سوء التقدير في التعاطي مع مواقف الحياة المختلفة .

12:02 2024/05/08

عندما نمر مرور الكرام على المواقف السلبية والعدوانية كالقتل وسفك الدماء وتفجير المنازل والبيوت فوق ساكنيها وقطع الطرقات ومصادرة الحقوق والحريات ، وتقوم قيامتنا وتتحرك غيرتنا لمشاهدتنا بعض المواقف الهامشية والثانوية في الحياة التي لا تلحق الضرر بأحد كالعزف والغناء في الأعراس والحفلات والمناسبات ، وكالمبالغة في تضخيم وتهويل بعض المواقف العابرة لبعض النساء خلال ظهورهن في بعض المواقف ، فهناك حتماً سوء تقدير في قراراتنا تجاه قضايا ومواقف الحياة التي نعيشها ونعاصرها ، وهناك حتماً خلل كبير في ترتيب أولوياتنا ، وهناك حتماً خلل في معرفتنا بمراتب التحريم في شرعنا الإسلامي..

فليس هناك ما هو أكثر حرمة من حرمة النفس البشرية ، فهدم الكعبة حجراً حجراً أهون على الله من سفك دم إنسان مسلم ، فأين غيرتنا وحماسنا وغضبنا ونحن نشاهد عشرات الألاف من أبناء اليمن وهو يسقطون قتلى وجرحى ومعاقين كل يوم خلال سنوات الحرب الطويلة؟ ، بل إن الكثير من الناس كان ولا يزال يشجع هذا الطرف أو ذاك ، ويدق طبول الحرب هنا وهناك ، دون أي إكتراث بتلك الدماء التي تسفك وبتلك الأنفس التي تزهق كل يوم .. لماذا لم نقف ضد الحرب وضد أطرافها وأمرائها وتجارها بتلك الحماسة التي وقفها البعض تجاه إحياء الفنانين للأفراح والحفلات والمناسبات ، وتلك الحماسة المنقطعة النظير تجاه حضور المرأة ودورها في مواقف الحياة المختلفة ؟

حتماً هكذا تناقض في القرارات تجاه مواقف الحياة ، هو نتاج تعبئة فكرية ودينية ومذهبية خاطئة ، فهل هناك ما هو أفدح من الاستهانة بحرمة النفس والتشجيع على قتلها وتشريدها وانتهاك حقوقها ومصادرة حرياتها لمجرد الخلاف السياسي أو المذهبي أو الطائفي أو المناطقي. وهل إحياء مراسيم الأعراس بالطريقة اليمنية التراثية والتقليدية من رقص وغناء وفلكور شعبي وعادات وتقاليد وطقوس فرائحية ، جريمة أكثر بشاعة من مشاهدة أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ الآمنين الذين سقطوا خلال سنوات الحرب بسبب الانتهاكات المستمرة للأطراف المتصارعة ، حتى تثور ثورة وتقوم قيامة البعض بذلك الشكل الغير مبرر تجاه مواقف ثانوية وعابرة؟

لماذا لم نشاهد حماستكم وأنتم تُشكِّلون رأيًا عامًا ضاغطًا على جميع الأطراف لإجبارهم على وقف الحرب ووقف سفك الدماء وإرساء دعائم السلام والتعايش السلمي بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد؟

إن سوء التقدير في قراراتنا وتصرفاتنا تجاه المواقف والأحداث على الساحة اليمنية ، هو السبب الأساسي في كل ما نعيشه من حروب وصراعات وفتن وخلافات تخلف وتراجع قيمي وحضاري ، فلو كنا نمتلك حسن التقدير في قراراتنا وتصرفاتنا لما تمكن أمراء وتجار الحروب من تمرير مخططاتهم السلبية ، ولما تمكنت القوى الخارجية التوسعية والاستعمارية من تمرير مشاريعها التدميرية وتحويل الأرض اليمنية لساحة حرب لتصفية حساباتها وتحقيق أهدافها وأطماعها في بلادنا ، فمنح الأولوية لتعصباتنا المذهبية والحزبية والمناطقية والطائفية على حساب مصالح الوطن العليا ، فيه من سوء التقدير ما فيه فمصالح الوطن العليا لها الألوية والأقدمية على ما دونها من المصالح والتعصبات ، والتفريط في مصالح الوطن نتائجه كارثية ومأساوية وهو ما نعيشه اليوم للأسف الشديد ، وعلينا ان نلوم أنفسنا أولاً فكل ما حدث ويحدث هو نتاج سوء تقديرنا للمواقف وسوء تقديرنا في إتخاذ القرارات المناسبة ، وانسياقنا خلف مصالحنا وتعصباتنا المختلفة..

واستمرار الحرب والمعاناة لهذه الفترة الطويلة هو ليس أكثر من إستمرارنا في سوء التقدير لما يجري ويحصل من حولنا ، وهو نتاج الخلل في ترتيب أولوياتنا الدينية والوطنية والقومية والاجتماعية ، فعدم إحاطتنا بفقه الألويات في شرعنا الإسلامي ، وعدم معرفتنا بمصالح الوطن العليا ، هو ما يجعل البعض منا تثور ثورته وتقوم قيامته ضد بعض المواقف الثانوية ، وفي نفس الوقت لا يحرك ساكناً وهو يشاهد الألاف من الأنفس البشرية وهي تزهق كل يوم بسبب الحروب والصراعات على كرسي السلطة ، وليس هناك من حل للخروج مما نحن فيه إلا بإعادة ترتيب أولوياتنا على كل المستويات ، حتى لا نقع ضحايا سوء التقدير في قراراتنا ومواقفنا تجاه مشاكل وقضايا الحياة المختلفة ، فعندما يصبح للنفس البشرية حرمتها الكبيرة في حياتنا وتعاملاتنا ومواقفنا ، لا مانع أن ننتقل إلى الاهتمام ومتابعة المواقف الثانوية ، إذا كان من الممكن أن تترتب عليها أضرار عامة على أفراد المجتمع ، وعندما يصبح لمصالح الوطن العليا الأولوية في حياتنا ، والوطن ينعم بالأمن والاستقرار والاستقلال لا مانع أن نهتم عندها بالمصالح الحزبية والشخصية التي لا تتعارض مع الثوابت الوطنية والمصالح العليا للوطن.