتقداتها المذهبية والطائفية ، عن طريق سيطرتها على دور العبادة وعلى الخطاب الديني فيها ، وعن طريق تغيير المناهج الدراسية وفق رؤيتها الفكرية والمذهبية والطائفية ، وعن طريق سيطرتها على وسائل الإعلام الحكومية وتسخيرها في نشر خطابها الديني والمذهبي والطائفي ، وحتى الوظيفة الحكومية تقوم باستغلالها لخدمة مشروعها الفكري والمذهبي والطائفي ، الذي تسعى إلى فرضه على كل أفراد المجتمع ، وكل من يعتنق فكر ديني أو مذهبي مخالف لها هو في نظرها شخص غير صالح وغير مرغوب به ..!! 
 
كل ذلك رغم أن الأحداث والتجارب التاريخية قد أثبتت بالدليل القاطع على فشل الاستبداد الفكري في كل العصور والأزمنة ، وذلك لأن اعتناق الفكر الديني والمذهبي يحتاج لإيمان راسخ داخل النفس ، والإيمان لا يمكن أن يرسخ في العقل إلا عن طريق القناعة والرغبة والرضا الكامل ، والقناعة والرغبة لا يمكن أن تحصل داخل النفس إلا بالقدوة الحسنة ، وبالدعوة الحسنة ، وبالنموذج الحسن ، وبقوة الحجة والبرهان ، وبحرية الاختيار ، ونظراً لأن الأنظمة السياسية الأصولية تفتقد لمثل هذه الأمور في مناهجها وأدبياتها الفكرية والسياسية ، فإنها تلجأ للوسائل الأخرى الموجودة والمتوفرة في فكرها الأصولي المتشدد ، مثل الإكراه والإجبار والاستغلال المادي والوظيفي والترهيب السلطوي ، وهذه الوسائل للأسف الشديد تصنع مجتمع منافق ، قد يظهر للسلطة الولاء والطاعة ولكنه في الحقيقة يكن لها ولفكرها السياسي والديني والمذهبي الحقد والكراهية والرفض ..!! 
 
وقد أثبتت الأحداث التاريخية بأن قيام الأنظمة السياسية بممارسة الاستبداد الفكري على مواطنيها يعود عليها بالخسارة والوبال ، لأنها بممارساتها الاستبدادية تلك تصنع لها أعداء داخل مجتمعاتها ، فالإنسان قد يتحمل الاستبداد السياسي ولكنه لا يتحمل الاستبداد الفكري ، فلا يمكن أن يتحمل ممارسات السلطة الهادفة إلى تغيير معتقداته وأفكاره الدينية والمذهبية بالقوة والاكراه والترهيب السلطوي ، لأن فرض الأفكار والمعتقدات بهكذا أساليب هو بمثابة إستخفاف بالعقول ، ومصادرة حقها في التفكر والتدبر واعتناق الفكر الديني والمذهبي الذي يتطابق مع قناعاتها ، وليس هناك ما هو أسوأ من الاستخفاف بالعقول ، لذلك نهى الله تعالى عن الإستبداد الفكري الديني والمذهبي نهياً قاطعاً ، قال تعالى (( لا إكراه في الدين )) ، وكم هو مؤسف أن  تتجاهل الأنظمة السياسية الأصولية الإسلامية هذا النهي الإلهي ، وتقوم بممارسات تتناقض وتتعارض معه في تعاملها مع الآخر الديني والمذهبي ، رغم أنها محسوبة على التيار الإسلامي الأصولي ، الذي من المفترض أن يكون أكثر حرصاً في تمسكه والتزامه بالأحكام والتشريعات الإسلامية في كل تعاملاته وسلوكياته ..!! 
 
لكن يبدو أن الأمر بالنسبة للأنظمة السياسية الأصولية في العالم الإسلامي ، ليس أكثر من شعارات ومزايدات وتشدد وتطرف واستغلال للدين الإسلامي لتحقيق مصالح سياسية ومذهبية وطائفية وأطماع سلطوية ، وعلى العموم من المفترض أن الاحداث والتجارب السياسية التاريخية هي المرجع العملي والتجريبي للأنظمة السياسية لأخذ العظة والعبرة منها ، ومن المفترض أن تتوقف الانظمة عن ممارسة الاستبداد الفكري ضد مواطنيها ، فلا جدوى منه ولا فائدة مرجوه منه ، فهذا النظام الإيراني الأصولي والطائفي والمذهبي ، طوال اكثر من 40 عام وهو يمارس الاستبداد الفكري ضد الشعب الايراني بكل الوسائل والطرق ، لفرض فكره الأصولي الطائفي والمذهبي الاثنى عشري الجعفري ، ولكن ها هو الشعب الإيراني اليوم يخرج في ثورة شعبية رافضين لذلك الفكر الاصولي الطائفي ، ومطالبين بالحرية الفكرية والمذهبية ، تجربة جديدة وحية ومشاهدة وفرت علينا عناء البحث في كتب التاريخ ، لوضع القارئ أمام الصورة وللتأكيد على كل ما ذهبنا إليه ، وعلى الأنظمة السياسية الأصولية في بقية الدول العربية والاسلامية أخذ العظة والعبرة مما يحصل للنظام الإيراني ، وسرعة مراجعة سياساتها والتوقف عن ممارسة الاستبداد الفكري تجاه شعوبها ، نظراً لعدم جدواه وفائدته ، وانعكاساته السلبية عليها وعلى بقائها واستمراريتها في السلطة ..!!