الهدنة الهشة وضرورة إعلان ساعة التحرير في اليمن
بعد أن تسببت مليشيا الحوثي الإيرانية من دمار شامل لليمن وانهيار تام لمقدرات الشعب اليمني، خرجت بهدنة ستكشف لنا الأيام القادمة خباياها وأسرارها.
و رغم هذه الهدنة التي تم التوصل إليها بوساطة سلطنة عُمان بين إيران من جهة، والقوات الأمريكية من جهة أخرى، إلا أن مليشيا الحوثي لا تزال تُشكّل تهديدًا حقيقيًا لحركة الملاحة البحرية في البحر الأحمر وباب المندب، وخطرًا محدقًا لليمن والمنطقة بشكل كامل.
فالمليشيا التي عرفها اليمنيون خلال الحروب الست، لها صولات وجولات بنقض عشرات الاتفاقات السياسية والميدانية، و لا يُنتظر منها الالتزام بوعودها، خصوصًا عندما تكون هذه الوعود مرتبطة بتهدئة مؤقتة جاءت بعد ضغوط عسكرية شديدة.
نعرف الحوثي جيدًا، لا يلين إلا حين ينكسر، ولا يوقع اتفاقًا إلا ليكسب وقتًا، ولا يفي بوعوده إلا مضطرًا، وسرعان ما ينقضها عند أول فرصة سانحة. ففي كل مرحلة من مراحل الصراع، نقضت مليشيا الحوثي العديد من العهود والاتفاقيات التي تم التوصل إليها سواء في الداخل أو في الخارج.
منذ انقلابها على الدولة في اليمن في 2014، عقدت مليشيا الحوثي عدة جولات من المحادثات بين الحكومة اليمنية ، تحت رعاية الأمم المتحدة ومشاركة أطراف إقليمية ودولية، لكنها نقضت كافة تعهداتها، سواء في الاتفاقات العسكرية أو السياسية.
على سبيل المثال، عقب توقيع اتفاقية "السلم والشراكة" في 2014، التي تم التوصل إليها بمشاركة كافة الأطراف اليمنية، سرعان ما عمد الحوثيون إلى استغلال الفراغ السياسي لاستكمال انقلابهم على السلطة ، وسيطرتهم على ما تبقى من المحافظات اليمنية.
ثم تلت تلك الأحداث جولات متعددة من المحادثات، مثل محادثات جنيف والكويت، كما تم التوصل إلى اتفاقات مثل "اتفاق ستوكهولم" في 2018، التي كانت تهدف إلى تهدئة الصراع في الحديدة وفتح ممرات إنسانية.
ورغم التوقيع على هذه الاتفاقات، استمرت مليشيا الحوثي في خرقها، حيث لم تلتزم بتنفيذ بنود الاتفاق، لا سيما فيما يتعلق بالانسحاب من المدن وفتح الطرقات، مما أثار غضبًا دوليًا وأدى إلى تجدد القتال في مناطق عدة.
الخطير في هذا السياق هو أن نقض الحوثيين للعهود لا يقتصر فقط على الاتفاقات مع الحكومة اليمنية، بل يمتد أيضًا إلى التفاهمات مع الأطراف الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والدول الكبرى التي رعت مفاوضات السلام.
وفي كل مرة يتم فيها توقيع اتفاق مع مليشيا الحوثي، تظهر انتهاكاتها سريعًا، سواء عبر التصعيد العسكري أو عدم الالتزام بمواعيد الانسحاب أو تسليم الأسرى.
هذا السلوك يعكس بوضوح أن مليشيا الحوثي لا ترى في الاتفاقات والعهود إلا وسيلة لتحقيق مكاسب وقتية، وهي غير معنية بتسوية سلمية أو بمستقبل مستقر لليمن. إن نقض الحوثي للاتفاقات يعكس طبيعته التوسعية، وعدم انصياعه للمجتمع الدولي أو الالتزام بالقوانين الإنسانية والدولية، ما يجعل أي حديث عن استئناف المفاوضات أو التوصل إلى اتفاق دائم أمرًا بعيد المنال.
الحوثي، كذراع محلية للمشروع الإيراني، لا يتردد في التنازل عن أي اتفاق إذا شعر بأن الظروف الدولية والإقليمية قد تغيرت لصالحه. لذلك، فإن التعويل على صمود اتفاق وقف القرصنة الحوثية في البحر الأحمر، فقط بسبب تفاهمات إيرانية – أمريكية، هو ضرب من السذاجة السياسية.
ورغم أن هناك تحركات إقليمية من دول شقيقة. ودولية إلى عمان من أجل عملية السلام، إلا أن تجربتنا مع ايران وذرعاها اثبتت أنها لا يمكن ان تلتزم بالعهود والاتفاقيات على الاطلاق، لكنها تحاول قدر الامكان أن تحمي ذراعها المنكسر من أمريكا، ومن حالة الاحتقان الشعبي والجماهيري في اليمن، والخوف من أن تُقام ثورة شعبية عارمة لاقتلاعها من جذورها، ولذلك تقوم بعملية تهدئة بما يسمى عملية "السلام"، وتعطي آمالًا كاذبة لدول المنطقة بأنها جادة بعملية السلام، إلا أننا كيمنيين لم نعد نصدقها لأن تجاربنا معها مريرة.
الضربات الأمريكية الأخيرة التي استهدفت مواقع قيادة، ومراكز سيطرة، ومرافق تخزين وإطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة تابعة للحوثي، كان لها تأثير كبير على المشهد العسكري للمليشيا.
تشير التقديرات إلى تدمير أكثر من 80% من قدرات المليشيا الهجومية، بما في ذلك وحدات التصنيع الهندسي المدعومة مباشرة من إيران وحزب الله. كما فقدت المليشيا مراكز القيادة النوعية، وانكمشت قدرات الردع لديها، وتراجع الغطاء السياسي والدبلوماسي الذي كان يعتمد على تسويات متواصلة.
اليوم، الحوثي في أضعف حالاته. هذه ليست مجرد توصيفات عابرة، بل قراءة واقعية لمجريات الأحداث. ما لم تتمكن القوى الجمهورية من تحقيقه خلال السنوات الماضية من استنزاف وتفكيك للمليشيا، تحقق خلال شهور من الضغط العسكري الخارجي. وما كان يُنظر إليه كمشروع ميليشاوي قوي، أصبح الآن مجرد أشلاء منظومة تبحث عن ترميم ذاتها.
الفرصة الآن أمام القوى الوطنية لخوض معركة الخلاص ضد مليشيا الحوثي، بعد أن تآكلت المليشيا عسكريًا، واهتزت قاعدتها الشعبية، وتعرّت تبعيتها لطهران بشكل واضح.
هذا يضع الجمهورية على مفترق طرق تاريخي: إما إعلان ساعة التحرير، أو تكرار أخطاء الانتظار القاتل الذي سمح للحوثيين في مرات سابقة بإعادة ترتيب صفوفهم.
أي تأخير في اتخاذ القرار الآن، هو هدية مجانية للحوثي، يلتقطها ليعود إلى المعركة بثوب جديد، وبمشروع انتقامي مضاعف.
إن الوقت لم يعد يحتمل حسابات التأخير أو التردد في استكمال معركة الوطن.
القرار الآن في يد القوى الوطنية، أعلنوا ساعة التحرير، وأعيدوا اليمن إلى حضن الجمهورية.