الاعتقاد العقلي والاعتقاد الوراثي

04:56 2023/03/28

الاعتقاد الديني نوعان: اعتقاد عقلاني يقوم على العقل والمنطق والبحث والفكر، واعتقاد وراثي يقوم على التقليد والوراثة والتلقين والتعصب الديني أو المذهبي. والاعتقاد العقلي يتأسس على الحرية الفكرية والاستقلال الذاتي والإرشاد العلمي والتوجيه المنهجي والترغيب والإقناع، بينما يستند الاعتقاد الوراثي على الاجبار والإكراه والإرشاد التعسفي والمعلومات المسبقة المتوارثة جيلا بعد جيل. والاعتقاد العقلاني يفتح أمام الإنسان آفاق الحياة الواسعة ومجالات الفكر والبحث الشاسعة، بينما الاعتقاد الوراثي يضع الكثير من القيود على تفكير الإنسان ويغلق في وجهه آفاق الحياة ومجالات الفكر الواسعة والمتعددة. والاعتقاد العقلاني يتيح المجال للعقول البشرية أن تتشكل على شكل قوالب عقلية وفكرية متعددة ومتنوعة مفكرة ومبدعة ولكنها جميعا مؤمنة بالله تعالى إيمانا صحيحا قائما على البينة والحجة والدليل والقناعة الراسخة وإن من زوايا مختلفة، بينما الاعتقاد الوراثي يضع عقول أتباعه في قوالب فكرية ودينية ومذهبية واحدة وجامدة، غير قادرة على التفكير والبحث ومحصورة في زوايا فكرية ضيقة، ليصبح إيمانها إيمانا وراثيا قائما على تقليد الآباء والأجداد. 
 
وبذلك، فإن الاعتقاد العقلاني والفكري والمنطقي هو الاعتقاد الذي يدعو إليه القرآن الكريم في الكثير من آياته التي تخاطب العقل البشري وتحثه على التفكر والتدبر والبحث والتأمل والتبصر ، قال تعالى (أفلا تتفكرون) (أفلا يتدبرون القرآن) (أفلا تعقلون) (ما لكم كيف تحكمون) وغيرها كثير، وهي بذلك تدعو إلى بناء الإيمان بالله تعالى على أسس عقلية وفكرية ومنطقية. فالقرآن الكريم يدعو إلى الإيمان الكيفي وليس الكمي، الإيمان القوي القائم على القناعة والاقتناع، بينما نجد أن الكثير من آيات القرآن الكريم تدعو إلى رفض التقليد والوراثة والتلقين والإجبار والإكراه في ما يتعلق بموضوع الاعتقاد، ويعاتب الأمم التي كانت معتقداتها تقوم على الوراثة وما وجدوا عليه آباءهم وأجدادهم، لأن منهج التقليد لا يمكن أن يؤسس داخل العقل البشري إيمانا صحيحا، فإيمان التقليد وعبادات التقليد والفكر القائم على التقليد الحرفي للسابقين أمر غير مرغوب في الإسلام بأي شكل من الأشكال. 
 
وكم هي حكمة وعظمة القرآن الكريم في هذا المجال، فما نشاهده اليوم من تعصبات فكرية ودينية ومذهبية وطائفية وصلت حد التطرف والتشدد والتكفير والرفض للآخر والقتل والارهاب ما هي إلا النتيجة الطبيعية للاعتقاد الوراثي القائم على الوراثة والتقليد، والبعيد كل البعد عن التبصر والتفكر والتدبر والبحث والعقل والمنطق، ولن نبالغ إذا قلنا بأن الاعتقاد الوراثي هو من صنع ويصنع وسيظل يصنع في كل زمان ومكان أجيالا متعصبة ومتطرفة ومتشددة ومقلدة عاجزة عن التفكر والبحث والتدبر وتفعيل العقل واستغلاله الاستغلال الأمثل. وهذا للأسف الشديد ما تسعى إلى ترسيخه الجماعات الدينية والمذهبية والطائفية ذات النزعة السلطانية في كل زمان ومكان. فهذا المنهج هو الذي يساعدها على تشكيل أجيال مفلسة عقليا وفكريا، أجيال ضعيفة غير قادرع على التفكير والتمييز بين الصواب والخطأ بين الممكن وغير الممكن، بين ما يتوافق مع الشرع والعقل وما يتناقض ويتعارض معهما، أجيال خانعة مقلده تابعة من السهل استدراجها والتضليل عليها واقتيادها إلى مربعات التطرف والتشدد والتعصب والتبعية العمياء. 
 
وكم هي المجتمعات العربية والاسلامية اليوم في أمس الحاجة للاعتقاد العقلاني القائم على العقل والمنطق والعلم والتفكر في آيات الله تعالى الكونية، الاعتقاد القائم على التحرر من التقليد والتعصب الديني والمذهبي والطائفي لبناء أجيال قوية مفكره ومتدبرة تؤمن بالله تعالى الإيمان الصحيح القائم على بصيرة وبينة وبقناعة تامة دون إكراه أو إجبار، فتأخذ الإيجابي ما يتوافق مع الشرع والعقل من الاعتقاد الوراثي وترفض السلبي منه الذي يتعارض مع الشرع والعقل، والذي يؤسس للتعصب والتطرف والتشدد، والذي يمجد الخرافات والاساطير، والذي يسعى إلى تعطيل العقل المسلم وتقييده في زوايا ضيقه ومحصورة تبعده عن مجال التنافس الحضاري والعلمي الإيجابي، والتي تجعل الأمة الاسلامية والعربية في مؤخرة الركب الحضاري للأمم.