أنظمة الحكم الاستبدادية .. وتغييب العقول وتزييف الوعي المجتمعي ..!!

02:03 2023/10/04

منذ قديم الزمن ولم تكَِل ولم تمل الأنظمة الاستبدادية عن ممارسة سياسة تغييب العقول وتزييف وعي شعوبها ، باستخدام كل الطرق والوسائل غير المشروعة ، لما لهذه السياسة من مردودات إيجابية على تلك الأنظمة ، فحكم شعوب مغيبة عقول أفرادها ومعطلة عن التفكير أفضل وأسهل بكثير من شعوب حاضرة عقول أفرادها وفاعلة ومفكرة ، فالشعوب المغيبة عقولها تتعامل معها أنظمة الحكم بكل يسر فالإنسان المغيب عقله والمزيف وعيه يكون سهل الإنقياد ، تابع مطيع ، وعبد ذليل ينفذ كل ما يطلب منه بدون تردد وبدون ممانعة ، كل تفكيره محصور في البقاء على قيد الحياة في الأكل والشرب والتناسل ، لا طموحات سياسية لديه ولا حقوق ولا حريات يطالب بها ، فهو يرى أن بقائه على قيد الحياة فضل كبير من سيده الحاكم عليه ، بينما الشعوب الحاضرة عقولها والمفكرة تتعامل معها أنظمة الحكم بصعوبة بالغة ، فهي شعوب حية لديها مطالبها ، فلا تتوقف عن المطالبة بالمزيد من حقوقها وحرياتها ، والمطالبة بالمزيد من الخدمات والتسهيلات الحكومية في كل مجالات الحياة ، ولا تتوقف عن مراقبة ومحاسبة السلطة في كل سياساتها ، وهي من تختار حكامها عن طريق الانتخابات الحرة والمباشرة ..!! 

وسياسة تغييب العقول وتزييف الوعي المجتمعي من السياسات السلبية والمحرمة في كل الأديان السماوية والقوانين الأرضية ، فهي تحرم الإنسان من أهم حقوقه وحرياته الإنسانية ، وهي حق التفكير وحرية اتخاذ القرار ، وحقه في الحصول على المعلومات الصحيحة دون تشويش لها ودون فبركة وتزييف ، فهذه الأساليب غير المشروعة قد تقوم بتغيير الحقائق وتشويه الواقع ، ونقل صورة كاذبة وخادعة مغايرة تماما لحقيقة المشهد ، وتعبئة الجماهير المغيبة عقولها بمعلومات زائفة وكاذبة ، وهو ما يعرف بالخداع الفكري ، والغش المعلوماتي ، وهو ما يجعل تلك الجماهير تشاهد أمور مشروعة ومباحة على أنها محرمة ومنافية لأخلاق وثقافة المجتمع ، بل قد يصل الحال بالأنظمة الاستبدادية إلى استغفال العقول المغيبة والمعطلة بصورة أكثر سلبية ووحشية وإجرامية ، فقد تجعلها تحارب وتعادي مصالحها وثوابتها الوطنية ومعتقداتها الدينية ، وتقف ضد من يدافع عنها ويرفع لواءها ، بل قد يصل الحال بتلك العقول المغيبة والمعطلة ونتيجة تزييف وعيها ، إلى الإندفاع أكثر نحو السلبية ، وصولا إلى تجريم وتحريم أمور مباحة ومشروعة عقائديا ، ومسموحة ومرغوبة ومشرفة وطنيا ، لكونها فقط تتعارض مع مصالح وسياسات الانظمة الاستبدادية ..!! 

نعم إن ممارسة الأنظمة الاستبدادية لسياسة تغييب العقول وتزييف وعيها والتلاعب بالمعلومات المنقولة إليها قد يجعل أصحاب تلك العقول يقفون ضد مصالحهم ، وضد ثوابتهم الوطنية ، وضد ثوابتهم العقائدية ، وحتى ضد أنفسهم وهم لا يشعرون ، بل قد يصل الحال بأصحاب العقول المغيبة والمعطلة إلى إعلان الحرب والكراهية والعداء ضد من يريدون لهم الخير ويسعون لهم بالمصلحة ، وضد من يدافعون عن ثوابتهم العقائدية والوطنية والقومية ، نعم إن تغييب العقول وتزييف الوعي قد يجعل المنظر الجميل في عيونهم قبيحا ، وفد يجعل التمسك بالثوابت الوطنية خيانة وتآمر وعمالة ، وقد يجعل التمسك بالثوابت العقائدية كفراً ونفاقاً ، وقد يجعل عمالة وتبعية الأنظمة الحاكمة للخارج وطنية ودفاعا عن السيادة ، وقد يجعل العدو والدخيل صديقا وبطلاً ، وقد يجعل الصديق والأخ عدواً ومتآمرا وخائناً ، وقد يجعل صاحب الحق مستعمرا وغازيا ويجعل الغازي والمستعمر صاحب الحق وهكذا ..!! 

من أجل ذلك تعتبر سياسة تغييب العقول وتزييف وعي المجتمع ونقل المعلومات الزائفة جريمة مكتملة الأركان ، لما يترتب عليها من نتائج سلبية وكارثية ، ولما يترتب عليها من إهدار للحقوق والحريات وانتهاكات كبيرة للثوابت العقائدية والوطنية ، ولا تلجأ لهذه السياسة السلبية سوى أنظمة الحكم الاستبدادية حول العالم ، بل إنها لا تتوقف عن تطويرها وتحديثها ، مستغلة التطورات التكنولوجية والتقنية والفنية لتحقيق ذلك ، ولممارسة المزيد من تغييب وتعطيل العقول وتزييف وعيها والتحكم في تفكيرها ، وتسييرها وفق خطط وبرامج مدروسة ومخططة ، تجعل أصحاب العقول المغيبة والمعطلة والمتعصبة والجاهلة كالأنعام بل أضل من الأنعام ، لذلك تظل نعمة تفعيل العقل وممارسته للبحث والتحري للحصول على المعلومات الصحيحة من أكبر النعم التي منحها الله تعالى للإنسان الواعي والمفكر والحر ، ولو أن كل إنسان قام بتفعيل عقله عن طريق البحث والدراسة لكانت مهمة أنظمة الحكم الاستبدادية صعبة ، وهي تسعى إلى تغييب عقول مواطنيها وتزييف وعيهم ، خصوصا في ظل التطورات التكنولوجية التي تسمح للانسان بالحصول على المزيد من المعلومات حول كل المواضيع وفي كل المجالات ..!!