فرنسا.. ماكرون خسر معركته الأخيرة

01:04 2023/03/21

يخوض الرئيس الفرنسي ماكرون هذه الأيام معركة خاسرة ومحفوفة بالمخاطر التي تحيق بالنظام السياسي للجمهورية الخامسة برمته. 
 
هذه المعركة الخاسرة مع الشعب الفرنسي الذي لن يتنازل عن مكتسباته بدليل هذا التحشيد منقطع النظير للشارع والتظاهرات الكبرى وحتى الحرائق المشتعلة في شوارع باريس.
 
كان باستطاعة الرئيس ماكرون طرح القانون على التصويت في البرلمان. وهذا أفضل له من خلق أزمة سياسية واجتماعية عطلت قطاعات الاقتصاد والخدمات برمتها.
 
لو أنه أجرى أيضا استفتاء شعبيا على القانون وهو إجراء ديمقراطي  يستعمل لتفكيك الأزمات بشكل سلمي، لكان هو الأفضل له.
 
إن الأزمة السياسية والاجتماعية الحادة التي تعيشها فرنسا منذ أسابيع بمثابة مواجهة بين أقلية رئاسية تريد فرض رؤيتها الاقتصادية المرتبطة بكبرى الشركات العالمية وبين غالبية الشعب الفرنسي الذي يرفض النموذج الاقتصادي الليبرالي المتوحش ويتمسك بنموذج الوظيفة الاجتماعية للدولة.
 
أعتقد ومثلي كثير من أساتذة السياسة في العالم بأن النظام الراسمالي الليبرالي في أمريكا وأوروبا بدأ يتصدع ويعاني من تشققات هيكلية واختلال في الدور الاجتماعي للدولة، باعتبارها الضامن الأساسي للطبقات الاجتماعية التي تشكل أغلبية السكان. فمن أزمة الكابيتول في نهاية عهد ترامب وظهور ذي القرنين يقود الحشود وهي تحطم ممتلكات مبنى الكونغرس، واتهامات متبادلة بالتزوير بين الجمهوريين والديمقراطيين، إلى انهيار بنك السليكون، إلى شلل الخدمات والإضرابات المتلاحقة في بريطانيا، إلى غياب مفهوم الأسرة والتناقص  الديموغرافي وارتفاع معدلات الانتحار وانهيار منظومة القيم، مثل تشريع زواج المثليين وظواهر  اجتماعية أخرى أكثر غرابة، إننا أمام مشهد سياسي اوربي مضطرب ينبئ بتدهور الرأسمالية والفكر الليبرالي الغربي.
 
إن الظلم الاجتماعي والتهميش ليس حكرا على العالم الثالث، فالغرب يعاني من جمود الفكر الليبرالي وتكلس شرايين الديمقراطية وارتفاع معدلات البطالة والرفض الشعبي للقوانين، جميعها تمثل معضلة في كيفية تطوير منظومة فكرية جديدة تستجيب لتطورات الحياة وتلبي متطلبات الوظيفة الاجتماعية للدولة.
 
إن لم يتراجع ماكرون عن عناده ويسحب قانون التقاعد، فإن فرنسا ستكون أمام أيام سوداء لا تحمد عقباها وتعيد للذاكرة تظاهرات الطلبة في عقد الستينيات من القرن المنصرم التي أسقطت أهم رئيس في تاريخ فرنسا الجنرال ديغول. التمهيد والاستشارة واستمزاج رأي المعنيين بالقرار ليس انتقاصا من دور الحاكم، إنما هو عنصر قوة لنظام الحكم. فالتراجع عن مشاريع القوانين والقرارات قبل إقرارها أفضل بكثير من استعمال السلطة والقوة لفرضها، لأنه في النهاية ينتج عنها أكلاف باهظة يدفعها النظام من رصيده الشعبي وتؤدي إلى إضعاف النخبة السياسية الحاكمة وتلاشيها ولو بعد حين.
 
 
* كاتب وأكاديمي من العراق وأستاذ القانون والنظم السياسية في جامعة الأخوين المغربية.