Image

الشباب اليمنيون.. انكسار الآمال وإخفاقات العبور إلى أوروبا

"لم أكن أفضل العودة إلى اليمن. القيود التي فرضت أمامي وأمام المهاجرين غير الشرعيين، رجعتنا صميل"؛ بهذه الجملة التي تحمل معانيها الكثير من الويل والمأساة التي يواجهها المئات من الشباب اليمنيين في طريق الهجرة إلى أوروبا، بدأ مختار سرد قصة فشله في الوصول إلى غايته "أوروبا"، الحلم الذي بذل في سبيل تحقيقه الغالي والرخيص؛ حيث لم يكن للعودة إلى البلاد أي احتمال في خطط الشاب مختار، غير أن الأحداث التي شهدتها دولة بيلاروسيا، خلال الأشهر القليلة الماضية، نتيجة الإقبال المتزايد من المهاجرين السوريين والعراقيين واليمنيين، حالت دون تحقيق الآمال التي مضى لأجلها شاب يمني في مقتبل العمر. 
 
طريق مسدود
مختار الحقب، شاب عشريني من قرية الحقب بمحافظة الضالع (جنوبي اليمن)، اعتزم توفير مبلغ يقدر بنحو 14 ألف دولار أمريكي من أجل السفر إلى ألمانيا، الدولة الأوروبية التي تشهد إقبالا كبيرا من عدد من البلدان التي تشهد نزاعات مسلحة منذ أعوام طوال أو فوضى أمنية، معتقدا أنه سيستطيع خلق بيئة تناسب اهتماماته وتطلعاته المستقبلية. لكن شيئا لم يكن في الحسبان أجبره وعشرات اليمنيين على حمل أمتعتهم والعودة إلى قراهم ومدنهم في بلد مازال يعيش أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفق تقارير سابقة للأمم المتحدة. 
يسرد مختار لـ"المنتصف"، بخيبة أمل لا متناهية، تفاصيل رحلته التي استغرقت حوالي شهرين، انتهت بعودته من حيث تمنى ألا يعود، إلا أن الظروف السياسية التي عانت منها بيلاروسيا، بسبب تسهيل مرور المهاجرين عبرها إلى بولندا ثم ألمانيا في أوروبا، خلال الفترة الماضية، أجبرته ومئات اليمنيين إلى جانبه على الاستسلام للظرف العسر الخارج عن إرادته وغيره من الحالمين بالوصول. 
يقول: "لم يكن حلمي فقط، بل كان الوصول إلى ألمانيا حلم العشرات من أبناء قريتي، وعشان كذا تدبرنا تكاليف الهجرة والتي وصلت 14 ألف دولار كحد أدنى". 
ويواصل: "كل واحد دبر نفسه بطريقة ما، منهم من الأهل، والبعض تسلف المبلغ بشكل مجزأ، وبعدها خرجنا جوازات من عدن وتأشيرة لمصر، وبعد وصولنا مصر بدأت التعقيدات أمامنا (في إشارة منه للأحداث في بيلاروسيا) وبعد انتظار شهرين، قررت أنا والبعض العودة كي نتجنب خسارة الكثير".
 
انكسار وموت
تشكل الهجرة مخاطر كبيرة على حياة الآلاف من اللاجئين، أبرزها الموت والتعرض للاستغلال الذي يمارسه تجار الأعضاء، وغيرها من المخاطر الجمة التي يتعرض لها المهاجرون في البر والبحر؛ حيث ذكرت تقارير في سبتمبر/أيلول من العام المنصرم أن 24 مهاجرا يمنيا أطلقوا نداءات استغاثة لإعادتهم إلى اليمن، بعد أن تقطعت بهم السبل دون غذاء وماء، ناهيك عن حالة الطقس التي توفي على إثرها الثلاثيني مصطفى مرشد الريمي نتيجة الانخفاض الشديد في درجات الحرارة. ولم يكن هذا النوع من المخاطر إلا أدناها، خاصة بعد تصاعد حدة الأزمة بين بيلاروسيا وبولندا، والتي وصلت إلى إطلاق غازات سامة ورصاص حي لعرقلة اللاجئين من اجتياز الحدود.  
ومع تزايد أعداد المهاجرين من بلدان عدة، من بينها اليمن، والتي قدرتها تقارير بالآلاف في الحدود بين بولندا وبيلاروسيا، أقر الاتحاد الأوروبي في تشرين الثاني/نوفمبر إدراج شركات الطيران التي يعتقد أنها تنشط في تهريب المهاجرين ضمن القائمة السوداء. جاء هذا الإجراء كردة فعل لإيقاف تكدس المهاجرين على طول الحدود مع بولندا وليتوانيا. وبالتزامن مع تلك الأحداث المتوترة، صرحت الحكومة اليمنية، المعترف بها دوليا، والممثلة بوزير الداخلية إبراهيم حيدان، أن السلطات اليمنية ليس لديها معلومات رسمية عن وجود مواطنين يمنيين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، واعدة أنها ستتواصل مع القنصلية التابعة لها لوضع الحلول والتي من ضمنها إعادتهم للبلد، مستبعدة حصول اليمنيين على تأشيرات سياحية إلى بيلاروسيا. وفي ذات الوقت، رجحت الحكومة حصول مواطنيها على التأشيرات عبر وكالات السفر في مصر وتركيا والأردن، وغيرها من البلدان التي يذهب إليها اليمنيون إما للدراسة أو العلاج. 
وفي الثلث الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، قررت الخطوط الجوية البيلاروسية منع المسافرين السوريين والعراقيين واليمنيين والأفغان من الصعود على متن رحلاتها القادمة من الإمارات، عقب اتهام مينسك بجلبهم سعيا لإرسالهم إلى أوروبا انتقاما من العقوبات الغربية التي فرضت على النظام البيلاروسي، بعد قمعه حركة معارضة. ويأتي هذا القرار تزامنا مع تصريحات رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشنكو، والتي تفيد بأن سلطاته تعمل على إعادة آلاف المهاجرين العالقين عند الحدود مع بولندا. كما مُنع مواطنو سوريا واليمن والعراق من الرحلات القادمة من تركيا بطلب من أنقرة.   
 
