Image

مليشيا الحوثي تلغي الهوية الوطنية وتفرض الهوية الطائفية

مليشيا الحوثي تلغي الهوية الوطنية وتفرض الهوية الطائفية

هل يمكن لعصابة طائفية، وسلاح موجه إلى صدور اليمنيين، أن تتحول إلى دولة أو حزب سياسي يخضع لقوانين دولة اليمنيين؟؟

صحيفة المنتصف

عملت الإمامة خلال قرون على طمس الهوية اليمنية، وجاءت ثورة 26 سبتمبر 1962 لتكريس الهوية الوطنية اليمنية، ثم عاد الحوثي للعمل على نشر ما سماه "تأصيل الهوية الإيمانية" ، والترويج لها للتغطية على عملية مسخ الهوية اليمنية، وطمس الوسطية والاعتدال التي عاش عليها اليمنيون طيلة قرون، واستبدالها بهوية متطرفة عنصرية تكرس مبدأ الولاية، فيحتكر الدين ويوزع صكوكه على أتباعه دون سواهم، ويفرض هوية طائفية على أجيال بأكملها تردد شعار صرخة الكراهية، ولا تقيم وزنا للنشيد الوطني.  

 

تفضيل هويات معينّة:

في غضون العقدين المنصرمين، تحوّل مليشيا الحوثيون من كونهم مجرد حركة دينيّة محلية ليصبحوا سلطة الأمر الواقع التي تُسيطر على العاصمة صنعاء وعدد من المحافظات، فما هي العوامل التي ساعدتهم على هذا التمدد، والظفر بمثل هذه القوة؟

(ع. ص) دكتور علم النفس في جامعة صنعاء يجيب عن هذا السؤال بقوله:
"هناك عدة عوامل ساعدت مليشيات الحوثيين على تمكينهم من السلطة، منها انهيار مؤسسات الدولة وعوامل أخرى، إلا أن السبب الرئيسي يعود في المقام الأول إلى قدرتهم على استخدام مجموعة من الهويات الدينية والسياسية والاجتماعية، مما ساعدهم على تجنيد المقاتلين، وبناء التحالفات المختلفة، حيث كان مليشيا الحوثيون يتبنون وفق الظروف هويات معينّة يفضّلونها على غيرها، ومثل هكذا إستراتيجية مكّنتهم من أن يكونوا خصماً فاق كل التوقعات التي نُسجت حولهم".

وأضاف: "بالنسبة لما سموه مؤخرا الهوية الإيمانية، فهي تعد من الأشياء الأساسية المشجعة على ربط نسق الخطاب الحوثي الارهابي بالنسق التاريخي للإمامة، وإثبات إمامية مليشيا الحوثيين يؤكد على عدم صلاحية الإمامة كأداة لتمثيل المشاعر الوطنية، بالعودة إلى ما نعرفه من تاريخ الأئمة. فعلى المستوى النظري، من سمات الإمامة عدم وضع حد جغرافي لسلطانها".

يقول بول دريش: "وفي حالة أئمة اليمن، لقب كل إمام مكتمل بأمير المؤمنين، ولم توضع حدود جغرافية لسلطانه".

ولاحظ "برنارد هيكل" أن الإمامة كان يجري تناولها في الأدبيات الزيدية "بمصطلحات إسلامية عالمية ولم تقدم قط باعتبارها مقصورة على اليمن، أو على أتباع المذهب الزيدي".

وعلى المستوى العملي يقول "إيلينا جولوبوفسكايا" في كتابه "ثورة 26 سبتمبر في اليمن" (ص 22): "كان الأئمة يميلون في سياساتهم إلى العزلة داخل نطاق ضيق من اليمن، مثال على ذلك العزلة التي فرضها الإمام يحيى على محكوميه قبل مائة عام، وقد طمح الإمام يحيى إلى تبرير سياسة العزلة فأعلن أنه يدافع عن شعبه ضد الإلحاد والعلوم الوثنية، ويريد أن يتبع الشعب الدين الصحيح حسب اجتهاده.. والأئمة ما إن يبدؤا حركة صعودهم حتى يتلبَّسهم فجأة ذلك الوجه الأجنبي غير الشخصي، الوجه العنيد "المؤمن" المتفوق، الوجه المتسامي على مجتمعه، الوجه الخاص برجال صغار يطاردون منذ ألف عام قَدَراً نبوئياً هارباً عصياً على الإمساك، إذ يَحمِل كل واحد منهم فجأة وجهاً غريباً كريهاً يصبغه اليقين بالكفاح في سبيل حُلم إمبراطوري "إلهي" قديم منذور للفشل بحكم العادة".

