تنوع مصادر السلاح المصري .. درس من الماضي واستراتيجية للمستقبل

قبل 7 ساعة و 44 دقيقة

من يتأمل في مسار تطور الجيش المصري وتسليحه، سيدرك أن تنوع مصادر السلاح لم يكن مجرد خيار عابر، بل هو ضرورة استراتيجية فرضتها التجارب التاريخية والواقع الجيوسياسي.

فمصر، التي عانت من الاعتماد الكامل على مصدر واحد للسلاح في الماضي، تعلمت أن الاستقلال في القرار العسكري لا يتحقق إلا بالاستقلال في التسليح.

درس من التاريخ: السادات والاتحاد السوفيتي
في بداية السبعينيات، كانت مصر تعتمد بشكل شبه كامل على السلاح السوفيتي، وهو ما تسبب في أزمة حقيقية خلال الاستعدادات لحرب أكتوبر 1973، أبرزها أزمة وقود الطائرات والصواريخ. الاتحاد السوفيتي، بسبب تحفظاته السياسية، رفض تزويد مصر بالوقود اللازم لبعض منظومات الدفاع الجوي، ما كاد يعصف بالقدرة الدفاعية المصرية في الحرب.

لكن هنا برز دور العلم الوطني، فقد تمكن العالم المصري الدكتور محمود يوسف سعادة، أستاذ الكيمياء الصناعية بالمركز القومي للبحوث، من فك شفرة مكونات الوقود الروسي وإنتاج بديل محلي مطابق.
هذا الإنجاز أنقذ خطة الدفاع الجوي، وساهم في إسقاط مئات الطائرات المعادية، وكان أحد العوامل الحاسمة في نجاح حرب أكتوبر.

هل استفاد السيسي من هذا الدرس؟
بلا شك. الرئيس عبد الفتاح السيسي أدرك مبكرًا خطورة الاعتماد على مصدر واحد للسلاح، خاصة في ظل تغير التحالفات الدولية وتزايد الضغوط السياسية. ومن هنا، سعت القيادة المصرية إلى تنويع مصادر السلاح بشكل غير مسبوق، فاستوردت مصر أسلحة من:

الولايات المتحدة: مقاتلات F-16، مروحيات أباتشي.
روسيا: مقاتلات SU-35، منظومات دفاع جوي S-300.
فرنسا: مقاتلات رافال، حاملات المروحيات ميسترال.
ألمانيا: غواصات من طراز 209.
الصين: طائرات بدون طيار وتقنيات متقدمة.

هذا التنوع لا يعكس فقط رغبة في التحديث، بل أيضًا حماية للقرار السيادي المصري، فالدولة التي تعتمد على مصدر واحد يمكن ابتزازها في لحظة حرجة.

لماذا من المهم تسليح الجيش المصري وتنوع أسلحته؟
الحفاظ على الأمن القومي: مصر محاطة بتحديات إقليمية وأطماع دولية.
حماية المصالح الاقتصادية: مثل الثروات البحرية وقناة السويس.
الردع العسكري: الجيوش القوية تفرض السلام بالقوة.
الاستقلال في القرار: لا يمكن فرض إرادة سياسية على دولة تملك قوة ردع حقيقية.

مصر تسعى لصناعة سلاحها بنفسها
ولأن الاكتفاء الذاتي في التسليح هو قمة السيادة، تسعى مصر بجهد واضح إلى توطين الصناعات العسكرية، ومن أبرز الأمثلة:

إنتاج المدرعات "تمساح" و"فهد".
تطوير طائرات بدون طيار.
إنشاء مصانع ذخيرة وتعاونات مع دول كبرى.
تنظيم معرض EDEX لعرض أحدث التقنيات العسكرية.

التدريبات العسكرية المشتركة بين مصر والدول الأخرى 
تُعد التدريبات العسكرية المشتركة بين مصر والدول الشقيقة والصديقة مثل الصين وغيرها عنصرًا أساسيًا في رفع كفاءة القوات المسلحة وتعزيز قدرتها على التنسيق والعمل المشترك في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، كما تُسهم في تبادل الخبرات والتكتيكات الحديثة بين الجيوش المختلفة. وعلى الصعيد الدولي، تبرز مشاركة مصر في بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام في إفريقيا كدليل على التزامها بدورها الريادي في دعم الاستقرار بالقارة، حيث تشارك القوات المصرية في العديد من المهام لحماية المدنيين، والمساعدة في إعادة بناء المجتمعات الخارجة من النزاعات، مما يعكس صورة مصر كدولة مسؤولة وفاعلة في النظام العالمي.

تعاون عسكري بين مصر والسودان 
في 2 مارس 2021، وقّعت مصر والسودان اتفاقية للتعاون العسكري في العاصمة الخرطوم، بحضور رئيسي أركان الجيشين، الفريق محمد فريد عن الجانب المصري، والفريق أول ركن محمد عثمان الحسين عن الجانب السوداني.  تهدف هذه الاتفاقية إلى تعزيز التعاون في مجالات التدريب العسكري، تأمين الحدود، وتبادل الخبرات، وذلك في ظل التحديات الأمنية المشتركة التي تواجه البلدين، بما في ذلك النزاعات الإقليمية وأزمة سد النهضة.  

تُعد هذه الاتفاقية خطوة استراتيجية لتعزيز الأمن القومي لكلا البلدين، وتأكيدًا على الروابط التاريخية والجغرافية بين مصر والسودان.  كما تعكس التزام البلدين بالتعاون المشترك لمواجهة التحديات الإقليمية وتعزيز الاستقرار في المنطقة.

دروس الماضي تصنع مستقبلًا أقوى
كما يُقال: "من لا يتعلم من التاريخ، يكرره.".وقد تعلمت مصر درسها جيدًا، وها هي تبني جيشًا عصريًا متنوع السلاح، قويًا في مواجهة التحديات، مستقلًا في قراره.
فليعلم كل مصري أن قوة الجيش هي درع الوطن، وأن تنوع سلاحه هو مفتاح أمانه، وأن صناعة السلاح بأيدينا هي طريقنا نحو الحرية الحقيقية.