Image

السعودية والتوجه للصين- ماذا ينتظر من القمة العربية الصينية؟

في وقت مبكر من هذا الشهر، أصدرت وزارة الخارجية الصينية تقريراً من 19 ألف كلمة حول "التعاون الصيني - العربي في عصر جديد"، أكدت فيه أن بكين "شريك استراتيجي وصديق مخلص" سيلعب دوراً بناء في الشرق الأوسط ويتجنب القيام بأي شيء يمس "مصلحته الجيوسياسية".

وقد يرى البعض أن ذلك يتضمن انتقادا مبطنا وغير مباشر لسلوك الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. وهناك مخاوف من أن القمة العربية الصينية التي تعقد الجمعة القادمة، وتتزامن مع زيارة الزعيم الصيني شي جين بينغ للسعودية والتي بدأها الأربعاء 7 ديسمبر/ كانون الأول وتستمر حتى الجمعة 9  من الشهر نفسه، تأتي في وقت حساس بشكل خاص للعلاقات الأمريكية - السعودية.

وتقف العلاقات بين الرياض وواشنطن في الوقت الحالي عند درجة متدنية، وقد جرى الحديث كثيرا عن "الاستقبال المتحفظ"، الذي لقيه الرئيس الأمريكي جو بايدن عندما زار السعودية في يوليو/ تموز الماضي.

لا عداء متعمد

لكن اللقاء الصيني - العربي لا يُعقد "لإثارة غضب الولايات المتحدة على وجه التحديد"، وفقًا لما ذكره برنارد هيكل، أستاذ دراسات الشرق الأدنى في جامعة برينستون في الولايات المتحدة والخبير في شؤون المملكة العربية السعودية.

وقال هيكل لـموقع DW : "للسعوديين علاقة اقتصادية قوية للغاية مع الصين، وكان من المفترض أن يأتي شي جين بينغ في وقت أبكر، لكن تم إلغاء الزيارة عدة مرات بسبب العديد من عمليات الإغلاق الي حدثت في الصين بسبب جائحة كورونا، من بين أمور أخرى".

وقال الخبراء لنفس الموقع إنه لم يكن واضحاً تماماً ما قد تجلبه قمة هذا الأسبوع، والتي من المتوقع أن يحضرها 14 رئيس دولة عربية على الأقل، على الرغم من أنها ستكون على الأرجح مرتبطة بالتجارة.

حسن الحسن، زميل باحث في البحرين في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) ، قال لـ DW إنه "من الصعب التكهن بنتائج ملموسة للقمة الصينية - العربية هذا الأسبوع لأنها تجري تحت مظلة واسعة جدا"، موضحاً أن القمة تضم دولًا ذات سمات اقتصادية متباينة على نطاق واسع.

وأضاف الحسن أن مثل هذه الزيارة التي يقوم بها الزعيم الصيني للمنطقة لا ينبغي أن تكون مفاجئة لأن العلاقات الاقتصادية بين الصين والدول العربية تنمو منذ سنوات.

وفقًا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، بلغ إجمالي التجارة الثنائية بين الصين ودول الخليج - بما في ذلك المملكة العربية السعودية وإيران - حوالي 2.48 تريليون دولار (2.37 تريليون يورو) في عام 2021.

ومن بين هؤلاء، قامت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بمعظم الأعمال التجارية مع الصين. في الواقع، تعد الصين الآن أكبر شريك تجاري لالسعودية.

خلال الفترة نفسها، بلغ حجم التجارة الثنائية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة 1.3 تريليون دولار و 62.6 مليار دولار على التوالي. وتشمل كل هذه الأرقام التجارية مبيعات الأسلحة، على الرغم من أن الصين تلعب دوراً ضئيلاً للغاية في هذا المجال. يذكر أنه بين عامي 2000 و 2019، زودت الولايات المتحدة وروسيا وأوروبا دول الشرق الأوسط بحوالي 95٪ من جميع الأسلحة التي تم توريدها لهذه الدول.

نتائج غير مؤكدة

وقال الحسن إن القمة ستبرز على الأرجح دور الصين كمزود لأموال التنمية والأعمال الاقتصادية، والمملكة العربية السعودية كدولة رائدة في العالم العربي، مضيفاً أنه إذا خرج أي شيء جوهري عن قمة هذا الأسبوع، فمن المرجح أن يتعلق بالمملكة العربية السعودية أو دول الخليج، بدلاً من الحاضرين الآخرين مثل العراق.

ويعتقد الخبراء أن نتائج القمة يمكن أن تتراوح ما بين الرمزية البحتة إلى الجوهرية للغاية. على سبيل المثال، يمكن أن تتضمن الأولى سلسلة من مذكرات التفاهم التي يمكن أن يكون لها تأثير حقيقي على الأعمال الثنائية.

قد يشمل هذا الأخير إحراز تقدم في اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ومجلس التعاون الخليجي المكون من ستة أعضاء. ويضم المجلس السعودية والإمارات وقطر والبحرين والكويت وعمان.

وعلى الرغم من أن اتفاقية التجارة الحرة بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي تجري مناقشتها منذ ما يقرب من عقدين، إلا أنها قد تكون الآن أقرب إلى الواقع من أي وقت مضى. في نوفمبر/ تشرين الثاني من هذا العام، أشار السفير الصيني لدى الإمارات أن المفاوضات في مراحلها النهائية.

الابتعاد عن النفط

تلعب الشركات الصينية بالفعل دوراً مهماً في العديد من دول الشرق الأوسط، وذلك من خلال الاستثمارات الصينية المباشرة بالإضافة إلى العديد من عقود البنية التحتية الكبيرة الممنوحة للشركات الصينية.

