سلام الوطنيين الشجعان هو المخرج الوحيد

08:38 2022/08/06

السلام هو خيار الناس الأسوياء، المحبين لله ورسوله والبشرية. فالديانات كلها تنادي بذلك وترفض سفك الدماء وإزهاق الأرواح، وكل الساعين إلى الحروب أشخاص غير أسوياء في كل المذاهب والديانات والمجتمعات.
 
 إن الانتهازيين لا يصنعون التغيير إلى الأفضل، بل يبثون الانقسام داخل المجتمع، ويدوسون قيم المواطنة ويخلطون الأوراق السياسية. وللأسف أيضا، يخنقون الأصوات المنادية بوحدة الصف الوطني والسلام وعدم إراقة الدماء الزكية.
 
نحتاج اليوم بكل صدق وأمانة  إلى رشد من يستطيع أن ينجو بالقافلة ويقودها إلى بر الأمان، وإيقاف نزيف الدم اليمني، لا من ينحر الإبل.
 
إن الوضع المتردي يدفع في اليمن الكثير من الناس إلى بيع ممتلكاتهم لتغطية تكاليف حياتهم اليومية أو لتوفير أدنى الاحتياجات اليومية التي تمكنهم من البقاء على قيد الحياة. 
 
ثمان سنوات مضت من الحرب تحوّل اليمنيون إلى مجرد أرقام صماء يجري استثمارها واستغلالها، والتلاعب بها، من قبل الدول الكبرى والصغرى، دون أدنى اكتراث لما يحيق بهذا الشعب من مآس وقصص إنسانية مؤلمة، خلف كل قصة منها تقف أسر كبيرة تعاني شدة الفقر وقسوة الجوع ومرارة النزوح والتشرد.
 
اليمنيون قادرون على حل مشاكلهم، واليمن يمكنها استيعاب كل ألوان الطيف دون إقصاء أو تهميش، إن نحن نشدنا السلام.
 
ثمان سنوات مضت من الحرب، ويعلم الله كم يتبقى منها، وهناك جيل نشأ على رائحة الباروت، اشتم رائحة الدم، تذوق طعم الخوف، قاسى ألوان الألم والأسى. 
 
ويعلم قادة المليشيا أن هناك أماً فقدت فلذة كبدها، وزوجة فقدت بعلها، وابناً فقد أباه، وأخاً فقد أخاه، وبنتاً فقدت سندها وقرة عينها، وأباً فقد ابنه عزوته وسنده، إلى ما هنالك من مآس وأهوال عاشها المواطن اليمني على امتداد أرض الوطن. 
 
ثمان سنوات مضت من الحرب، عدد الأيتام يتزايد يوما بعد آخر، فلا تكاد تمر ساعة إلا ويتيم يبكي وأرملة تئن وثكلى تندب حظها ومسكين فقد قوت يومه وموظف فقد مصدر رزقه، ورب عمل أصبح يعيش الفقر المدقع, وأسماء القتلى والموتى والجرحى والمفقودين والمشردين والنازحين تملأ صفحات المواقع الإخبارية وإحصائيات المنظمات والمراكز الحقوقية. فلم يعد الحديث عنها إلا على كونها مجرد أرقام تضاف كل يوم إلى أرقام أخرى. ولكن أرقام تزيدهم ثراء.
 
ثمان سنوات مضت من الحرب انتشرت العاهات وصار المتسولون أمامك في كل ركن وزقاق وشارع، وانتشر أصحاب السوابق والمسلحون، وذهب الشجعان الأبطال وغادر البلاد العظماء وخيرة كوادرها.
 
ثمان سنوات مضت من الحرب عظم فيها شأن الغاغة وانعدمت القيم والأخلاق وعشعش الطغيان والظلم في كل مكان وعربد الفساد في كل موضع، فوق الشعب الصابر والمكابر والمذبوح من الوريد إلى الوريد. وانتشر القتل العشوائي خارج القانون، واستفحل من ماتت ضمائرهم، فماتت المروءات والقيم وحضرت الفوضى بكل أشكالها وأنواعها وصورها، وكشر كل طامع بأنيابه ضد الضعفاء والمساكين وتفشى الغل والحقد والحسد، وتمدد اليأس وتغلغل وتجذر في النفوس لدرجة أصبح من الصعب اقتلاعه منها.
 
ثمان سنوات مضت من الحرب، مات الأبطال وعاش الأنذال وتوقفت التنمية وتدمرت البنية التحتية, فالشوارع أظلمت والطرقات تكسرت، وحل الجهل بدل العلم والإتاوات بدل التنمية، وأغلقت المستشفيات والمدارس، وتعطلت تماما مصالح الشعب في الداخل والخارج.
 
