نزعة الهيمنة والتسلط وعدم الشعور بمعاناة الشعوب

04:27 2023/05/10

تتواصل معاناة الأمم والشعوب البشرية نتيجة الصراع المستمر على الحكم، ففي سبيل وصول أفراد يرون أنهم خلقوا لكي يحكموا ويتحكموا ويسيطروا على الآخرين، سفكت الدماء أنهاراً، وانتهكت الحقوق والحريات أزماناً، واستعبد الإنسان أخاه الإنسان، وسيقت الحرائر سبايا، وهدمت المباني والقصور، وسكنت الأحزان والألام القلوب، وتحطمت الآمال والأحلام، وتحولت حياة البشر إلى ساحة حرب مفتوحة. كل ذلك من أجل أن تتحكم فئات قليلة بمصير شعوب كثيرة، دون اكتراث لحجم المعاناة والكوارث التي تتجرعها تلك الشعوب. 
 
مفارقة غير منطقية؛ كيف لشخص أو مجموعة أشخاص قيادة شعوب بأكملها إلى المهالك؟! كيف استطاعوا أن يغيبوا عقول الملايين من البشر، وأن يسوقوا الكثير منهم للموت والهلاك وخوض غمار الحروب بالنيابة عنهم ودفاعاً عن ملكهم وسلطانهم، رغم أنهم يعيشون في قصورهم الفارهة ويتنعمون بملذات الحياة المختلفة، في صورة تعكس مدى بشاعة استغلال واستغفال الإنسان لأخيه الإنسان، ورغم أن الكثير من الحكام ينالون جزاءهم في نهاية المطاف، إلا أن ذلك لا يأتي إلا بعد أن تضحي الشعوب بالكثير الكثير من أبنائها وتتجرع الكثير من صنوف وأشكال المعاناة والمآسي. 
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل يشعر الحكام بالمآسي والأهوال والتضحيات التي تقدمها شعوبهم؟ وهل يدركون حجم الآلام والأحزان التي يكابدها أفراد الشعب، نتيجة الحروب والصراعات التي يفرضونها عليهم، سواء للاستيلاء على السلطة أو للحفاظ عليها؟! 
 
حتماً، لا يدرك الحكام شيئا من كل ذلك، بل إن الكثير منهم يرون في تضحيات ومعاناة الشعب واجباً عليهم وحقاً لهم عليهم، فلا ضير أن يقتل من قتل ويهلك من هلك، ولا ضير أن يتجرع الشعب كل أشكال المعاناة والمآسي دفاعاً عن حكمهم وسلطانهم، لأنهم لو كانوا يشعرون ويدركون كل ذلك لبذلوا كل جهودهم ولقدموا كل التنازلات الممكنة لوقف الحرب وتحقيق السلام لإنقاذ شعوبهم وللتخفيف من معاناتها ومآسيها، بل إن ما يؤكد عدم شعورهم بشعوبهم وعدم الاكتراثلها ولأحوالها، هو إصرارهم على الحرب ورفضهم للسلام، حتى وإن كان المطلوب منهم تقديم أقل التنازلات، فهم لا يرون أن شعوبهم تستحق منهم تقديم أبسط التنازلات التي يمكن أن تؤثر على سلطانهم وملكهم. 
 
لذلك، تستمر الكثير من الحروب فترات طويلة، ولا تتوقف إلا بالهزيمة لأحد الأطراف أو باستسلام طرف عندما يشعر بالخطر على نفسه وثراوته، أو بقبوله للسلام مرغماً عندما يدرك بأن الحرب لم تعد في مصلحته، لكن من النادر جداً أن تتوقف الحرب ويتحقق السلام نتيجة إحساس أو شعور الحكام بمعاناة ومآسي شعوبهم. ومن النادر أن يقدموا بعض التنازلات من أجل شعوبهم، لتظل الشعوب المقهورة والمغلوبة على أمرها هي حطب حروب الحكام والسلاطين. فنزعة الحكم وحب التملك تففدهم الشعور بالمسؤولية تجاه شعوبهم وتفقدهم الإحساس بمعاناة ومصائب شعوبهم، وتمنعهم عن تقديم أي تنازلات من أجل شعوبهم. ففي سبيل الحفاظ على السلطة أو الاستيلاء عليها، تسقط كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية والوطنية، وتظل مجرد شعارت للاستهلاك المحلي بهدف تضليل الشعوب واستغفالها وتخديرها، ومبرراً لقمعها وإخضاعها وإجبارها على الاستمرار في الحرب استجابة لرغبة الحكام ودفاعاً عن سلطانهم وملكهم.