وأضاف متسائلا: "فما هو الجديد الذي سيضيفه الكهنة والدجالون والمشعوذون والمنحرفون إلى الهوية الإيمانية اليمنية؟ لا شيء سوى الزيف والمسخ والدجل والتحريف، واستغلال العاطفة الدينية لدى اليمنيين لتجهيلهم، ومحاولة مسخ هويتهم الدينية، والقيمية، والوطنية، والإنسانية".

التشكيك في إيمان اليمنيين:

عملت وتعمل المليشيات على التكثيف من أنشطتها الطائفية بغرض طمس وتغير الهوية اليمنية الأصيلة، متسترة برداء وعباءة الدين والإيمان.

الحوثي المليشاوي عبد الله عامر، مدير مكتب الأوقاف والإرشاد التابع لمليشيا الحوثيين بأمانة العاصمة، دشن في وقت سابق حملة إرشادية لـ"تعزيز وتأصيل الهوية الإيمانية في المجتمع" بمشاركة 500 من الخطباء والمرشدين، وفي مقاربة منه لماهية تعزيز وتأصيل الهوية الإيمانية يؤكد على ضرورة ترسيخ معاني الإيمان وأخلاق الإسلام في نفوس جميع أفراد المجتمع قولاً وعملاً، وهو ما يعني التشكيك في إيمان المواطنين اليمنيين، وضرورة إعادة ضبط وأسلمة المجتمع، وفقاً لأخلاق وممارسات المليشيا.

وفيما يشير عامر إلى ضرورة العمل على ترسيخ الهوية الإيمانية، والتحلي بها منهجاً وسلوكاً، لا يتذكّر القيادي الحوثي المليشاوي سلوكاً واحداً لجماعته يمكن الاستشهاد به كدليل نظري على ترسيخ الهوية الإيمانية والتحلي بها منهجاً وسلوكاً.

الانتماء إليها خيانة كبرى:

كتب فارس جميل قائلًا: أرسل محمد البدر، آخر حكام سلالة بيت حميد الدين إلى عمه الحسن بن يحيى حميد الدين، قبل ثورة 26 سبتمبر بأيام، وعرض عليه العودة لليمن; لمواجهة أكبر المخاطر في رأيه، وهو تراجع حب "آل البيت" في اليمن، وخاصة مناطق شمال الشمال، وهذا ما تقوم به حاليًا المليشيات وعناصرها، فالسلالة المزعومة هي الدولة والدين والوطن، ومن أنكرها فوطنية ويمنيته وإسلامه مشكوك به، هل هذه هي دولة عبد الملك وشركائه؟

إذا تحدث اليمنيون عن المرأة، قالت لهم مليشيا الحوثي: "المرأة فاطمة جدتنا، وهي القدوة وعليكم الخضوع لنا لأننا أحفادها، وهي بنت الرسول، وأي ولاء لغيرها يخرجكم عن ديننا".

إذا تحدثوا عن البطولة قالت لهم مليشيا الحوثي: "البطل هو الحسين، ونحن أبناؤه وعليكم الخضوع لنا".

إذا تحدثوا عن الحقوق، قالت لهم: "الحكم حقي أنا، ولا حق لكم غير طاعتي".

إذا تحدث اليمنيون عن التعددية والانتخابات كوسيلة للوصول إلى السلطة بموجب الدستور اليمني، قالت لهم: "حديث الغدير هو الدستور، والولاية هي الانتخابات".

إذا تحدثوا عن الأحزاب، قالت لهم: "نحن مسيرة قرآنية ولسنا حزبا، ولا حزب إلا حزب الله، ومع ذلك يتحدث عن الشراكة".

فما هي الدولة التي يتحدث عنها الحوثي، وهو يهد كل أركانها من المواطنة المتساوية إلى أبسط الحقوق الأصيلة كحق الحياة بكل واجباته؟

هل يمكن لعصابة منظمة بأفكار عنصرية طائفية، وسلاح موجه إلى صدور اليمنيين، أن تتحول إلى دولة، أو ،حزب سياسي يخضع لقوانين دولة اليمنيين؟ لا يوجد عاقل قرأ ورقة واحدة من التاريخ يتوقع ذلك، أو يصدقه.

