Image

ان ينتظر الجياع لتُكمل أكلك كي يأكلون البقية .. جريمة رسمية لا تغتفر بحق اليمنيين

يزداد تدهور الحالة المعيشية، والانحدار نحو المجاعة إتساعًا يومًا بعد آخر في اليمن، جراء السياسات الاقتصادية الخاطئة ، والفساد المستشري في المرافق الحكومية، وعمليات نهب المال العام ، وفرض مزيد من الجبايات، والضرائب، والإتاوات المالية من قبل الجهات المتنفذة في جميع مناطق البلاد.

أسباب عديدة أوصلت المواطن اليمني للوقوف أمام "المطاعم لانتظار أحد الزبائن لينتهي من أكله كي يتناول البقية"، أي جريمة هذه التي دفعت اليمنيين إلى هذه الحالة؟ تساؤل يطرحه العديد من المحللين الاقتصاديين، والاجتماعيين، والمراقبين للشأن اليمني.

انهيار العملة، ومناسبات الحوثي
شكّل انهيار العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية، و أوصلها إلى مستويات قياسية خلال الأشهر الماضية، سببًا رئيسيًا لارتفاع أسعار السلع الغذائية، والاستهلاكية اليومية للمواطن في المناطق المحررة، فيما شكّلت سياسات الحوثي الاقتصادية خاصة في الجانب النقدي، وإنشاء الأسواق الموازية لصالح عناصرها، والجبايات الشبه شهرية لإحياء مناسباتهم الدينية، والعقائدية، وغيرها من العوامل التي تؤدي إلى نهب الأموال، ومصادرة الممتلكات، ومنع صرف المرتبات إلى ذات الحالة في المناطق الواقعة تحت سيطرتها.

يتحدث الكثير من المحليين الاقتصاديين اليمنيين، عن عوامل عدة أوصلت الحالة المعيشية إلى حافة المجاعة الحقيقية، والتي تؤكدها التقارير الدولية، ومنها العبث بإرادات القطاعات الاقتصادية، وعدم توريدها للبنك المركزي، واستشراء الفساد في المؤسسات الحكومية، وتبديد أموال المساعدات، والهبات، والمنح المقدمة دوليًا للشعب اليمني، من قبل القائمين على السلطة.

فساد متصاعد ورسمي
إلى جانب استمرار الحرب الاقتصادية التي تمارسها ميليشيات الحوثي ضد الشعب اليمني، واستمرار صرف المرتبات لأعضاء الحكومة، والموظفين الجدد في السلك الدبلوماسي بالعملة الأجنبية، واستمرار التعيينات، واستحداث المناصب الحكومية، وتوزيع حصص مالية على مراكز القوى شهريا، والمضاربة باحتياطي العملات الأجنبية، وعدم وجود سياسة مالية واضحة للحكومة، وفتح مشاريع استراتيجية، وتقديم مساعدات واعانات شهرية للأسر الفقيرة، إلى جانب نهب المساعدات الانسانية المقدمة للاسر الفقيرة من المنظمات الدولية، الى جانب عوامل أخرى أدت للحالة التي تعيشها اليمن خاصة المناطق المحررة حاليًا.

كل تلك العوامل تدل على ان ممارسة الفساد، ونهب المال العام والمنح، يُمارس بصفة رسمية وعلنية، الأمر الذي أكّده اجتماع مجلس الطاقة الذي عُقد أخيرًا في عدن، والذي أقر  استمرار معالجة مشكلة الكهرباء في  عدن، عن طريق رفع كفاءة المحطات العاملة، هي أحد وابرز بؤر الفساد لنهب الأموال العامة خاصة من الودائع السعودية.

الغلاء المتصاعد
و يبقى غلاء أسعار المواد الاستهلاكية المتصاعد، الناتج عن كل الأسباب والعوامل التي ذُكِرت، هو العامل الرئيسي في فقدان الأُسر اليمنية في المناطق المحررة عامل القدرة على توفير الوجبات اليومية للأُسرة.
و وفقًا لاقتصاديين وتجار جملة وتجزئة في مدينة عدن، فإن الغلاء المتصاعد دفع الكثير من الأُسر في المدينة، والمناطق المحررة، إلى تغييب أصناف طعام رئيسية عن موائدهم، ومنها الأرز التي تُشكِلُ وجبة رئيسية عند سكان عدن بالذات.
كما شكّل فارق سعر العملة بين صنعاء وعدن، عاملًا إضافيًا لزيادة حالة التقشف لدى الكثير من الأُسر اليمنية، حيث تتضاعف أسعار السلع الاستهلاكية اليومية من خضار وفواكه إلى عشرات الأضعاف جراء فارق الصرف، وقيمة التحويلات المالية بين المنطقتين، والمرتبط أصلًا بارتفاع أسعار العملات الاجنبية مقابل الريال اليمني.

