سلب إرادة الشعوب ..!!

09:16 2023/05/13

ييدو أن القوى التقليدية النافذة في كل بقاع الأرض تتوارث وتتناقل ثقافة مشتركة فيما بينها جيلاً بعد جيل ، وهي ثقافة ترويض واستعباد الشعوب وسلب إرادتها وشل حركتها ، ما يمنحها استمرارية البقاء كقوى نافذة مسيطرة ومهيمنة ومتحكمة بمصير الشعوب ، ويبدو أن الجهل والفقر وإثارة التعصبات والخلافات بين فئات الشعب ، هي من أهم أسلحتها الفتاكة لتحقيق غاياتها وأهدافها ، لأنه من السهولة بمكان التحكم في الجاهل واستغلاله وقيادته ، بعكس الحال مع المتعلم والواعي والمثقف ، فالشعوب الجاهلة والمتخلفة تكون سهلة الإنقياد خلف حكامها ، بل إن الجهل قد يجعلها تقدسهم وتعظمهم ، وقد ترى أن كل قرارتهم وتصرفاتهم صائبة وحكيمة فهم معصومون عن الخطأ والزلل ، هكذا يرى الجاهل حاكمه وهكذا يتنازل عن حقوقه وحرياته ، فالجهل المخيم على عقله وتفكيره ، يسلبه إرادته الحرة وقراره المستقل وكرامته الانسانية التي منحها الله تعالى له ..!! 
 
والفقر وما ادراك ما الفقر ، يذل كل عزيز ويهين كل كريم ، لذلك دأب الحكام عبر الزمان على إتباع سياسة إفقار شعوبهم ، وهو ما يعرف بسياسة إذلال وتطويع الشعوب عن طريق إفقارها ونهب كل ما في يدها من أموال بأساليب مختلفة ، فالشعب الفقير والجائع لا يمتلك القوة ولا الإرادة لمواجهة طغيان وظلم  وجبروت الحكام ، فكل إهتماماته تتركز حول الحصول على لقمة العيش من أجل البقاء على قيد الحياة ، ومن يكافح ويناضل من أجل البقاء على قيد الحياة ، ليس جديراً بالكفاح والنضال من أجل الحرية والكرامة ، فالجوع كافر ..!! 
 
لذلك قال الإمام على رضي الله عنه لو كان الفقر رجلاً لقتلته ، لأنه رضوان الله عليه كان يعلم النتائج السلبية للفقر على أفراد المجتمع ، وهنا يكمن الفرق بين الحكام الذين يريدون لشعوبهم العزة والحرية والكرامة ، وبين الحكام الذين يمارسون سياسة إفقار شعوبهم وسلب ما في أيديهم ، بهدف إذلالهم واستعبادهم وسلب إرادتهم ، وهنا يكمن الفرق الكبير في المنهجية السياسية للإمام علي رضوان الله عليه القائمة على محاربة الفقر ، عن طريق صرف وانفاق كل الأموال التي في بيت مال المسلمين على الشعب ، فلم يكن يبقي في بيت المال درهما واحدا ، وعن طريق تخفيف الاعباء المالية على أفراد المجتمع المسلم ، فلم يكن جابياً ولا متسلطاً ولا سالباً لأموالهم ، والمنهجية السياسية للحكام الذين يحاربون شعوبهم في لقمة عيشها ، ويفرضون عليها المزيد من الجبايات والضرائب ليكدسوا الأموال والثروات الطائلة في مخازنهم ، والشعب يتضور من الجوع ، لا وجه للمقارنة بين الحاكم الذي يحارب الفقر وبين الحكام الذين يعملون على إفقار شعوبهم بهدف إذلالها واخضاعها ..!! 
 
فكيف الحال بالشعب إذا إجتمع عليه الجهل والفقر والتخلف في وقتِ واحد ، حتماً إنه شعب بائس وتعيس ، فالفقر والجهل يجعلانه شعباً سهل الانقياد والطاعة ، فمن السهولة بمكان استغلاله واستغفاله حسب مشيئة الحاكم ، فمن لا يملك لقمة عيشه ومن لا يدرك ما يجري حوله ، لا يمثل أي قلق أو تهديد على السلطة ، بل إنه يمثل أداة طيعة في يدها ، تسيرها كيفما تشاء ، وتتحكم بها كيفما تريد ، وبها يمكن ان تضرب أعدائها وتقمع المعارضين لها ، وتعزز سلطتها وجبروتها ، فالمعدة الفارغة والعقل الأجوف هما سر بقاء واستمرار وتوارث القوى التسلطية والاستبدادية للسلطة جيلاً بعد جيل ، لذلك ستظل القوى السلطوية التقليدية بكل أشكالها ومسمياتها حريصة كل الحرص على انتهاج سياسة تجهيل وإفقار الشعوب لضمان بقائها واستمرارها في السلطةأطول فترة ممكنة ..!!