إن فكرة "الولاية" وحدها عدوان كامل على كل حق لليمنيين بعدها، لأنها تقسم اليمنيين إلى سادة وأتباع، وما ينتج عن هذا الادعاء الزائف مجرد تفاصيل.

إن السيطرة على السلطة بقوة السلاح وحدها، عدوان كامل على كل حق لليمنيين كفله الدستور والقانون، وما ينتج عنها من ممارسات مجرد تفاصيل.

حتى الاحتيال باسم الدولة، وأداء اليمين الدستورية من قبل من يعينهم مليشيا الحوثي في مناصب الدولة اليمنية خيانة كاملة الأركان للدستور والقانون، فليس لهذه الجماعة صفة دستورية، إلا كجماعة طائفية مسلحة يعتبر الانتماء إليها خيانة كبرى وجريمة يعاقب عليها القانون.

سلطة الأئمة لم تؤمن على مدى تاريخها بهوية الدولة:

كرس الحوثي الإرهابي خطابه خلال الأعوام الماضية لما سماه الحرص على اتباع "الهوية الإيمانية"، لتحل محل الهوية الوطنية، في إشارة إلى معتقداته المذهبية المتطرفة فيما يخص العادات والتقاليد، وضرورة الالتزام بالمظهر والهيئة التي يبدو عليها هو وأتباعه. 
وفي ظل إدراكه بحجم تزايد الرفض الشعبي لمشروعه السلالي، قام بتسخير مفهوم الهوية الإيمانية لخدمة أجندته، وعمد إلى اتخاذ أساليب لتطبيقها لم تكن جديدة، فهي مستمدة من تجربة إيران المتمثلة بإحراق، وإغلاق المحال التجارية المتخصصة بالملابس النسائية، معتبرًا البالطو ثقافة غربية مخالفة للهوية الإيمانية، ومنع محال الحلاقة من قص الشعر بحسب ما يعرف بالحلاقة الشبابية، وشن الحملات على الكافيهات للتحذير من الاختلاط، كل ذلك بغرض إبتزاز أصحاب تلك المهن، ونهب مدخراتهم، والحد من توفير مصادر دخل للعاملين في هذه المهن.

يحدثنا أحد أساتذة التاريخ في جامعة صنعاء قائلًا:
"الهوية الإيمانية في أدبيات  الإرهابي عبد الملك الحوثي ليس هوية أخلاقية كما هو معروف عنها في التشريع الإسلامي، بقدر ما هي وسيلة وحيلة جديدة للمزيد من التضييق والابتزاز للإنسان اليمني، وهي شبيهة بثقافة العصور الوسطى في أوروبا، والتي اعتبرت الكنيسة ظهور الحداثة مخالف للهوية الإيمانية، ومخالفة لتعاليم الرب، لذا تم إنشاء المحاكم لمحاسبة كل صاحب فكر، أو رؤية تخالف هويتهم الايمانية، وبما أن الحوثية الإرهابية تبني وجودها على حقبة القرون المظلمة فهي لا تستطيع أن تعيش مع العصر الحديث لكونه يناقض الفكرة، والتي باتت في ثقافة الأمم خرافة، ودجل يمارسها السحرة والمشعوذين".

وأضاف: "من يقرأ تاريخ الإمامة في اليمن، سيدرك أن سلطة الأئمة لم تؤمن على مدى تاريخها بهوية الدولة، ولم تعمل يومًا على بناء مؤسساتها، فهي في نظرهم ليس أكثر من توفير الحماية مقابل الجباية، فمفهوم تعزيز الوظيفة العامة وصرف الرواتب، وتقديم الخدمات من بناء المدارس، والمستشفيات لم تجد له أولوية في منظور الإمامة، وهذا ما يسعى إليه الارهابي عبد الملك الحوثي عبر تدمير ممنهج للوظيفة العامة، وإفقار الشعب من خلال إلغاء الوظيفة، وإنهاء التعليم ودور وزارة التربية والتعليم، فهو يدرك أن التعليم يفتح أمام الشعب تطلعات، وتصورات لشكل الدولة، ما يجعله شعبًا يبحث عن إصلاحات سياسية، واقتصادية، ويطالب بزيادة التنمية، والمساواة بالحقوق، والمناداة بالحريات".

