لأنها... مصر بيت العرب الكبير

03:19 2022/11/06

 العلاقات اليمنية المصرية أقدم علاقة حضارية في التاريخ تجاوزت سبعة آلاف سنة، وذكرت في الكتب السماوية. ولا يمكن أن تقرأ في بحث علمي عن التاريخ القديم إلا وتذكر العلاقة كدولة أو شعب أو أفراد. وهناك الكثير والكثير من القصص والعبر عبرت في مجملها عن روابط الإخاء والعلاقات المشتركة الاقتصادية والسياسية. وعمق الأمن القومي للبلدين واحد؛ ولذا تجد في كثير من مدنها شارعا باسم قبيلة أو مدينة يمنية. ولا غرابة إن لاحظت أن هناك الكثير من الألقاب تعود لليمن وكذلك في اليمن هناك ألقاب ليمنيين وهي في الأصل مصرية.
 
وهناك معلومات علمية تاريخية عن باحثين قرأتها مؤخرا عن سبب تسمية الجيزة في عاصمة مصر الكنانة، وشارع في مدينة الجيزة باسم همدان‏، ‏وشارع مراد فذلك تاريخ مهم‏ تنبغي معرفته‏، ‏ويتلخص في‏ ‏أن جيش الفتح الإسلامي الذي حرر الله على يديه أرض الكنانة وشعبها من الرومان بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه‏، كان جل رجاله من عرب اليمن‏، ‏ومن بينهم قبائل من همدان‏ ومراد. ‏وبعد أن فتح الله على المسلمين حصن بابليون، وهو على الشاطئ الشرقي للنيل مباشرة، رأى الهمدانيون والمراديون استئذان القائد عمرو أن يتولوا حراسة الجهة المقابلة للحصن‏، ‏ويدفعوا العدو إن حاول مهاجمة المسلمين من الشاطئ الغربي للنيل‏، فاجتازوا النهر‏، ‏ ونصبوا خيامهم أمام إخوانهم غرب النيل‏. ‏
 
ولما تم الفتح‏، ‏وبدأ المسلمون في تشييد مدينة الفسطاط العاصمة الجديدة لمصر الإسلامية في عام‏ 21‏ه‏ـ 642‏م‏، قسمت أرض الفسطاط على قبائل الفاتحين‏، ‏ ليبنوا فيها دورهم ويستقروا بها‏، ‏ لكل قبيلة خطة، أي قطعة يحددها من الأرض على قدر عدد رجاله. ‏ وعرض عمرو بن العاص على الهمدانيين والمراديين أن يخصص لهم خطة بالفسطاط‏، ‏ففضلوا أن يكون مستقرهم في موقع جهادهم غرب النهر. فبنوا ديارهم في تلك المنطقة التي سميت يومئذ باسم الجيزة‏، ‏لأن العرب اليمانيين أول من جاز النهر إليها من الشرق إلى الغرب‏. فكان جديرا بمن يسمي شوارع الجيزة أن يلحظ هذا الأمر‏، ‏ ويطلق على أحد شوارعها اسم همدان‏، ‏والآخر مراد؛ بما أنه جد أولئك الذين يرتبط بهم اسم المدينة الجديدة‏ (‏الجيزة‏). ‏
 
وأنوه كذلك إلى أن قبيلة‏ (‏مراد‏) ‏ اليمنية قد شاركت بكتيبة كبيرة في هذا الفتح العظيم‏، وأن شارع‏ (‏مراد‏) الذي يفضي إليه شارع همدان‏، ‏قد سمي على اسم جد أولئك المراديين‏. وهناك في مدينة نصر شارع تعز وصنعاء. 
 
كما أن للقاهرة في اليمن نصيب في أغلب المدن أسماء لمدارس باسم القائد العربي الزعيم جمال عبدالناصر. وبعض المحافظات تسمي بعض المديريات و الشوراع باسم القاهرة وقلعة القاهرة في تعز.
 
