صدى الكلام

02:49 2023/10/17

تتعرض الكلمة المكتوبة لمنافسة قوية و طاحنة و متزايدة من شتى وسائط الإعلام المرئي عموماً، و منصات وسائل التواصل الاجتماعي بكل مسمياته خصوصاً ، و لا يخفى الدور المحوري لتطبيقات التواصل الاجتماعي التي تجعل شتى أصقاع العالم الفسيح في قبضة و رغبة المُتابع، حيث تُبقيه على صلة دائمة بأحدث التطورات و آخر المستجدات السياسية و الاقتصادية و العلمية و الثقافية، و كذلك الاجتماعية و الحياتية. و رغم كل ما سبق ذكره تبقى للكلمة المكتوبة صورتها الرصينة و ألقها المُنير و مزاياها الكثيرة و التي تجعل من المستحيل الاستغناء عنها و من أهم و أبرز تلك المزايا هي تزويد القارىء المُتابع بدراسات منهجية مُعمقة جداً و بحوث أكاديمية دقيقة و هذا ما يُعطيها صفة الدور الثقافي الجدي و الرصين ، في حين أن الإعلام المرئي و مجمل تقنيات وسائل التواصل الاجتماعي تقوم بدور إعلامي آني و تعتمد بالدرجة الأولى على الأخبار السريعة و المناظر المُجسدة و الرسائل الإخبارية الموجزة ، إلا أن كل هذا يجب ألا يُولد شعور الراحة الزائفة و الاسترخاء على حرير الاطمئنان بأن ساحة الكلمة المكتوبة مُحصنة و أنها ستظل محتفظة بمكانتها المرموقة، بل على العكس، فإنه من الواجب إطلاق الإبداع و ابتكار كل ما هو جديد للارتقاء بصحافة الكلمة لتستطيع مواجهة أمواج المنافسة الشديدة من قبل مُؤثرات وسائل التواصل الاجتماعي بأسرع وقت و أقصر الطرق ، و بتعبير آخر فمن الواجب التحرك السريع لتطوير و ترقية أدوات الصحافة المكتوبة لتكون على درجة من الجاذبية و التأثير على ألباب مختلف الشرائح الاجتماعية بدلاً من انصرافهم التام نحو الصورة المرئية و الخبر العابر و الحدث السريع. و بذلك يبقى شأن الكلمة المكتوبة مرفوعاً و تبقى قضية الثقافة مظللة على جوانب الإعلام بكل أشكاله و أدواته .

بادئ ذي بدء، يجدر القول بأنه بينما تستطيع وسائل التواصل تزويد المُتابع بشتى وجهات النظر و مختلف الآراء في جو مرن و مريح من الحرية الإعلامية، فإن الصحافة المكتوبة محكومة إلى حد بعيد بضوابط محسوبة ، و لأن الأمر مرتبط بالديمقراطية التي لا يمكن عزلها عن جوانب الحياة الأخرى، كونها مظهر من مظاهر الحضارة و الرقي و بقدر ما يُعد غيابها أو تغييبها دلالة من دلائل التقهقر و التقوقع، فيجد المرء نفسه واقفاً أمام إشكالية محيرة : هل الديمقراطية هي التي تقود إلى التقدم أم أن التقدم هو الذي يأتي بالديموقراطية ؟ 

و في حقيقة الأمر، فإن معرض الحديث عن حرية و مزايا الصحافة المكتوبة، الديمقراطية المسؤولة و غير السائبة يُبين بما لا شك فيه بأن الكلمة الحرة التي تعرض مختلف النظريات، و تتسم بتعددية الاتجاهات هي الأقدر على شد القراء، و جلب المتابعة، و إثارة اهتمام الناس، و تحريك مشاعرهم، و رسم رغباتهم، و صياغة طلباتهم .

لا يخفى على أحد، بأن تحسين واقع الكلمة و الارتقاء بصداها لجعلها أكثر قدرة على استقطاب شرائح القراء، و حثهم على ارتياد حديقة الصحافة المكتوبة، و القطف من أزهارها الجميلة و الملونة بحاجة فعلية لإجراءات و خطوات عديدة لا يمكن لأحد حصرها، و لكن بإيجاز يتم سرد البعض منها بما يلي :

– التجديد : فالناس تسأم من السير على منوال تحريري ثابت و سُنة إعلامية لا تتغير، و لذلك فإن التغيير بين كل حين و آخر في الشكل و المضمون في آن واحد يساعد على التجديد .

– الجدية و الرصانة : و يتمثل ذلك بالابتعاد عن الإثارات المُفتعلة بعناوين مثيرة و كلمات براقة لا تتناسب مع فحوى المضمون الضحل .

– صحة المعلومة و دقتها : تتخذ هذه المشكلة أبعاداً جديدة عندما يتعلق الأمر بالمجال السياسي أو الاقتصادي أو العلمي أو الطبي أو حتى الاجتماعي و الرياضي .

– الوضوح : حيث يُورد بعض الكتاب مصطلحات و تعابير متخصصة و يفترضون أن عموم القراء يعرفونها مسبقاً ، و من زاوية أخرى فإن بعض الكتاب يكتبون بأسلوب و طرق غير مفهومة إما لأن الأفكار ليست ناضجة في أذهانهم بعد ، أو لأنهم يريدون التباهي بمظهر أعمدة الثقافة الرفيعة المستوى .

– الاعتماد على الأعمال الإبداعية : و هنا يتم تقسيم الكتاب الذين يُمارسون مهنة الكتابة إلى فئتين ، فالفئة الأولى هم الذين يُجاهدون الأفكار و يتصيدون الجمل و يقتلون المواضيع بحثاً و دراسة و استقصاء و يصلون آناء الليل بأطراف النهار حتى يأتوا بأفكار جديدة و تحليلات خلاقة مواكبة للأحداث و مجارية للتطورات الحاصلة ، و أما الفئة الثانية فهم الكتاب الذين ينشرون موضوعات تقليدية دون أن تكون متضمنة لأية جوانب إبداعية أو تحليلية أو منطقية .

– الإكثار من المادة العلمية : فمن الضروري نشر الدراسات العلمية المنقولة عن المصادر الموثوقة نظراً لحاجة و رغبة القراء في متابعة أحدث ما يستجد من التطورات العلمية و الطبية و المهنية المُرتبطة بمناحي حياتهم .

– تحسين الشكل العام و الإكثار من الصور : فمن أهم العوامل التي تدفع إلى الإقبال على المتابعة هي الصور و المناظر المحسوسة التي تقوم بدور التجسيد و التوضيح و التبسيط ، و هذا من شأنه أن يُساعد فعلياً في جذب القارىء و الأخذ بمجامع قلبه .

– مواكبة الأحداث : فعموم القراء يهتمون بمتابعة مُجمل الأحداث و التطورات في محيطهم و خارجه و ينصرفون عن القضايا التقليدية التي تجاوزها الوقت الحاضر ، و هذا كله يُوجب على ممتهن مضمار صحافة الكلمة المكتوبة أن يُعنى بالأمور المستجدة و الأحداث الحاصلة و أن يُسلط الضوء دوماً على المواضيع و القضايا المستقبلية المُسايرة للزمن .