أهمية الاستغلال الإيجابي للمناسبات الدينية...!!

02:03 2022/10/16

وأنا أتابع حالة التباين الكبير بين المسلمين بخصوص موقفهم من مراسيم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف 'وجدت الكثير منهم منقسمون إلى قسمين' قسم مؤيد حد التطرف وقسم معارض حد التطرف 'وهذه المواقف ليست عفوية، بل هي نتاج التعصب والشحن الطائفي والمذهبي المستمر والمتواصل' الذي يدفع بهم إلى الاختلاف في كل شيء وعلى كل شيء 'والذي يدفع بهم لتبني مواقف متطرفة ومتشددة تجاه الآخر' فحتى المناسبات الدينية لم تسلم من هكذا سلوكيات سلبية 'وبدلاً من أن تكون مناسبة المولد النبوي، فرصة للتفكر والتدبر والاستفادة من السيرة العطرة للرسول عليه الصلاة والسلام، وتجسيدها في حياتنا وفي سلوكياتنا وفي تعاملاتنا، وفرصة لبناء جسور التقارب والتآخي والتوحد بين المسلمين' تتحول إلى فرصة لتكريس الطائفية والمذهبية والفرقة والخلاف والتنافر، وبدلاً من أن تكون هذه المناسبة فرصة لتصفية القلوب من أحقادها ومواقفها السلبية تتحول إلى مناسبة لصناعة المزيد من الأحقاد والاحتقانات والسلبيات...!!
 
والموقف العقلاني والشرعي تجاه هذه المناسبة هو الإباحة 'فالأصل في الأشياء الإباحة في الشرع الإسلامي' ما لم يترتب عليها ارتكاب مفاسد أو إلحاق الضرر بالآخرين 'أو إهدار للمال العام والخاص، وهناك أمور أولى بصرفها فيها، فإشباع البطون الجائعة وقضاء حوائج المسلمين وتخفيف معاناتهم، أولى من صرف الأموال على الاحتفالات حتى وإن كانت احتفالات دينية (فقه الأولويات)، وكل مسلم دون شك يحتفل بمناسبة المولد النبوي الشريف' وإن اختلفت الأساليب وتعددت الوسائل 'فمنهم من يحتفل بها معنوياً وفكرياً وسلوكياً ومنهجياً' ومنهم من يحتفل بها ظاهرياً وشكلياً ومادياً وجماهيرياً 'فجميع المسلمين في نهاية المطاف يحتفلون ويفرحون ويشاركون فيها بصورة أو بأخرى' كونها تحتل حيزا كبيرا في وجدانهم وفكرهم وتفكيرهم، فالإسلام لم يفرض على المسلمين نمطا أو شكلا محددا أو طقوسا معينة للاحتفال بمناسبة المولد النبوي، فهي ليست من الأعياد المقررة شرعاً كعيد الفطر وعيد الأضحى، بل هي عبارة عن اجتهاد بشري، لذلك ليس من حق أحدٍ كان سواء سلطة أو فرد أو حاكم، أن يفرض على أفراد المجتمع نمط محدد أو طقوس معينة للاحتفال بهذه المناسبة، ولكل مسلم الحرية الكاملة في الاحتفال بها بالطريقة التي تناسبه...!!
 
والشاهد من ذلك ليس هناك من داع لإثارة المزيد من الخلافات بين أبناء الدين الواحد والأمة الواحدة 'والمفترض شرعاً وعقلاً أن نستغل هذه المناسبات استغلالاً إيجابياً' ولنجعل منها فرصة للتآلف والمحبة والتقارب فيما بيننا كمسلمين 'كما كان سائداً في العهد النبوي الشريف' حيث كانت المناسبات الدينية تجمع ولا تفرق 'توحد ولا تمزق' تقارب ولا تباعد 'عكس ما هو حاصل اليوم نتيجة التدخلات السياسية والتعصبات المذهبية والطائفية' والتي شوهت كل شيء جميل في حياتنا 'في ديننا' في مناسباتنا 'في علاقاتنا' خدمة لمصالح سياسية وحزبية وطائفية ضيقة ولأطماع سلطانية زائلة...!!
 
ولن نتمكن من استغلال مناسباتنا الدينية استغلالاً إيجابيا 'إلا إذا حررنا عقولنا وأفكارنا من تعصباتنا المذهبية والطائفية' عندها سوف نشاهد سعة الإسلام ورحابة تشريعاته وأحكامه 'عندها سوف ندرك الأهداف والغايات العظيمة والحقيقية للمناسبات الدينية، عندها سوف ندرك بأن الإسلام هو دين الرحمة والتراحم والتآخي' عندها سوف نجعل من مناسباتنا الدينية فرصة للتقارب والتآلف والمحبة 'ولن نسمح بأن تكون مناسبات لتكريس العلاقات المذهبية والطائفية' عندها سوف نستغل هذه المناسبات لتكريس قيم السلام والتسامح وإرساء دعائم العدل والمساواة بين أفراد مجتمعاتنا 'فالتعصب أياً كان شكله يعمي البصر والبصيرة' ويذهب بالإنسان بعيداً في السلبية والعدائية والتشاؤمية...!!