حرب إقليمية على الأبواب ما بعد غزة

03:48 2023/11/04

فتحت الحرب على غزة واقعًا جديداً والذي بدأت مع اقتحام حركة حماس للعديد من المستوطنات في عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر من الشهر الماضي ،وسيطرتها على العديد من المعسكرات الاسرائيلية وتكبيد الكيان الصهيوني هزيمة معنوية وبشرية كبرى وغير مسبوقة في تاريخ النضال الفلسطيني العربي.

هذا يمكن أن يؤدي بالمنطقة إلى حرب أوسع ،وربما ستكون مثل هذه الحرب خريطة لتغير واقع المنطقة وافقاد العرب التأثير الأكبر، على اعتبار أن الدور العربي يفتقد لخيارات جدية تصب لصالح القضية الفلسطينية، كما أن العرب مازالوا أضعف بكثير من أن يوقفوا الإرهاب الإسرائيلي، الذي أظهر وحشية لا نظير لها في قصف غزة وقتل المدنيين والنساء والأطفال،وتحويل غزة لمدينة من رماد بالقنابل والصواريخ الامريكية ،والتدمير المنظم لهذه المدينة وابادة الشعب العربي الفلسطيني، كحق الرد الاسرائيلي لحماية وجوده وفق مايبرره الغرب الذي تحالف مع الصهاينة في هذه الحرب بقيادة امريكا.

المواقف الغير الجادة للعرب، ستؤدي إلى بروز اطراف اقليمية قد تعمل على خلق توازنتها بشكل سلبي، مما يؤدي إلى أن تكون قضية فلسطين مرتبطة بإجندة هي في الأسس ضمن دائرة المتغيرات الفوضوية، التي تسعى لها القوى الدولية لفرض شروط وأجندة لاعادة رسم خريطة المنطقة العربية.

تهجير الفلسطنيين إلى سيناء وخلق نكبة جديدة للشعب الفلسطيني،واقحام دول عربية كالأردن ومصر في هذا الصراع هو ما سيخلق حرب أوسع ،مصر هي المستهدف الرئيسي من السياسات التي تتحرك بناء على أجندة غربية، لفرض توطين الفلسطنيين فيها حيث تعمل العديد من الدول ،لتقديم الحوافز لمصر للموافقة على مثل هذه الشروط والضغوطات ،وهذا ما بدأ يتشكل كواقع ثابت يؤسس لمرحلة مختلفة ومقلقة، وتبقى مصر الدولة العربية القوية والقادرة على ايقاف سياسات الدمار ومحاولة شل قدرة تغير مخططات تعمل عليه اسرائيل والولايات المتحدة ،لفرض خيارات لن توافق عليها مصر ولن تؤسس لمثل هذا الاضطهاد للفلسطنيين ولكن مصر بحاجة الى دعم عربي لانها تشهد أزمة اقتصادية خانقة ومقلقة.

خلال القرن الماضي بدأ وعد بلفور في عام 1917 يشكل وطنا للاسرائيليين في أرض أخرى ووطن لشعب أخر، فتحت بريطانيا بذلك أبواب الصراع في المنطقة العربية، كانت بريطانيا تدرك أنها لن تستمر في استعمار الشعوب العربية للأبد، سواء مصر وجنوب اليمن والسودان والعراق ، وكانت هي من تحدد نفوذها في الخليج وعندما حاول الشريف حسين مواجهة العثمانيين، لنيل الوعد البريطاني ليكون ملكا على العرب ،لم يجدها تفي بوعدها وكانت صراعات المنطقة العربية حتى اليوم هو لأضعاف العرب وتعزيز التفوق الاسرائيلي وجعلها الدولة التي وجدت من العدم، ويجب أن تتحول المنطقة العربية ليكون هناك حق لاسرائيل في العبث بوجود المنطقة التأريخي والسياسي لفرض معادلة صراع سياسي جديد ودائم.

يرغب الغرب وامريكا في محو واقع المنطقة العربية ومحاولة هندستها، وتدميرها وتفكيك المجتمعات العربية ،وتحويل الجيوش العربية لتبدو عليها ملامح العجز والضعف في مواجهة ما يحيط بها، وهذا بحد ذاته سيوقف طبيعة الجيوش العربية في المستقبل، وسيكون هناك دور محدد وفق وظيفة وأجندة دولية ،تفتقد فيها الجيوش العربية في القدرة لتحديد صراعها وعقيدتها العسكرية وحماية دولها.