نحن اليمنيين ينبع حبنا للشعب المصري من عدة أسباب جوهرية، أبرزها الدور المصري العظيم في حماية ثورة 26 سبتمبر 1962 بالدم، والذي أسفر عن إخراج الشعب اليمني من الجهل إلى العلم ومن المرض إلى إسقاط كل أسبابه بتعليم أبنائنا في كليات الطب بجمهورية مصر، وتخرج منها الآلاف من الأطباء والمهندسين وفي كل التخصصات، فتمكن الشعب اليمني من كسر الثالوث الرهيب الجهل والمرض والفقر بمساعدة مباشرة أو غير مباشرة من الشعب المصري. ووجدناهم في كل مدارسنا بالقرى والجبال والسهول.
 
إن العلاقة اليمنية المصرية تعززت أواصرها بالدم والتاريخ والحضارة المشتركة، ولم يكن بغريب عليهم استضافة ما يتجاوز مليوني يمني. وكوني أحد ضيوفها، غمرني كرم الشعب المصري وحفاوتهم، والذي لم نجده في مناطق أخرى. ولم يبهرني ذلك لأنهم أرض الأصالة والحضارة والتاريخ. وما أبهرني هو أنه رغم الحرب الشعواء التي يواجهها الشعب المصري، إلا أنه قوي وصامد ويحقق كل يوم إنجازا علميا أو إنجازا تنمويا. وتجد هناك المعدات تعبد الطريق، وفي شارع آخر حفريات لتحسين البنية التحتية، وفي منطقة أخرى تنشأ الكباري. وما بين إنجاز وإنجاز هناك مدن حضرية تعمرها الأيادي البطلة، ولا يمكن ألا تذكر العاصمة الإدارية الجديدة لؤلؤة القرن.
 
وها هي مصر تقود العالم العربي بسياسة فطنة وحكيمة لمعالجة أزماتها، وتعمل على حل مشاكلها وتقارب بين الإخوة العرب ودون ضجيج إعلامي، وتقود العالم لمعالجة مشكلة المناخ، فأي عظمة أكثر من ذلك.
 
إن مصر اليوم تتبوأ مراكز متقدمة في كل المجالات، وتعالج إشكاليات كجراح خبير. وتعد المشكلة الاقتصادية هي معضلة كل دول العالم دون استثناء. ونقرأ ما تشهده الشعوب من إشكاليات وصراعات ونكبات وكوارث وأزمات، غير أن ابن العروبة الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس جمهورية مصر العربية يسير بها بعيدا عن الأمواج العاتية، محافظا على بلده وشعبه للوصول إلى مرفأ الأمان، فأثبتت الأيام والصعاب أنه قيادي وربان ماهر، يدرك تماما المخاطر وما هي المعالجات؛ وإن كان يعتقد البعض أنها قاسية. ولكن نحن الذي عانينا إشكاليات السياسة والاقتصاد ندرك تماما حكمة وشجاعة الرجل وحكمته وحسن تدبيره وبصيرته التي افتقدناها في بلدنا بعد 2011 ووصلنا إلى ما وصلنا إليه.
 
إن المشاكل الاقتصادية لا توجد في مصر، إذا قارناها بما تعاني أوروبا وحتى أمريكا وبعض الدول العربية المليئة بالنفط. لأن الخير فيها أصيل. ولا أنكر وجود إشكاليات، ولكنها ليست كما يسعى البعض للترويج لها. وما تعانيه حاليا هي رياح تمر على دول العالم والمنطقة، وسوف تعبر بسلام لأن الشعب المصري يدرك أن كل العالم تضرر جراء الأزمات الجارية في العالم، ومصر جزء منه. ولا أبالغ في أن فضل الحكومة وسياساتها خففت كثيرا من آثار ذلك على المواطن المصري.
 
اليوم، يعيش ملايين العرب والأجانب في مصر بفضل الأمن والأمان والاستقرار الذي افتقدوه في بلدانهم. فالشكر والتقدير موصول لكل مصري وعربي أصيل أحب مصر، فحافظ على أمنها واستقرارها واقتصادها. وعلينا جميعا كعرب الوقوف مع هذا البلد الذي أصبح وطننا الثاني لأننا نعيش فيه دون الشعور أننا غرباء بل إننا شركاء في البناء والأمن والتنمية.