وجبات محدودة
وخلال الأشهر القليلة الماضية، اختصر عدد كبير من الأسر في عدن ومدن محررة أخرى، أصناف مائدة الطعام اليومية إلى أصناف قليلة، ومحدودة جدًا; نتيجة ارتفاع الأسعار، وعدم القدرة الشرائية; نتيجة ضعف الدخل الشهري للأُسرة مقابل الغلاء في المواد الاستهلاكية.
و يتحدث العديد من أرباب الأسر في عدن، بأن اصناف موائد طعامهم قلت بواقع 50 بالمائة عما كانت عليها قبل ثلاث سنوات، وبواقع 75 بالمائة عما كانت عليه قبل 14 سنة، أي قبل فوضى 2011، و ما تلاها من انقلاب، وحروب مستمرة حتى اليوم.

أسعار مخيفة
و مع استمرار ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية اليومية في أسواق المدن المحررة، والتي وصلت حد اللا معقول، حيث بلغ سعر عبوة الأرز من النوع متوسط الجودة إلى اكثر من 78 ألف ريال للعبوة سعة 40 كيلو جرام، فيما العبوة الجيدة تتجاوز المائة ألف ريال، في حين بلغت أسعار عبوات الدقيق والبر في المدن 27 ألف ريال للعبوة سعة 50 جرام، و في الأرياف إلى 43 ألف ريال، مقارنة بالسنوات الماضية التي كانت لا تتجاوز 18 ألف ريال.
و بشأن أسعار الخضروات التي يعتمد عليها في إعداد الوجبات اليومية للأُسر، فقد وصل سعر الكيلو البطاط في عدن إلى 1500 ريال، والطماط 1800 ريال، والبصل 1400 ريال، والكوسا 2000 ريال، وكذا الباذنجان والباميا، أما اسعار الفواكه "تفاح – برتقال –كيوي – كمثرى" تترواح أسعارها بين الثلاثة آلاف وأربعة آلاف حسب الجودة.

مجاعة تطرق الأبواب
و خلال الأشهر القليلة الماضية، زادت حالات الفقر في أوساط سكان المناطق المحررة، وفقًا للأحداث والمؤشرات السوقية، والاجتماعية، والتي سجلت تزايد في عدد الشحاتين، والجياع الذين يقفون على أبواب المطاعم لتناول ما يتركه الزبائن، فضلًا عن تكدس المحتاجين أمام المنظمات الإنسانية والإغاثية بشكل شبه يومي في انتظار المساعدات.
إلى جانب كل تلك المؤشرات الميدانية، تؤكّد التقارير الدولية ارتفاع عدد اليمنيين الذين يحتاجون إلى مساعدات غذائية عاجلة إلى 22 مليون، وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي الذي اعلن تقليص مساعدته لليمن بدءً من سبتمبر الجاري، نتيجة قلة التمويل حسب زعمه.
كما تحذر تقارير أممية من تزايد حدة انعدام الأمن الغذائي في البلد، الذي مزقته الحرب، وزحف فيه الفقر ليطاول 80% من السكان، ارتفاع اعداد الاطفال المحتاجين للتغذية الى جانب النساء الحوامل، وغيرها من الفئات الاجتماعية، وعلى رأسها النازحين في المخيمات.

أقوال بدون أفعال
و في ظل كل ذلك التدهور، تظل الجهات الرسمية غير مبالية بالوضع المعيشي للسكان، وتواصل سعيها لتقديم الرفاهية لأعضائها، والموظفين العاملين في إطار دوائرها الإعلامية، وعلى مواقع التواصل الإجتماعي، وفي الشبكات الحقوقية; لتحسين صورتها أمام الرأي العالمي.
ويرى عدد من سكان عدن، ان الحكومة باتت تُمارس فسادها في جميع القطاعات بشكل علني ودون خجل، نتيجة الدعم الإقليمي، والدولي لها من أجل تقديم تنازلات للحصول على هدنة، و وقف إطلاق النار لصالح الحوثيين، فيما يتم إغفال الجوانب المعيشية، والإنسانية عن المشهد بشكل عام.
و يرى معظم سكان المدينة أنه لا أحد يكترث لوضع المواطن البسيط، حتى و إن تناول وجبته من براميل القمامة، ومن بقايا طعام الأثرياء، والمسؤولين الفاسدين، وتم نقل الصورة للمعنيين بكل وضوح، فإن المجتمع الدولي والمنظمات المعنية لا تحرك ساكنًا، في التوضيح للجانب الرسمي عن حقيقية الوضع الكارثي الذي يعيشه المجتمع، ويقترب من المجاعة الحقيقية.