ثورة 26 سبتمبر.. الحكام أبناء للشعب لا أبناء السماء

07:11 2020/10/01

ثورة 26 سبتمبر 1962 أسقطت سلطة الحق الإلهي في الحكم وجعلته حقا لليمنيين كل اليمنيين...
 
وهنا أعادت الثورة هرم السياسة المقلوب ليقف على شرعية شعبية لا على أوهام أبناء الاصطفاء...
 
وعت أن الفوارق الطبقية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية استلاب لليمنيين فقالت بإزالة الفوارق الطبقية...
 
في مواجهة النزعات المناطقية وكل أشكال الطائفية هدفت إلى الوحدة الوطنية وبناء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل...
 
ثورة 26 سبتمبر أحدثت قطيعة مع تاريخ الجهل لتعلن مجانية التعليم في كل ربوع اليمن مدناً وقرى، وأحدثت قطيعة مع المرض فكان التطبيب حقاً للجميع، وقطيعة مع الاستئثار بالأمر والمال، فأصبح الحاكم دستوريا خادما للشعب ومن الشعب لا اصطفاء إلهيا ولا احتكارَ لشئون السياسة والحياة...
 
حين قال الحاكم بأمر البطنين:
 
"ماذا تريدونها لا درّ دركم
 
إن الخلافة لا يطوى لها علم"
 
كان علم الجمهورية يرفرف بعد ثلاث سنين من الوعيد ليكون الوعد السبتمري وجوابه الحكم للشعب وباسم الشعب:
 
"جمهورية ومن قرح يقرح"
 
"أنا الشعب زلزلة عاتية"
 
في كل المؤامرات التي استهدفت محو ثورة 26 سبتمبر كانت الكوابيس كوميديا سوداء وغباراً يتلاشى ليبقى الجوهر السبتمبري بأهدافه وغاياته...
 
ومن معطف ثورة 26 سبتمبر كانت ثورة 14 أكتوبر ووحدة 22 مايو...
 
من ثورة 26 سبتمبر تخلق الحكام أبناء للشعب لا أبناء السماء...
 
أتحدث عن ثقافة جمهورية هي الأصل وما شذ عنها من ارتدادات لا يلغي الجوهر بل يؤكده...
 
لم يجرؤ التحالف العسكري القبلي الديني التجاري طيلة 33 سنة على أن يسخر من الثقافة الجمهورية وثورة 26 سبتمبر، بل زعموا أن شرعيتهم مستمدة منها، وحين استأثروا بالحكم وصفوا انقلابهم في 5 نوفمبر 1967 بأنه حركة تصحيحية وعودة للثورة، فيما البعض زعم بأنه الثورة وأنه اصطفاء الله وأنه الوطن والهوية!
 
***
 
ثورة 26 سبتمبر.. من ثقافة "مملوكك الحقير" إلى ثقافة: الأخ الرئيس..
 
لو لم يكن لثورة 26 سبتمبر من منجز سوى أنها وضعت أسس (الثقافة الجمهورية) في السياسة والاجتماع والاقتصاد والأدب والعمل النقابي والحزبي -لكفى.
 
لو لم يكن لثورة 26 سبتمبر من منجز سوى أنها جعلت الفلاح والعامل والمهني يتبوأ أعلى المناصب السياسية لكفى.
 
ولو لم يكن لها من منجز سوى أنها جعلت من المرأة اليمنية كيانا وجوديا ورقما في الحياة، بعد أن كانت مغيبة خلف حجب جدران البيوت وحجب الجهل وحجب الملابس التي تغطيها من رأسها إلى ساسها، إذا نوديت أطلقوا عليها اسما مذكرا مع تغييب اسمها وتحجيب أنوثتها ووجودها، وإذا نادت أطفالها استخدمت التصفيق لأن صوتها ووجهها وجسدها وظلها عورة، نساء اليمن اللواتي وصفت حالهن كلودي فايان في كتابها (كنت طبيبة في اليمن)...
 
ولو لم يكن لها من منجز سوى أنها حررتنا من تقبيل أكف الحكام وأقدامهم لكفى.
 
جاء في رسالة توصية أوردها أمين الريحاني في كتابه (ملوك العرب) أن ممثل الإمام يحيى حميد الدين- في عدن القاضي عبد الله العرشي أعطاهم رسالة تعينهم وتسهل له وصاحبه طريق الوصول إلى الإمام يحيى، وذلك عند زيارته لليمن عام 1922م، ومما جاء فيها:
 
"...أمد الله مولانا أمير المؤمنين والحجة على الخلق أجمعين، المتوكل على الله رب العالمين والسلام عليه ورحمة الله وبركاته يردد في كل وقت وحين.. وبعد فصدورها للسلام مقبِّلة بواطن الأكف والأقدام..."
 
ويختتم القاضي عبد الله العرشي بتوقيع رسالته بصيغة متداولة وقتها وهي "من المملوك عبد الله العرشي"ص89-ملولك العرب- الجزء الأول- أمين الريحاني- دار الجيل-بيروت.
 
هذا حال كبار رجالات الإمام يحيى فكيف بحال غالبية الشعب اليمني من فلاحين وعمال وحرفيين... الخ، فقد كانت العبودية التي تثقل كاهلهم أكثر تركيبا وقهرا بما لا يقاس، فكل هذه الدونية التي كان يعبر عنها موظفو الإمام من حكام وقضاة وعمال وكتبة كانوا يعكسونها في تعاملهم مع غالبية اليمنيين!
 
ليس عجيباً أن هذه الثقافة الإمامية التي كانت تتجسد في الممارسات والخطاب استمرت مع البعض في ستينيات وحتى منتصف سبعينيات القرن العشرين، فهذا الشيخ يحيى منصور بن نصر من مشايخ قوى خمر ومؤتمراته يختم رسالة له موجهة للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر بقوله: "مملوكك الحقير...".
 
*  من منشورات للكاتب على صفحته في الفيس بوك