الصراع الجاري في غزة بعد سنوات مع غياب المواجهة والحرب، يبدو الأخطر لإنه يعني القضاء على كل واقع فلسطين كليا، الاسرائيليون يسعون لتدمير غزة ، الغارات تقتل الجميع وظروف فلسطين الآن يبدو متجها نحو اعادة فلسطين لتكون وطنًا يهوديًا ، وتجريد أصحاب الارض من العيش في وطنهم، هذا يعني تفكيك غربي وترتيب مخطط خطير ، لاعادة الخريطة الجديدة وتهجير الفلسطنيين لسيناء ،ثم المواجهة مع مصر مستقبلًا وبدأ مرحلة جديدة من الصراع، والتوسع إلى ماوراء فلسطين.

غياب العرب عن التأثير والدخول في معركة الفلسطنيين، ومواجهة تمدد الناتو والسعي الغربي لفرض أجندته وخياراته ،ستكون على حساب المنطقة العربية ووجودها، فالقضية الفلسطنية عربية منذ البداية  والعرب هم أول من شارك في معارك فلسطين وخاض الصراع لإدراكه طبيعة هذا الخطر ،حيث أدركت القيادات العربية ما بعد الاستقلال ،خطر الوجود الاسرائيلي وسعت لفرض الحرب لاستعادة فلسطين،  وعملت بكل ما تستطيع لجعل فلسطين أولوية سياسية وعسكرية، رغم الدور الغربي في ابقاء فلسطين ضمن خطة استعماره المستمرة التي يخوض فيها الغرب هذا الخيار، حيث أن رحيل اسرائيل وهزيمتها يعني تدمير للمشروع الاستعماري للمنطقة العربية، وافشال لمخطط ابقاء العرب غير قادرين على تشكيل وجودهم وتحديد مصيرهم .

لكن يبدو أن الدور الايراني مابعد حرب غزة هو الأكثر خطرًا ، لإنه يريد فرض رؤيته وتوسيع نفوذها من خلال التمدد في المنطقة، من خلال الجماعات التابعة لايران وأذرعها العسكرية والمليشياويه في المنطقة العربية.

مشاركة ايران وخوضها الصراع بشقيها المباشر والغير المباشر، يعني أن ايران ستفرض توازن جديد سيكون لها نتائج كارثية على واقع المنطقة العربية، وسيزيد من نفوذ ايران وتدخلاتها بشكل أكثر في خلق واقع يخدم صفقة القرن الذي تقوده امريكا وبتحالف مع اسرائيل وإيران لقيادة الشرق الأوسط الجديد.

فترك ايران تمارس دورًا كبير في غزة والمنطقة العربية سيؤدي لتشكل توازن بعيد عن مصلحة العرب، ووفق ما ستؤول اليه أوضاع فلسطين والحرب في غزة ،فإن ذلك سيحدد معطيات جديدة ،والعرب وحدهم سيكونون خارج أدوات اللعبة لإنهم ليس لديهم قرارات وأجندة حقيقية ،كما أن طبيعة الوجود العربي السياسي خاضع للتأثير الغربي والمصالح قصيرة الأجل ،وسيجد العرب أنفسهم في المستقبل يتلاشون لصالح قوى جديدة، تعمل على اضعافهم واسقاط وجودهم والسيطرة على مناطق جديدة ستكون ضمن مناطق السيطرة الايرانية وهذا يعني أن العرب أنتهوا ولم يعد لهم أي دور حقيقي لفرض وجودهم ومصالحهم. 

فلسطين قضية عربية واعادة فرض هذا الواقع لاستعادة فلسطين ، يتطلب من العرب عدم الخضوع لتقسيمات غربية محددة، تجعل من فلسطين وغزة ضحية لهذا الصمت العربي الغير مبرر، فالعرب يمكنهم اعادة وجودهم والقضاء على المشاريع الفوضوية لإيران واسرائيل، وذلك يتحدد من خلال جعل فلسطين قضية وجودية وقضية مركزية عربية، ولابد من أن يكون العرب هم أكثر من يدافع عن مساحة وجوده من خلال عدم ترك فلسطين لتكون شأن اسرائيلي أو غربي أو ضمن النفوذ الايراني فهذا يعني اضعاف مدى تأثيرهم على المدى القريب والبعيد.

مصر هي من لديها المبادرة ،وهي القادرة على توسيع نطاق التأثير العربي ،وهي من تملك مفاتيح الحل، وهي من بيدها شروط الحرب والسلام، وهي من تمثل واقع العرب الحقيقي والمتوازن ،الذي سيوقف الدور الفوضوي والارهاب الإسرائيلي عند حده .

مصر وجيشها البطل المستهدف من كل التطورات والصراعات ،وهي من ستحدد وضع المنطقة وسيضعف الخطط الغربية لخلق بؤرة صراع طويلة في المنطقة حيث اتجهت سياسات الغرب للحديث عن سيناء وتصفية القضية الفلسطينية نهائيًا.
 
*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الإستراتيجية.