الوحدة اليمنية رهان لا يعرف الخسارة

12:34 2024/05/18

مهما بلغت التباينات في وجهات النظر من الحدة، ومهما تعددت أوجه الخلاف، تظل المسألة بالنسبة للكثيرين غير قابلة للتراجع، بعد الصراع  والمخاض الطويل وتضحيات لا يمكن أن تقبل  بالتشطير لمجرد أن هذا الإنجاز تعرض لبعض المشكلات السياسية والأخطاء الواردة في أي عمل نضالي يهدف إلى انتشال أمة من الشتات والانقسام.

إذ من نافلة القول عند الكتابة عن الذكرى الرابعة والثلاثين لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية الخالدة وقيام الجمهورية، تجاوز الأخطاء والقضايا الشخصية، وتحميل الوحدة مسؤولية ما حدث بدلًا من معالجة الأسباب دون المساس بهذه القيمة العظيمة، والتأكيد على أن هناك إجماع وطني على أن إعادة تحقيق الوحدة اليمنية هو من أكبر الانجازات التي تحققت في تاريخ اليمن المعاصر، وأن تحقيقها كان أحد أهداف الحركة الوطنية وترجمة لمبادئ الثورة اليمنية المجيدة (سبتمبر واكتوبر)، وأن حالة التشطير والتشظي كانت الاستثناء، وان التشطير كان من  عوامل الصراع بين الأنظمة الحاكمة في الشطرين، وأن الحروب والصراعات الداخلية لا تقدم نفعًا للناس ولا حلولًا للمشكلات القائمة.

ولهذا اعتبرت الوحدة أكبر تحوّل تاريخي وجيوسياسي في تاريخ اليمن الحديث، ومما زادها ألقًا كتجربة نموذجية أنها جاءت نتيجة الحوار والتوافق السياسي، وثمرة عمل شاق وكبير من النخب السياسية والاقتصادية ساهم فيها جميع أبناء اليمن الاخيار بالإعداد والتحضير لمشروع دستور الدولة والقوانين الأساسية الناظمة لها.

كما أن تحقيقها قد تلازم مع إقرار التعددية السياسية والحزبية وحرية الرأي والتعبير، وتزايد الاهتمام بحقوق الانسان وخاصة الحقوق السياسية للمرأة اليمنية، مما جعلها مشروع إصلاحي وتحول رشيد، ورغم ما يؤشره البعض عن نقائص اعترت بعض بنود اتفاق إعلان الوحدة من تقاسم السلطة والنفوذ حينها، إلا أن  عملية ادماج كيانين ونظامين ودولتين وتراثين سياسيين في كيان قانوني ودولة واحدة ليس أمرًا يسيرًا، مع ادراك كل صعوبات الواقع وخلفية الأحداث، لذا تطلب الأمر بذل المزيد من الجهود والمرونة لأجل تحقيق ذلك واستيعاب الجميع تحت مظلة الدولة الجديدة الوليدة خلال الفترة الانتقالية.

لكن هنا يجب الاعتراف أنه تم التمادي في ذلك الأمر إلى شكل من اشكال تقاسم السلطة والادارة فتسبب في تضخم الجهاز الاداري للدولة، وتصادم البنية الفكرية والاجتماعية التي غذتها سياسة الاستحواذ، مع عدم إستعداد البعض للتخلي عن أي من المكاسب أو المساحه أو المكانه  التي حصل عليها نتيجة قيام الوحده، حتى وإن كان هذا التحول نتاج للعمليه والمسار الديمقراطي الذي تم التوافق عليه، ويجب أن يسود ويتبع، كون الديمقراطيه وإشاعتها أمر إقترن بالوحده،  ما خلق الكثير من المشكلات التي تطلب تصحيحها ودفع اثمان باهظة والدخول في ازمات جديدة للدولة.

اليوم وبعد مرور كل تلك السنوات على قيام الوحدة، وما يمر به الوطن من ازمات وصراعات أستطيع القول أن الوحدة اليمنية تظل سياجاً منيعاً لحماية جغرافية اليمن، وهي صمام أمان لأي تسوية سياسية يتم التوافق عليها وربما تكون رافعة قوية لتجاوز كثير من المطبات عند الشروع في بناء الدولة المدنية الحديثة، من خلال ترسيخ مبدأ المواطنة المتساوية والمساواة، وتطبيق مشروع الاصلاح من أجل خلق التوازن، ومنع ضياع البلاد شمالًا وجنوبًا وتركها لحكم فئات موتورة وجماعات نفعية لا تمتلك رؤية واقعية لمستقبل اليمن.

إن نظرة سريعة على جغرافية العالم تتيح لنا الاقتناع أن الدول القوية هي الموحدة للتعزيز من قوة الدولة وتوزيع الصلاحيات لمختلف المحافظات والوحدات الإدارية بما يضمن تماسك البلاد والحفاظ على وحدتها وكرامتها.
فعلى سبيل المثال الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا المانيا بعد توحد شطريها الشرقي مع الغربي باتت رافعة اقتصادية وسياسية للاتحاد الأوربي.

إننا نعيش في عصر التحالفات أصلًا والعمل الجماعي والمؤسسي، وهو الذي يخلق كيانًا متماسكًا وقوي وبنية متكاملة، حتى أعظم الدول عندما تريد العمل لتحقيق هدف معين تقوم بتشكيل تحالف له، وكما قال  أكاديمي عربي: "قل لي من حلفائك أقول لك من أنت"، وأنا أقول هنا: "قل لي من أنت، وما حجمك الجغرافي والسياسي والثقافي، أقول لك ما ستكون عليه مستقبلًا".

نحن لدينا بلد عظيم تاريخًا وجغرافية، والوحدة أضافت إليه قوة وهيبة، فعلينا عدم التفريط بمنجزه الخالد وسنة الحياة التطور وكل شيء قابل للتعديل والتطوير عبر الحوار الوطني المخلص بين أبنائه ومثقفيه وسياسيه ووجاهاته ومفكريه، وأهل اليمن يعرفون قيمة الوحده ويؤمنون بأنها الضمان للمستقبل.