حزب المؤتمر وقوى الممانعة المدنية

05:01 2023/07/10

ملاحظة، قد يظن البعض وهو يقرأ كتاباتي عن حزب المؤتمر بأنني من الذين استفادوا بشكل شخصي ووظيفي خلال فترة حكمه. وهذا الظن ليس في محلهؤ بل العكس هو الصحيح. وواقع الحال خير شاهد، وما يدفعني للكتابة هو الموضوعية والمصالح العامة والمنجزات التنموية والمدنية والديمقراطية التي تحققت في عهده، والتي استفدت منها كمواطن يمني تمتع بالكثير من حقوقه وحرياته خلال تلك الفترة. وهذا ما دفعني لكتابة هذا المقال المطروح اليوم بين أيديكم. ولست منتظرا من أحد جزاء ولا شكورا.
 
بدايةً من المعلوم بأن حزب المؤتمر كان الحزب الحاكم للجمهورية اليمنية قبل نكبة الربيع العربي 2011، وذلك عن طريق فوزه في الإنتخابات الحرة والمباشرة، وفقاً للدستور اليمني وللأنظمة والقوانين النافذة التي منحت الشعب اليمني الحق في حكم نفسه بنفسه عن طريق التنافس السياسي والفكري السلمي، وصولاً للاحتكام لنتائج صناديق الاقتراع والقبول بها كطريقة وحيدة للتداول السلمي للسلطة في أول تجربة ديمقراطية حقيقية يشهدها الشعب اليمني ويعيش تفاصيلها وأحداثها واقعاً ملموساً أسسها ورعاها وحماها ودعمها حزب المؤتمر، استجابةً لمنهجيته الفكرية والسياسية المدنية والتقدمية.
 
طبعاً، التجربة الديمقراطية اليمنية تجربة ديمقراطية وليدة كانت لا تزال في مرحلة النشأة، لم يتجاوز عمرها العشرين عاماً، وكانت في حاجة للمزيد من الرعاية والاهتمام وتصحيح بعض الأخطاء والتجاوزات التي كانت ترافقها. وما تم إنجازه في مجال العمل الديمقراطي، مقارنة بعمر التجربة الديمقراطية، يعتبر في مقاييس العلوم السياسية إنجازا كبيرا جداً. كيف لا والرئيس اليمني قبل النكبة كان منتخباً، ومجلس النواب كان منتخباً، والمجالس المحلية كانت منتخبة انتخابا مباشرا من الشعب.
 
نعم، لن أبالغ إذا قلت بأن اليمن قبل نكبة 2011 كانت بمثابة واحة غناء بالديمقراطية والمشاركة السياسية وحرية الرأي والتعبير والحقوق والحريات، لكنها للأسف الشديد كانت واحة ديمقراطية ومدنية وسط بيئة سياسية وفكرية رافضة وممانعة للمدنية وللديمقراطية كفكر ومنهج نتيجة حضور القوى التقليدية والرجعية والمتطرفة على الساحة الوطنية، والتي تحمل مناهج فكرية وسياسية تتعارض تماماً مع الأفكار الديمقراطية، فتكالبت تلك القوى وتجمعت وتآمرت على هذه التجربة، وبذلت قصارى جهدها في سبيل إفشالها وتشويشها واسقاطها والقضاء عليها 
نعم، لم تستطع تلك القوى الإنتظار كثيراً، وهي تشاهد تجربة ديمقراطية رائدة في نطاقها الجغرافي، وهي تنجح وتزدهر ، فلم تستطع صبراً، وهي تشاهد الشعب اليمني، وهو يمارس حقوقه وحرياته السياسية والمدنية، وهو ينعم بأجواء الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة، فكانت نكبة الربيع العربي بمثابة الفرصة المناسبة لتلك القوى للقضاء والإجهاز على التجربة الديمقراطية اليمنية، فتجمع عناصرها في الساحات والشوارع مستغلين مساحات الديمقراطية المتاحة وحرية التجمهر والتظاهر والاعتصام، ورفعوا شعارات براقة وطنية ومدنية وتقدمية زائفة وخادعة بهدف التضليل والتغرير على أبناء الشعب اليمني. 
 
طبعاً، وقع الكثير من أبناء الشعب اليمني، مثلهم مثل غيرهم من أبناء الدول العربية، ضحية ذلك التغرير الإعلامي الممنهج والمخطط والمدعوم من أجهزة مخابرات خارجية، وانخرطوا في ذلك المشروع الهدام الذي ظاهره المدنية والرفاهية وباطنه الخراب والدمار والويل والثبور والتخلف والرجعية، وكان ما كان وإذا بالأيام والأحداث تكشف اللثام لتظهر الوجه القبيح لذلك المشروع التدميري الهدام، وإذا بالشعب اليمني يفقد تجربته الديمقراطية الرائدة ويفقد حياته الدستورية ويفقد حقوقه وحرياته، ويفقد كل شيء جميل في حياته، وإذا بتلك الواحة الغناء تتحول إلى أرض مجدبة قاحلة يحيط بها الدمار والخراب والحروب والصراعات والتسلط والاستبداد من كل جانب. 
 
وإذا بتلك الوعود البراقة بالرفاهية والمدنية والتقدم ، التي رفعتها القوى التقليدية والرجعية والمتشددة التي تجمعت في الساحات، تتحول إلى كوابيس مرعبة ومخيفة، وإذا بالأجندات والشعارات الوطنية التي كانوا يرفعونها للتغرير والتضليل تتلاشى على مرأى ومسمع من الشعب اليمني، لتظهر أجندات العمالة والخيانة والتبعية للخارج، وإذا بدعاة المدنية والحداثة في ساحات الربيع العربي، بعد وصولهم إلى السلطة، يتحولون إلى جلادين وظلمة ومستبدين ومتشددين ومتطرفين ورجعيين، وإذا بدعاة الوطنية والاستقلال والسيادة يتحولون إلى سماسرة للعمالة والتبعية لمشاريع توسعية واستعمارية خارجية.
 
وبخروج حزب المؤتمر من السلطة تلاشت التجربة الديمقراطية اليمنية وانهارت. وهذا أمر وارد، فهو مؤسسها وراعيها وحاميها، وستظل هذه التجربة مقترنة بحزب المؤتمر، ففي عهده إزدهرت وتطورت وترعرت وتحققت، وفي غيابه ذبلت وتراجعت وتوارت ولن تعود إلا بعودتهؤ فهو مقترن بها وهي مقترنة به. لذلك، كان ولا يزال وسيظل حزب المؤتمر بمنجهه السياسي والفكري المدني والتقدمي والسلمي الرائد والمؤسس والداعم والحامي الوحيد والحصري للمدنية وللتجربة الديمقراطية في اليمن. وأي حديث عن المدنية والديمقراطية في ظل غياب حزب المؤتمر ليس أكثر من استهلاك إعلامي.