تقوم الشركات الصينية ببناء الموانئ ومناطق التجارة الحرة في المنطقة، بما في ذلك في عمان ومصر والسعودية والكويت. كما نما التعاون بين الصين والدول العربية ليشمل التكنولوجيا الرقمية والطاقة المتجددة والسياحة والطيران. وتستخدم معظم دول مجلس التعاون الخليجي تقنية هواوي الصينية المثيرة للجدل في شبكات اتصالاتها.

وقال ناصر التميمي، خبير الاقتصاد السياسي وكبير الباحثين في المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI): "بالنسبة للصينيين، فإن الأولوية [في الرياض] اقتصادية - على الأقل في المدى القصير إلى المتوسط".

على عكس بعض الأسواق المحتملة الأخرى للصين في آسيا أو أفريقيا ، فإن دول الخليج مليئة بالمال وتوفر بيئة سياسية مستقرة للقيام بأعمال تجارية.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية وجيرانها، تتعلق العلاقات التجارية مع الصين بتنويع اقتصاداتها بعيداً عن النفط الذي يؤمن معظم دخلها القومي. وتعلم السعودية ودول الخليج أن العالم يتجه ببطء إلى الطاقات المتجددة لذا فهم ينفقون مبالغ ضخمة استعداداً لذلك.

وأشار التميمي - الذي يركز عمله على العلاقات بين آسيا والخليج - إلى أن "المبلغ الذي يتم إنفاقه [على تنويع مصادر الدخل] مذهل ولن يدع الصينيون فرصة كهذه تمر دون الاستفادة منها".

تعاون عسكري مثير للجدل

ومع ذلك، فإن أحد أنواع التعاون المتزايد هو الأكثر إثارة للجدل ويتضمن الإنتاج المحلي للمعدات العسكرية. يطور السعوديون صواريخهم وطائراتهم دون طيار بمساعدة صينية، بينما اشترت الإمارات طائرات مقاتلة صينية.

وأشار هيكل من جامعة برينستون إلى أن "أي شيء لن يبيعه الأمريكيون، سيحاول السعوديون الوصول إليه في مكان آخر"، وأضاف أنه في الوقت نفسه، تظل الولايات المتحدة الحليف الأهم للسعودية وغيرها من دول الخليج.

وتظهر نظرة سريعة على الأرقام مكان النقاط المحورية لكل شراكة. قد تكون الصين الشريك التجاري الأكبر للسعوديين، لكن تجارة الأسلحة السعودية مع الصينيين بلغ مجموعها 245 مليون دولار فقط بين عامي 2013 و 2021. وفي الوقت نفسه، بلغت تجارة الأسلحة بين السعوديين والولايات المتحدة في الفترة نفسها 17.9 مليار دولار.

ومن حين لآخر، كانت هناك توترات في المناطق الحساسة حيث تتقاطع التجارة والمصالح العسكرية بين البلدين.

ي عام 2021، أوقفت الإمارات جزئياً محادثات شراء طائرات مقاتلة أمريكية بسبب المخاوف الأمريكية من أن مزود التكنولوجيا الصيني هواوي قد يكون قادرًا على سرقة الأسرار العسكرية من الطائرات الشبح F-35. انتهى الأمر بالإماراتيين بشراء طائرات صينية بدلاً من ذلك.

في عام 2021 أيضاً، تم إنهاء مشروع سري يجري بناؤه داخل ميناء تجاري إماراتي تحت الإنشاء تعمل عليه الصين وذلك بعد ضغوط أمريكية. اعتقدت وكالات المخابرات الأمريكية أن هذا الجزء المخفي من مشروع الميناء كان يستخدم للتجسس البحري.

وقال هيكل إن بعض تفاصيل التعاون الوثيق يتم التستر عليها عمداً. وأشار إلى أن "هذا مجرد جزء من استراتيجية التحوط الخاصة بالسعوديين، حيث تقوم الدولة ببناء علاقات أوثق مع الصين ودول أخرى".

نظام عالمي جديد؟

وقال حسن الحسن: "لقد شهدنا أيضاً ارتقاء للعلاقات السعودية مع الدول الأخرى"، الأمر الذي يشمل الهند واليابان وكوريا الجنوبية. وتابع الحسن: "بشكل أساسي، فإن الشركاء هم الذين يُنظر إليهم على أنهم أكثر استعداداً لنقل التكنولوجيا والمعرفة".

ولكن هذا هو السبب أيضاً - بحسب ما يتفق الخبراء - في أن زيادة المخاوف من صعود نظام عالمي غير ليبرالي جديد، حيث تصطف القوى العالمية في كوكبة جيوسياسية "منزوعة الغرب"، أو أن ينقسم العالم بين دول ديمقراطية في مواجهة دول غير ديمقراطية - هو أمر مبالغ فيه.

وقال الحسن: "العالم يتغير والقوة أصبحت أكثر توزيعاً وانتشاراً ... نعم، تسعى دول الخليج إلى تحقيق مصالحها الخاصة حتى عندما ينحرف هؤلاء عن شركائهم الغربيين"، مضيفاً أن ذلك يحدث "لأن هذه الدول - إلى جانب دول أخرى كنا نسميها الجنوب العالمي في الماضي - أصبحت أكثر ثقة، وأكثر قدرة وأكثر احتمالية على السعي خلف متابعة تحقيق مصالحها الخاصة. وهذا أمر عقلاني تماماً".