ثمان سنوات مضت من الحرب مثلت للبعض موسما مربحا لممارسة العربدة والثراء، والتجارة بالدم والأرض والموت، فارتفعت رؤوس أموالهم وزادت أرصدتهم في البنوك، وبسطت السعادة أجنحتها لأولئك المجرمين من أمراء الحرب، طالما القوى الخارجية تضخ وتدفع والكل فشل في تقديم نموذج وطني، وبات الكل يعمل لخدمة الأجندة الأجنبية.
 
ثمان سنوات مضت من الحرب امتلأت السجون العامة والمدارس والفلل والعمارات التي تحولت إلى سجون لليمنيين المعتقلين بالهوية أو المنطقة، وأصبحت جدرانها تئن من المظالم التي يعاني منها الجميع.
 
وهنا يُلزمني العقل والمنطق أن أضع تساؤلات لقادة المليشيات أو تجار الحروب أو أصحاب بنادق الإيجار، وأتمنى أن تكون إجاباتهم دون الاستماع إلى بطانة "أنت عظيم يا فندم" أو "كلامك مرعب يا شيخ". أول تلك التساؤلات لضمائركم إن كانت حية أو إن وجدت:
ثمان سنوات من الحرب ماذا حققت مليشياتكم من إنجاز عسكري في الميدان سوى أن الحوثي زاد تمددا وتوسعا وتحشيدا، فيما مليشياتكم انكمشت في إطارات جغرافية ضيقة؟! وتعلمون أن الاتفاقيات أسقطت مع إزهاق أرواح الأبرياء ومع كل قطرة دم بددت مشاريعكم الخاصة، ولعنة على استثماراتكم التي أتت من متاجرتكم بالدماء اليمنية.
 
ثمان سنوات من الحرب بدأتموها بـ"قادمون يا صنعاء" وانتهت بمناشدة الحوثي واستجداء الهدنة والسلام منه، بما فيكم التحالف، لأنكم فشلتم في إدارة المعارك والحرب.
ثمان سنوات من الكسب الرخيص والتسول على أبواب اللجان الخاصة، وشعبنا يعاني الويلات والعذاب. وبالمقابل تتزايد أرصدتكم في البنوك وتعلو سهوماتكم الربحية.
 
ثمان سنوات من الحرب وأصحاب الكرفتّات وأبطال الديجتال يصنعون الانتصار عبر منصات التواصل الاجتماعي، ليصبح لدينا اليوم مفسبك برتبة لواء وآخر برتبة عميد وآخر برتبة عقيد وإلى ما هنالك من الرتب العسكرية التي تبيع الوهم لليمنيين البسطاء ولم نجدهم في معارك القتال، بل متسكعين في الداخل والخارج.
 
ثمان سنوات لم يقدم أمراء الحرب أو المفسبكون مشروعا وطنيا ينقذون به البلاد مما تعاني، ولكن يجيدون بيع الوهم وصناعة الأكاذيب والتسويف والإساءة للآخرين من أجل استمرار رمي فضلات اللجان الخاصة في السعودية والإمارات.
 
ما يحزن أن نجد من أبناء جلدتنا من يدير المعارك عبر المنصات الإلكترونية ليحصد الإعجابات، بحيث يعتقد المساكين أنه قد حقق انتصارا على أرض الميدان، فيما الانتصار بالنسبة له هو أنه كل يوم يزداد رصيده في البنوك، وأولاده في الخارج ينعمون بالتعليم العالي والأمن والأمان، وهو يحرض على القتل واستمرار الحرب وحريص على ألا يحسم المعركة طرف، ليظل يجني الأموال على حساب اليمنيين. ولهؤلاء أوجّه السؤال: كم كانت ممتلكاتكم العينية والمادية في الخارج قبل الحرب وكم هي الآن؟ سوف نجد أرقاما خيالية وفلكية بكل تأكيد. 
 
ولذا من يحارب بالوهم ويتاجر بالدم اليمني لا يصنع السلام.
وأخيراً أسترشد بمقولة لشاب يمني بسيط يقول فيها إن سلام الشجعان الوطنيين، من أبناء هذا الوطن، هو المخرج الحقيقي للبلد من دوامة الصراع. فحتى لو كان الكل يتمنى السلام لليمن، أشقاء وحلفاء، فلن يصنع السلام سوى أبنائه.