مراحل سقوط الأنظمة السياسية الاستبدادية والقمعية عبر التاريخ .

04:12 2023/08/31

من يقرأ ويبحث في كتب التاريخ والسياسة سوف يلاحظ بأن سقوط الأنظمة السياسية الاستبدادية عبر التاريخ البشري مسألة حتمية لا نقاش حولها ، والمسألة مسألة وقت فقط ، وسقوطها يمر بعدد من المراحل التي تتوالى بشكل تدريجي ، وصولاً إلى مرحلة السقوط الحتمي والنهائي ، وأهم هذه المراحل هي مرحلة السقوط الأخلاقي والقيمي ، ومرحلة السقوط الفكري والثقافي ، ومرحلة السقوط الموقفي ، ومرحلة السقوط السياسي ، ومرحلة السقوط الاقتصادي ، ومرحلة السقوط الجماهيري والاجتماعي ، وآخرها مرحلة السقوط العسكري ، وأول هذه المراحل هي مرحلة السقوط الأخلاقي والقيمي ، وتبدأ هذه المرحلة بمجرد أن يبدأ النظام السياسي الاستبدادي بالتنصل عن الأخلاقيات والقيم والشعارات والمبادئ ، التي كان يرفعها وينادي بها ويدعو إليها قبل استيلائه على السلطة ، والتي تنادي بالعدل ، والمساواة ، والحرية ، والقيم الإيجابية بشكل عام ، وعندما يشاهد أفراد الشعب قيادات هذا النظام وأعوانه وزبانيته ، وهم يمارسون على أرض الواقع السلوكيات والأفعال السلبية التي تتعارض وتتناقض مع شعاراتهم السابقة ، وتسمى هذه المرحلة ( مرحلة الإنكشاف القيمي والأخلاقي ) ، والتي تكون فيها الممارسات والأفعال والسلوكيات على أرض الواقع عكس الشعارات والأقوال والخطابات النظرية .

ثم تأتي مرحلة السقوط الفكري والثقافي ، وتبدأ هذه المرحلة بمجرد أن يبدأ النظام السياسي الاستبدادي بفرض افكاره وثقافته الحزبية ، أو المذهبية ، أو الطائفية ، أو الإيديولوجية على بقية فئات الشعب بالقوة ، والترهيب ، واستغلال السلطة ومؤسسات الدولة للقيام بذلك، خصوصًا إذا كانت الأفكار والثقافة التي يسعى إلى فرضها على الشعب مستوردة من خارج الحدود.

ثم تأتي مرحلة السقوط الموقفي ، وتبدأ هذه المرحلة بمجرد أن يبدأ النظام السياسي بتبني مواقف سياسية ،أو إقتصادية ، أو إجتماعية ...الخ تتعارض مع القوانين، والأنظمة، والعادات، والتقاليد، والأعراف المتوافق عليها بين كل فئات المجتمع , أو تتعارض مع المصالح، والثوابت الوطنية، والقومية العليا ، أو أن يقوم النظام برهن قراره السياسي بيد قوى خارجية ليصبح مجرد تابع مسلوب القرار والإرادة .

ثم تأتي مرحلة السقوط السياسي، وتبدأ هذه المرحلة بمجرد أن يبدأ النظام بتبني المبادئ السياسية التي تتعارض مع مبادئ الحرية والديمقراطية والشراكة الوطنية والتعددية السياسية ، ويبدأ بمصادرة وانتهاك الحقوق والحريات الإنسانية ، ثم تأتي مرحلة السقوط الاقتصادي، وتبدأ هذه المرحلة بمجرد أن يبدأ النظام السياسي الاستبدادي بفرض الجبايات، والضرائب، والرسوم، والإتاوات الجائرة والظالمة على أفراد الشعب بشكل تعسفي وقمعي ، ويتوقف عن القيام بواجباته الاقتصادية والتنموية والخدمية التي يحتاجها الشعب ، ويسخر اقتصاد الوطن وامكانيات الوطن لبناء اقتصاديات ريعية خاصة تكون ملكيتها لقياداته; بهدف التحكم والسيطرة على الاقتصاد الوطني ، ثم تأتي مرحلة السقوط الجماهيري والاجتماعي ، وتبدأ هذه المرحلة بمجرد أن يبدأ النظام السياسي بممارسة سياسة التمييز العنصري ، والقائمة على احتكار كل المميزات السلطوية لصالح عنصرية معينة ، وتجاهل بقية فئات الشعب ، هذه السياسة تكون نتيجتها فقدان النظام السياسي للحاضنة الجماهيرية والاجتماعية .

والسقوط العسكري هو آخر مرحلة من مراحل سقوط الأنظمة السياسية الاستبدادية عبر التاريخ ، وذلك لأن هذا النوع من الأنظمة يعتمد بشكل رئيسي على الجانب العسكري ، فالقوة العسكرية تمنحه القدرة على الاستمرارية في السلطة حتى بعد سقوطه في كل المجالات الأخرى ، والقوة العسكرية هي التي يراهن عليها النظام السياسي الاستبدادي لقمع كل من يعارضه أو يقف في طريقه ، والملاحظ عبر التاريخ أن هذا النوع من الأنظمة يهتم كثيرا بالجانب العسكري ، فلا يتوقف عن تقديم كل صور الدعم وبسخاء كبير لتطوير قدراته العسكرية ، ولا يتوقف عن التحشيد والتجنيد، وتشكيل المزيد من الوحدات والتشكيلات العسكرية والأمنية ، وبحسب الاحداث السياسية والتاريخية فإن هذا النوع من الأنظمة قد ينفق كل مقدرات، وخيرات، وثروات الوطن على المجال العسكري والأمني ، ولذلك يتأخر السقوط العسكري للأنظمة السياسية الاستبدادية بعض الوقت .

وهناك بعض الحالات التي تعجل بالسقوط العسكري للأنظمة الاستبدادية ، كحدوث حالة من الانقسام داخل بنية النظام يقود إلى صراع أجنحة تؤدي إلى إضعاف النظام وسقوطه ، أو نتيجة إنقلاب عسكري من داخل النظام السياسي نفسه ، أو نتيجة ثورة شعبية عارمة ، وهذا النوع من الأنظمة لا يتردد في استخدام القوة المفرطة ضد أي حراك شعبي مناوئ له ، ولا يهمه حجم الضحايا من أفراد الشعب ، فهو لا يتردد في ارتكاب أبشع المجازر والجرائم في سبيل حفاظه على السلطة.
 
وفي كل الأحوال يكون النصر في نهاية المطاف للإرادة الشعبية ، لأن سقوط النظام أخلاقيًا، وشعبيًا، واقتصاديًا، وسياسيًا، وجماهيرًا يضعه في موقف حرج وصعب ، ويضعف موقفه العسكري مهما كان يمتلك من قوة ، ما يجعل السقوط العسكري للأنظمة الاستبدادية حتمي ، فلا توجد أي قوة يمكنها أن تقف أمام إرادة الشعوب إذا قررت التغيير، والثورة، والانتصار لمبادئها، وثوابتها، وحقوقها، وحرياتها