هم أصحاب الوصاية والولاية على الدين والوطن ورقاب الناس:

تبنت المليشيات الحوثية طوال السنوات الثمان الماضية، إستراتيجية في ممارسة طائفية بغيضة، ونشر سمومها على صعيد واسع في مختلف الأرجاء، فعلى مستوى الحارات قامت بإلزام عقال الحارات، والشخصيات الاجتماعية بفتح منازلهم لإقامة ندوات تحت تعزيز مسمى الهوية الإيمانية التي تنفذها على مراحل، حيث أجبرتهم على حشد الأهالي لحضور هذه الندوات، والدروس، التي من خلالها يتم بث الأفكار الطائفية، والعدوانية، والعمل على مغازلة البسطاء بـ"كلمات دينية"، في محاولة لاستقطاب مزيد من الدعم للجبهات.

أبو محمد، أحد عقال الحارات بأمانة العاصمة، حدثنا حول هذا الموضوع قائلًا: 
"قام الحوثيون الارهابيون بعمل دورات لنا نحن عقال الحارات، كثفوا من المحاضرات التي تصب فيما يسمونه الهوية الإيمانية، والتي تتحدث عن طاعة ولي الأمر المتمثل في عبد الملك، وفضل آل البيت والمتمثل بالهاشميين، كما ألقوا علينا المحاضرات عن كيفية ترسيخ هذه المفاهيم في عقول الناس، بعدها تم إلزام عقال الحارات، والمشايخ، والشخصيات الاجتماعية بفتح المجالس، والمقايل، وحشد الناس بالترهيب والترغيب لحضور المحاضرات التي تصب في معنى الهوية الإيمانية كما يسمونها".

وأضاف: "لم تلقَ هذه المحاضرات إقبالًا كبيرًا من الناس، مما دفعنا مجبرين لطرق منازل السكان، وإجبارهم على الحضور، أو التعرض للعقوبات، لذا كان أغلب الحاضرين تحت الضغط وليس عن محض إرادة، وبالنسبة للأحياء الفقيرة فقد هددوا ساكنيها بقطع المساعدات الإنسانية عنهم، وإلغاء أسمائهم من قوائم المنح الإغاثية إن لم يحضروا دورات التحصين الفكري، كما يصفونها، ببساطة هم يحاولون من خلال مفهوم الهوية الإيمانية إقناع الناس بأن علاقتهم بالله منقوصة ما لم تكن عبر من يدعون أنهم من آل البيت، وأنهم أصحاب الوصاية، والولاية على الدين، والوطن، ورقاب الناس".

تقديم المزيد من الشباب وقودًا لمعارك بقائها:

كثفت المليشيات وقياداتها من الترويج لمصطلح ما يُسمى الهوية الإيمانية، وعممته على مدارس العاصمة صنعاء، حيث شهدت كثير من مدارس أمانة العاصمة صنعاء، حملات مكثفة تحشد فيها عددًا كبيرًا من طلاب المدارس، ونقلهم لمقرات خاصة بمليشيا الحوثيين، بغرض تأصيل الهوية الإيمانية كما يدعون.

التقينا بأحد المدرسين، و الذي حدثنا عن هذه الحملة، وما الذي يدور فيها قائلًا: 
"لقد تم استهداف طلاب المدارس ما دون سن الخامسة عشرة، بمحاولة من المليشيات لترسيخ فكر المدعو حسين الحوثي، وإتباع هدي الارهابي عبد الملك الحوثي، واتباع أوامره، والانتهاء عما ينهى عنه، بحسب ما تحدث المشرفون، ففي ندوة يفترض أنها توعوية "عطاء الشهادة والهوية الإيمانية"، يخلص المشرف الذي يلقي المحاضرة على الطلاب إلى أن الهوية الإيمانية تحتاج لتقديم المزيد من الشباب وقودا لمعارك بقاء الحوثي في السُلطة".

وأضاف: "هي سياسة تتبعها المليشيات تقوم على الطائفية البشعة يدفع الأطفال ثمنها الأكثر فداحة وبشاعة، فمنذ بداية العام الدراسي،عمَّمت المليشيات على إدارات المدارس ترديد شعار الصرخة، بعد أن تجاهلت بعض المدارس ترديد الشعار، ووجهت بإلزام جميع المدارس بترديد الشعار، وهناك الكثير من الطلاب الذين رفضوا ترديد شعارهم تعرضوا للضرب، وآخرون تم فصلهم من المدرسة".

هذه هي الصورة الحقيقية لأقبح نسخة إمامية مُتَسَلِطة.