Image

الإخوان... نكبة العالم العربي والإسلامي

في التاريخ الإسلامي كان هناك حركات متطرفة تظهر من فترة لأخرى، كالخوارج والسلفية السلطانية وغيرها، لكنها لا تلبث أن تتحول إلى مذهب فقهي يتم حصره بمنطقة جغرافية معينة، ليخوض جدليات ضمن تلك الجغرافيا وضمن عقليته التكفيرية المنغلقة والمنحصرة في قضايا فقهية.
ظل ذلك هو ديدن حركات التطرف إلى أن ظهرت للوجود جماعة اسمها الإخوان المسلمون، فتغير بذلك مفهوم التطرف ليصبح مذهبا سياسيا.
جاء حسن البنا في عشرينيات القرن الماضي بنفس العقلية المتطرفة والتكفيرية، لكن لا ليصنع حركة أو مذهبا فقهيا، وإنما ليستلهم من تلك الحركات كل إرثها التكفيري التطرفي ويستثمره في مشروعه السياسي الذي يسعى من خلاله للوصول إلى السلطة بكل السبل. فإذا كانت تلك الحركات تعتبر نفسها الممثل الحصري للإسلام وفقا لعقليتها، فإن حسن البنا جعلها خادمة له بأن تلبس لبوس الدين وجعل من الإسلام وسيلة لغايته. فتنظيم الإخوان ميكيافيللي بامتياز، حيث الغاية عنده، وهي السلطة، تبرر الوسيلة حتى لو كانت الدين نفسه.
عندما يأتيه اتصال استشاري من القصر الملكي في القاهرة يستفسر عن العمل الذي يمكن من خلاله كسب ثقة الناس، يجيب البنا فورا: صورة للملك وهو ساجد في أحد الجوامع. هذه النصيحة الميكيافيلية التي زود بها البنا قصر عابدين بمصر توضح مدى خطورة العقلية التي تحكم هذا التنظيم.
التقارب الفكري بين تنظيم الإخوان والقاعدة ومن قبلهم الخوارج في تكفير الناس، لا يجعل من الإخوان في نفس المعسكر مع أولئك الذين كما قلنا على الرغم من كل قبحهم ومساوئهم وفظاعاتهم لا يرقون إلى مستوى العقلية الإرهابية والتدميرية التي وصل إليها حسن البنا وجماعته. فهم على استعداد أن يستعينوا حتى بالشيطان نفسه إن كان ذلك في خدمتهم. وأوضح مثالا على ذلك توسط حسن البنا لدى قَوّاد الملك فاروق الذي كان مسؤولا عن "تهيئة الليالي الحمراء" في قصر عابدين، بأن يستسمح "جلالة الملك" بتوجيه رئيس الحكومة النقراشي بعدم تضييق الخناق على جماعته. فعلى الرغم من السمعة السيئة التي يتمتع بها ذلك الشخص والتي يعرفها الجميع، إلا أن ذلك لم يمنع حسن البنا من التوسط به والالتجاء إليه، نطرا لاقتضاء المصلحة. بل لقد توسل إليه بكلمات يستحي المرء أن يقولها حتى أمام زعيم من الزعماء.
ذاك هو حال الإخوان وديدنهم منذ وُجدوا كنبتة شيطانية عاثت في الأرض فسادا. فعلى الرغم من زعمهم بأنهم تيارات سياسي، إلا أن أديباتهم وأنشطتهم السرية تفصح عن إرهاب منقطع النظير تجاه الجميع. فالجميع في نظرهم كفار، ولا يجب التعامل معهم إلا وفق هذه النظرة. وإن اضطروا للمهادنة أو رأيتهم يتشدقون بالقيم الوطنية وبأن الخلاف لا يفسد للود قضية، فما ذاك إلا لأن المصلحة تقتضي ذلك.
القاعدة في النهاية ليس إلا نتاجا إخوانيا، ونظام الملالي في إيران مستنسخ في تسعين في المائة منه من المنهج الإخواني. فالثورة والمرشد وتشخيص النظام وكل تلك المسميات والهيكليات استنسخها الخميني من حسن البنا. فلو نظرنا إلى شعار البنا "إسلام بلا مذاهب" فإن الغرض منه هو تعميم المنهج الإخواني على جميع البلدان والمذاهب الإسلامية سنة وشيعة. ولقد نجح في ذلك إلى حد كبير. ففي إيران مثلا، يعتبر حسن ألنا وسيد قطب من النماذج التي توليها المراجع الملاليئة أهمية كبرى في تدعيم نظام المرشد. فمثلما أن الولاء في تنظيم الإخوان هو أولا وأخيرا للمرشد، فكذلك هو نظام الخميني في إيران.
كذلك الأمر بالنسبة لمليشيا الحوثي التي تجد فكرها وأجندتها مستنسخة من الفكر الإخواني. ولهذا لا نستغرب هذا التقارب الروحي بين الطرفين، ناهيك عن التخادم سرا وعلنا. فالجميع خرجوا من عباءة حسن البناء، والجميع لا يعترفون بوطن ولا بجمهورية ولا بشعب حتى، فهذه كلها مجرد شعارات يرفعونها لحاجة في نفوسهم، وحين يتمكنون يلقونها جانبا ولا يعودون يعترفون إلا بأنفسهم. وسيأتي اليوم الذي نجدهم فيه وقد أصبحوا تنظيما واحدا، لكن ذلك لن يكون إلا إذا اقتضت الضرورة، حيث إن دورهم الآن يقتضي أن يؤدي كل منهم دوره من موقعه الذي يبدو مختلفا عن موقع الآخر.