Image

الأثر الاجتماعي والثقافي لتأسيس دولة طائفية في اليمن

مع ترقب الإعلان الذي كشف عنه زعيم مليشيات الحوثي الارهابية عبدالملك الحوثي، خلال كلمته المتلفزة الأخيرة، بأنه سيكون حالة فاصلة بالنسبة لمناطق سيطرة عناصرها الارهابية، تستمر الحروب التي تشنها تلك المليشيات على اليمنيين والمتواصلة منذ ثمان سنوات.

دائرة الحرب الطائفية
وفي ظل التوقع بأن تنفرد الجماعة الإرهابية ذات الفكر الإيراني الفارسي المتطرف والطائفي، بحكم مناطق سيطرتها من خلال الإعلان المرتقب، تزداد حدة التحذيرات من نشأة دولة طائفية في شمال اليمن يتسيدها المذهب الشيعي المتطرف بقيادة بيت الحوثي ذات الطابع الإيراني المتفرد.
ورغم ان العديد من المراقبين يرون بأن المجتمع اليمني محمي بإطار الوطنية المنبثقة عن الثورة اليمنية 26 سبتمبر الخالدة، وثورة 14 اكتوبر المباركة، حيث تتحصن الجبهة الوطنية الداخلية بهما، وتمنع الانزلاق نحو دائرة الحروب الطائفية التي تسعى المليشيات الحوثية لتجسيدها من خلال كل ممارساتها الممنهجة ضد اليمنيين منذ 9 سنوات عجاف.
وتماشيًا مع البعد الدولي والإقليمي الساعي "لطيفنة" (إثارة البعد الطائفي) الصراع في المنطقة العربية، كآخر مراحل التمهيد للتقسيم المذهبي والطائفي للمنطقة، بعد أن فشل التقسيم على أسس قطرية وجغرافية "لسايكس بيكو" الجديدة، والتي قادتها جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية خلال ما سُمي ب"الربيع العربي".

الحالة اليمنية
أما في الحالة اليمنية اليوم، فتكمن الأسس الحامية من الانزلاق نحو مربعات الاقتتال الطائفي المستثمر فيه إيرانيًا بشكل كبير منذ ثمانينيات القرن الماضي، فإنها أكثر تحصنًا بثوابت الجمهورية الراسخة في عقول الاجيال، ولا يمكن لأي جماعة قمعية وإرهابية الاقتراب منها.
أن صراع الأفكار الخرافية والطائفية قد تم تجاوزه بأسس مرجعية وطنية واضحة منذ العام 1962م، والذي أطرها البعد القومي الوطني المتجسد بمبادئ وأهداف حزب المؤتمر الشعبي العام ذات الطابع والنهج الوسطي في الحكم، جعل من كل الجماعات المؤدلجة بأفكار عفى عليها الزمن، حتى وان كانت ممزوجة بالطابع الديني، إلا أن سهولة الكشف عن زيف إدعاءات تلك الجماعات تحت مُسمى "الدين" لا يحتاج إلى الكثير من التفكير أو الدراسة.
ومع فكر الجماعة الحوثية ذات الطابع الخرافي والعنصري القادم من إيران، يبقى العبد الوطني في اليمن قائمًا وراسخًا، خاصة وأن جميع المتعايشين في اليمن بما في ذلك "الزيدية"، رفضت الطائفية الحوثية واسمتها بـ "فكر الشوارع".
وسهل عملية التخلص من هذا الفكر الطائفي، بقاء البعد الاجتماعي ببعده القبلي والحضري متصالحًا فيما بينهما نتيجة الجهود التي بذلتها قيادة المؤتمر الشعبي العام في عملية ترسيخ مبدأ التعايش السلمي بين جميع المذاهب، حتى ذاب بعضها بالبعض، لتبقى الحوثية ببعدها الطائفي عاجزة عن حصر الصراع في إطاره المذهبي لما بنته وعمقته ثورتا الـ 26 سبتمبر 1962م، وثورة 14 اكتوبر 1963م، واندماج أهدافهما مع تحقيق الوحدة عام 1990م، لتبقى مضامينها راسخة في النظام الجمهوري ذات الطابع الديمقراطي المتعددة، والتي يقاتل من أجلها اليوم كل اليمنيين.

مذهبة الشارع
ولمواجهة تلك القوة المتجسدة في مجتمع النهج الجمهوري، تعمل مليشيات الحوثي اليوم على مذهبة الصراع ليسهل لها التجنيد والتحشيد، وإعادة تجسيد الصراع على أنه صراع مذهبي بين الزيدية والشافعية، وبين اليمن الأسفل، واليمن الأعلى، حسب المسميات التاريخية للإمامة، في اطار مساعيها لإعادة تكوين دولة طائفية على المساحة الجغرافية لحكم الأئمة، وهو ما لم يحث ما دام واليمنيين على قلب رجل واحد للدفاع عن الجمهورية ومبادئ وأهداف الثورة اليمنية.


ونؤكد للمرة الثانية والالف بأن أكبر ضمان عدم انزلاق الصراع بين الاطراف اليمنية نحو الصراع الطائفي، الذي تسعى الحوثية لتجسيده من خلال محاولة تقربها من السعودية برعاية ايرانية كاملة، هو توحد اليمنيين وإيمانهم المُطلق بمبادئ ثورتهم الوحيدة 26 سبتمبر، والتي انبثقت منها ثورة 14 اكتوبر، وجسدوا في مضامينهما مبادئ الجمهورية والوحدة والديمقراطية في 22 مايو عام 1990م.
أخيرا، فإن رفض المجتمع اليمني بمختلف تكويناته الاجتماعية، بات لديه قناة راسخة يراهن عليها الجميع، برفض أي تقسيم للمجتمع وفقًا للنهج الطائفي، والطبقي على اساس "الهاشميين أو السادة"، فيما بقية أبناء المجتمع فليسوا سوى درجة أدني لا حرية لهم.. كُره ومقت هذه النظرة يجعل من الصعب على أي جماعة حتى وان كانت ذات نهج قمعي ودموي كما هو حال الحوثيين، التأثير على النسيج الاجتماعي اليمني المتماسك والصلب على أي اختراق من هذا النوع الخرافي والبعيد عن الواقع المعاش، وعوامل حياة العصر الحديثة التي لا تعترف باي حواجز خاصة في الجانب الثقافي والمعرفي.