يواصل مختار حديثه لـ"المنتصف" بالقول: "بعدما عرفنا بالقرار الذي اتخذته بيلاروسيا إزاء المهاجرين عبرها إلى بولندا، ما كان لدينا غير قرار العودة إلى اليمن ومعي عشرة من قريتي  خلال أسبوع واحد". ويضيف: "مازال البعض مصرا على المحاولة وانتظار الفرص، لأن العودة مش قرار سهل على شخص خسر الكثير، خاصة لما نفكر بوضع البلاد".
وتدفع تعقيدات الوضع الراهن في اليمن، على الصعيد السياسي والإنساني والعسكري، اليمنيين إلى مزيد من الإصرار للوصول إلى مبتغاهم (ألمانيا)، وخاصة اليمنيين العاطلين في مصر وماليزيا وتركيا وغيرها من البلدان التي لجأ إليها اليمنيون منذ بدء الصراع العسكري في البلاد.       
 
تفاصيل مؤلمة
يقول الناشط الصحفي رائد البعني إنه استقبل، خلال شهري ديسمبر ونوفمبر من العام المنصرم، ما يقارب 30 شخصا عائدا من مصر، كان مقصدهم ألمانيا، جميعهم من عزل مديرية دمت في محافظة الضالع، بعد الإجراءات التي اتخذتها بيلاروسيا لتفادي الأزمة مع بولندا والاتحاد الأوروبي.
 ويضيف لـ"المنتصف": "عاد مختار ورفاقه في رحلات متفرقة عبر مطار عدن، وللأسف عادوا منكسرين وخائيين"، مشيرا إلى أن "الحظ حالف الكثير من أقرانهم من أبناء المديرية في الوصول إلى ألمانيا عبر بيلاروسيا"، الأمر الذي يعتقد البعني أنه السبب الرئيس الذي دفع البقية من شباب المديرية وغيرها من المديريات، بل المدن اليمنية، إلى خوض مغامرة محفوفة بالمخاطر والموت بغية الخروج من البلاد مهما كلف الثمن والبحث عن خلاص ينسيهم مآسيهم التي خلفتها الحرب الدائرة بين مليشيا الحوثيين المسنودة من إيران، والشرعية التي يدعمها التحالف العربي بقيادة السعودية منذ أواخر العام 2014م. 
باسل الحقب (صديق مختار ورائد) حاول جاهدا منع صديقيه من الهجرة، نظرا لإدراكه الطريق المحفوف بالمخاطر، لكنه يقول إنه فشل أمام حلمهما في الخروج من البلاد التي غيبت رغبة استمرار العيش بها.
 
يقول باسل لـ"المنتصف": "إصرارهما تجاوز محاولاتي، رغم إنني استعرضت المخاطر المتوقعة أمامهم كالتجمد في الثلج على الحدود أو التعرض لتجار البشر إلى جانب حر الصحراء لكن هذا لم يجدِ نفعا".
ومع كل محاولة يحكي باسل أنه كان يتلقى الرد ذاته من صديقه مختار "لا أعلم إن كنت سأصل أو العكس، لكني لن أتراجع عن قراري"، ثم يختتم مختار رفضه بهذه الجملة: "لا مستقبل لنا بهذا البلد".
وعن محاولات مختار في مصر، يتحدث لـ"المنتصف": "خسرت 3 آلاف دولار أمريكي كي أحاول مع مسؤولي سفارة  بيلاروسيا، بحجة السفر من أجل العلاج، لكن الأبواب جميعها أغلقت بوجهي". 
لم تكن خيبة مختار ورفيقه رائد، وغيرهم من المهاجرين اليمنيين، محصورة في السفارة البيلاروسية بل في عدد من السفارات. 
وفي أواخر نوفمبر من العام الماضي، كانت قد أعلنت الحكومة عن عودة ثمانية لاجئين كانوا عالقين على الحدود بين بيلاروسيا وبولندا، وبحسب بيانها بينهم امرأتان وطفل.
وفي السياق، تم استخراج نحو مليون جواز سفر، خلال العام الماضي، بمتوسط يومي يترواح بين 700 إلى 1000 جواز، وفقا لتصريحات العميد صالح عاطف الحكمي، النائب الأول لرئيس مصلحة الهجرة والجوازات في عدن.
وقال الحكمي إن العام الماضي شهدت فيه مصلحة الهجرة في عدن إقبالا كبيرا، وذلك لأسباب عدة، مضيفاً: "أكثر الحالات التي استخرجت جوازات سفر أتت بغرض الدراسة أو العلاج أو السياحة".    
وتسببت الأوضاع العسكرية المحتدمة، والتي تدخل عامها الثامن بين الفرقاء اليمنيين وحلفائهم الدوليين في أنحاء متفرقة من البلاد، بتهجير الآلاف من الأسر وخريجي الجامعات والدارسين في مراحل مختلفة -الأغلبية الساحقة من فئة الشباب- نحو السعودية وأوروبا وأمريكا وغيرها من البلدان، فيما اضطر البعض منهم للمشاركة والانخراط في الجبهات وخاصة الجبهات الحدودية مع السعودية.