سيطرة النزعة الاستبدادية .. على العقلية السياسية والاجتماعية والفكرية العربية ..!!

10:20 2023/11/12

بدايةً ........ 
الحرية الإنسانية بشكل عام في الشرع الإسلامي هي صفة طبيعية وفطرية في داخل كينونة كل إنسان ، فهو يولد بها والمفترض أن تظل ملازمة له إلى نهاية مشاوره في هذه الحياة ، والحرية في حقيقة الأمر هي المعنى الحقيقي والحرفي للإنسانية ، وبدون الحرية تفقد الإنسانية معناها وقيمتها وكرامتها ، لذلك جاء الإسلام ليطلق للناس حرياتهم ، ويحميها ويحافظ عليها من العبث بها ، والإسلام يعتبر الإنسان حُراً أصلاً ، ولا يجوز بأي حالٍ من الأحوال تقييد حريته أو مصادرتها من قِبل أي جهة كانت ، كون هذه الحرية من مقومات تكريم وتفضيل الله تعالى للإنسان . لذلك يجب أن يظل الإنسان حراً ومتمتعاً بكامل حقوقه وحرياته ، ما دام ملتزماً بحدود حرياته الفردية ، ولم يتجاوزها بالإضرار بحريات وحقوق الآخرين ..!!

وفي ذلك يقول الدكتور أحمد شوقي الفنجري .. 
" الحرية السياسية في الإسلام .... تنفي التمايز الوراثي ، وقد جاء القرآن الكريم بهذا المبدأ ، وقرره حتى في اختيار الرسل والأنبياء .. قال تعالى (( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك في الأرض إماماً قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين )) ( البقرة : ١٢٤ ) .. والحرية السياسية في الإسلام .... ضد التمايز الطبقي ، كالنبلاء ، وأصحاب الدم الأزرق ، وقد نص على ذلك القرآن الكريم ، قال تعالى (( إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) ( الحجرات :١٣ ) .. والحرية السياسية في الإسلام .... تقوم على مبدأ تكافؤ الفرص بين الناس ، أي حق المواطن في الوصول إلى كافة المناصب في الدولة ، حسب المؤهل والكفاءة الشخصية ، وعدم تدخل المحسوبية ، والقرابة ، والشلل ، والسلالية في اختيار الناس ، وقد سبق الٱسلام إلى نص هذا المبدأ ، فرسول الله عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم يقول ( من ولي من أمور الناس شيئاً ، فولى عليهم أحداً محاباة أو لقرابة وهو يعلم أن منهم من هو أصلح منه فليتبوأ مقعده من النار ) .. والحرية السياسية في الاسلام ..... هي تطبيق لسيادة القانون في علاقة السلطة بالشعب " ( أحمد شوقي الفنجري : الحريات السياسية في الٱسلام : الطبعة الثالثة : الكويت : دار الفكر : ١٩٨٣ م ) ..!!

وكم تتناقض هذه المبادئ والأفكار العظيمة ، التي جاء بها الشرع الاسلامي ، مع واقع الشعوب العربية فإذا نظرنا إلى التمايز المناطقي والمذهبي والحزبي والوراثي ، والسلالي ، والطبقي ، فحدث ولا حرج ، فمعظم العلاقات والتفاعلات الإجتماعية تقوم على التمايز الطبقي والعنصري ، وفي الجانب السياسي هناك أفكار ونظريات تقوم على حصر الرئاسة والخلافة في كيانات أسرية وقبلية محددة دون غيرها ، وفي الجانب الإداري معظم التعيينات في المناصب الحكومية الهامة ، عادةً ما تنحصر في منطقة واحدة أو أسرة واحدة ، أو مذهب واحد ، أو حزب واحد وهكذا ، دون أي اعتبار للمؤهل والكفاءة الشخصية ، ودون أي اعتبار لمبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين ، ودون أي اعتبار للمواطنة المتساوية ، ودون أي مراعاة لحقوق المواطنين ، وحرياتهم السياسية ..!!

وإذا نظرنا إلى سيادة النظام والقانون ، فحدث ولا حرج ، حيث أن القائمين على السلطة الحاكمة ، هم القانون ، وهم الدستور ، وهم النظام ، ولا صوت يعلو فوق صوتهم ، ولا كلمة تعلو فوق كلمتهم ، هم على صواب ، والآخرين على خطأ . وللأسف الشديد هذا هو الحال ، في عالمنا العربي منذ القِدم وحتى اليوم فالعقلية السياسية والإجتماعية والفكرية العربية لم تؤمن يوماً بالديمقراطية ' ولم تعترف يوماً بالحريات السياسية والفكرية والاجتماعية ' فهي تقوم على ثقافة الغلبة والقوة والثروة والعنصرية ، فمن يمتلك تلك العناصر ينظر إلى بقية المواطنين بنظرة دونية ، قد يتمادى البعض فيها إلى درجة أن يرى الآخرين مجرد عبيد خلقوا في خدمته ، وليس من حقهم التمتع بأي حقوق أو حريات ، كل ذلك رغم  التشريعات الاسلامية الواضحة والصريحة التي تجعل الشورى والمساواة والعدل والحرية من أهم ركائز نظام الحكم الإسلامي ..!!

ورغم كل ذلك تظل النزعة الاستبدادية والقمعية ، هي المسيطرة على العقلية العربية في مختلف جوانب الحياة ، إبتداءاً من الأسرة ومروراَ بالقبيلة ووصولاً إلى الدولة . ورغم كل الدعوات التحررية للكثير من المفكرين العرب ورغم كل المحاولات الجادة لتحرير العقلية السياسية العربية من السلبية والتبعية والخنوع والخضوع ' إلا أن العقلية السياسية العربية التي تأثرت كثيراً بثقافة العبودية والتبعية والولاء المطلق للحاكم ' ونشأت على السمع والطاعة العمياء دون منحها أي مجال للتفكير أو الاعتراض أو النقد ، كانت وما تزال في حالة من الممانعة ضد كل ما له علاقة بالحريات السياسية وبالحقوق الإنسانية ' وهكذا بيئة سياسية لا مكان فيها للشورى والديمقراطية والمساواة والعدل  ولا تعترف بالحريات السياسية ' وتسود فيها ثقافة الاستبداد والقمع والولاء المطلق للحاكم ' من الطبيعي جداً أن تصادر فيها الحريات السياسية والحقوق الإنسانية ويسود فيها الظلم والطغيان والاستبداد ، ومن الطبيعي أن تظل تعاني من الجهل والتخلف ، وتتجرع كل صنوف الهزائم والخسائر في كل معاركها السياسية والفكرية والعسكرية ، ولا حل لهكذا وضع سلبي إلا بثورة ثقافية وفكرية ومنهجية تهدم هكذا ثقافة سلبية واستبدادية ' ثورة تؤصل للمفاهيم والأفكار التحررية والحقوقية ' وصولاً إلى بناء دولة النظام والقانون والعدل والشورى والمواطنة المتساوية ..!!