Image

"قيامة الحشاشين" للهادي التيمومي.. استقصاء روائي لجذور التطرف

”قيامة الحشاشين“ رواية للكاتب والمفكر التونسي الهادي التيمومي، تأخذ من التاريخ ومن الخيال ومن علم الاجتماع ومن السياسة ومن علم الكلام، تأخذ من كلّ شيء من هذه المكونات بطرف، أحكم التيمومي الجمع بينها وإخراجها في قالب سردي طريف ومشوّق.

الرواية فازت بجائزة ”الكومار الذهبي للرواية العربية“ في الدورة 25 لجوائز هذه المسابقة التي تعنى بالأدب التونسي، في دورة عرفت مشاركات قياسية إذ ترشحت للجائزة 62 رواية منها 44 باللغة العربية، كما نالت أيضا جائزة أفضل عمل روائي عربي بمعرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الأربعين التي نظمت في أواخر 2021.

وتعود الرواية إلى النبش في فترة تاريخية بتقلباتها السياسية والاجتماعية، وتتمحور حول ”الحشاشين“ وهم يمثلون الفرقة الباطنية التي كانت أحد أوجه التطرف الفكري والمذهبي في التاريخ العربي الإسلامي، وكانت نهايتها على يد هولاكو سنة 1250 م.

وفي هذه الرواية يخيّل للقارئ وكأنّ ”الحشاشين“ نهضوا من قبورهم ومعاقلهم وجاؤوا من الشرق ليحجوا إلى إفريقيا لاسترداد أرض أجدادهم، في إحالة ضمنية إلى عودة التطرّف الفكري ولكن بثوب جديد.

وعلى امتداد أكثر من 400 صفحة يحاول التيمومي، وهو متخصص في التاريخ، تسليط الضوء على هذه الفئة وسياق نشأتها وفكرها وطريقتها في التعبير عن هذا الفكر، ويحدث نوعا من المقارنة بين الماضي والحاضر من خلال تطويع شخصيات الرواية التي بدت في ظاهرها خيالية تستلهم من تاريخ الحشاشين، لكنها إذا ما شاهدها القارئ من زاوية معاكسة تبدو له حقيقية تحيا بيننا اليوم.

الناقدة والإعلامية التونسية مفيدة خليل تقول عنها: ”هي رواية مرعبة ومربكة، شخصياتها أتقن كاتبها جيدا النفخ في روحها وتوصيفها لتبدو وكأنها حقيقية تتلبّس القارئ وتفزعه، هي رواية رحلة، رحلة في الزمان والمكان والأحداث والشخصيات أيضا وطريقة السرد وأسلوب الحكي، هي رواية تكتب بأكثر من لسان وبأسلوب فانتازي واحد يسكن قارئها بالخوف ومزيد الاطلاع والرغبة في اتباع طريق السرد ليعرف النهاية“.

وفي هذه الرواية تتراكم المشاهد من التقتيل والتذبيح وانتهاك الحرمة الجسدية باسم ”الإمام والرب“، وهي الفكرة التي قامت عليها الطائفة الباطنية، وزعيمها حسن الصّباح الذي يوصي بإحياء عقيدته ونشرها من خلال ذبح كل المخالفين، ويدعوهم للحج إلى إفريقيا التي يعتبرها أرض الميعاد.

واعتبر الروائي والناقد الدكتور حميد عبايدبة في جلسة لتقديم الرواية أن ”قيامة الحشاشين“ جمعت بين التاريخي والبوليسي والمعرفي في حبكة عجيبة وسرد مدهش“، مشيرا إلى أنّها تمثّل ”صرخة تحذير من باطنية قادمة من الشرق تعتبر أفريقيا وطنا لسلالة حسن الصباح الذي عاث صحبة أتباعه زمنا طويلا.

وفي هذه الرواية يتقن التيمومي الانتقال من زمن إلى آخر، من زمن ”حسن الصّباح“ زعيم الحشاشين إلى الزمن الحاضر و“حشاشي اليوم“ ليغوص في عوالم من الخيال حينا ومن الواقع الذي تعيشه تونس في السنوات الأخيرة، ويقول التيمومي مخاطبا القارئ في الصفحة 403 من الرواية: ”فمنزلك صار فخّا مُهلكا ومَكمَنا لأفراد عصابة انتهزوا حالة الفوضى والانفلات الأمني، فاندسّ بعضهم بين المتظاهرين حتى صاروا قادة مظاهرات، واندسّ بعضهم الآخر في صفوف الشّرطة فصاروا مخبرين يُعتدّ بهم أو قنّاصة من فوق السّطوح، إنّهم يتلوّنون بكل لون ويدفعون إلى الفوضى والاحتراب“.