غزة تصنع نصر الأمة منفردة

01:17 2023/11/08

بعيداً عن المناصرة الوهمية ها هو الشعب العربي العظيم في مدينة غزة في فلسطين يصنع طريق النصر الحقيقي للأمة العربية ، وها هي حركة المقاومة الفلسطينية حماس تفضح المرتزقه والمنافقين الذين كانوا يرددون شعارات تحرير فلسطين وأنهم في صف ومحور المقاومه الوهمي! فلم يشارك ذلك المحور بشيء يذكر في المعركة غير المتكافئة مع حماس واهل غرة ، فغزة تباد وتُحرق من قبل الأرهاب الصهيوني والغربي على مرأى ومسمع من الضمير العالمي والعربي ، ففي حين تعبر حاملات الطائرات الأمريكية منطقة الشرق الأوسط ،بينما كل الخيارات التي يبديها الغرب هو ألا تتوقف غارات العدو الصهيوني واحتلال غزة ،وهم يريدون ما بعد حماس في غزة ويريدون اسقاط الواقع الجديد الذي تغير ؛حيث شعر الغرب الآن أن الكيان الصهيوني أضعف مما كان يتوقع.

الكثير من الدول العربية تدرك المأزق وحالة الضعف ،التي عانتها طوال السنوات السابقة، بعد ما خلفه الربيع العربي من واقع تدميري للمنطقة، ومازالت الكثير من الدول العربية تدفع ثمنه ،فالربيع اتاح لامريكا أن ترسم الواقع الذي رغبت به في تقسيم المنطقة واضعاف الدول العربية القوية، وتعزيز الوجود الاسرائيلي وكذلك نشر الصراع بخلفية مذهبية، واتاحة المجال لإيران وتركيا في أن تتدخلا ضمن حسابات التوسع في الأرض والثروة العربية.

الواقع في المنطقة قابل للانفجار وقابل لكي تكون هذه الحرب كارثية وخطيرة ، ستكون هناك مواجهة في كل الاتجاهات، وحرب تتخطى الدول لتصبح حرب يتحدد هدفها برسم خريطة اسرائيل الجديدة ،واستعادة هيبتها من خلال التدخل الغربي المباشر ،ومواجهة تتجاوز لبنان وسوريا ومصر . 

ربما ستكون هذه الحرب قائمة على القضاء على دول عربية خرجت بقوة سليمة بعض الوقت من الحروب والازمات، سواء من خلال الحرب التي قامت به امريكا على العراق والتي تركت الباب مفتوحًا لإيران في فرض وجودها وأجندتها.

ثم أتى الدعم الغربي والاسرائيلي لفوضى الربيع العربي الذي جعل اسرائيل، تعيد ترتيب وجودها بشكل متزن وقوي ،وهي مطمئنة وتدرك أن العالم العربي الذي ظلت تواجهه قد سقط تحت مخطط تم ترتيبه بإحكام ،من خلال جماعات الإسلام السياسي حيث تلاشى واقع الدولة القومية والوطنية ،وظهرت بديلاً عنها حركات دينية ذات طابع طائفي سنية وشيعية ، كل الذي تتفق عليه تدمير الدول العربية والعمل ضمن مخططات خارجية ،وزيادة تدخل ايران في المنطقة العربية من اليمن الي ليبيا .

إذاً صارت حرب غزة فوق طاقة الجميع وهناك من يعرف أن ظروف الحرب قد تتوسع ،وتدخل امريكا والغرب فيها وتبدأ هناك حرباً أشد واقوى ولن تخرج أي دولة عربية سليمة من هذه الحرب ،فالعالم العربي سيكون أكثر من يخسر، وإيران تنتظر المواجهة لإنها تعرف كيف تتحرك ولديها مليشياتها التي تلتزم بقاعدة الحرب، وضمن الظروف التي تحددها طهران !!. 

إيران تريد ارهاق المنطقة بالحرب، لإنها مازالت تريد خوض غمار مشروعها في دول أخرى ، هي تريد اسقاط عواصم عربية لم تسقط ، وليست الحرب خيار سهل لإيران مادامت امريكا والغرب قد جمعوا كل قوتهم ،وعبرت حاملات الطائرات البحر المتوسط ،حيث تريد إيران وراء كل ذلك زيادة وضع المنطقة لتكون قابلة لإنفجار هائل ،وهي لن تخسر شيئ فتحريك مليشياتها لن يجعلها تقوم بدور واسع او ان تكون في الواجهة ، فهي لن تتحمل التكلفة فمليشيات إيران ستقيها الضربات الموجعة ،وبدلا من ضرب إيران ستبدو الحرب منصبة على أكثر من محور .

المنطقة مقبلة على حرب واسعة ومخطط ليس هناك من حدود له ، هناك حرب اخطبوطية تتعدد وقائعها بتعدد المشاريع والأجندة ، حماية اسرائيل هو كل مايريده الغرب لا يريد أن تتفكك خطوطه ومشاريعه .

وهذا التحضير الهائل في سباق مكلف يتبلور لما يفرضه الغرب ،من أجندات ومخططات ربما ستكون بداية لمواجهة هي الأكبر ،حيث يرغب الغرب والناتو في التأسيس لوجود دائم بالمنطقة مستغلاً الوضع المتفلت، الذي اختلطت فيه كل الأوراق والتوقعات ، وصارت إسرائيل في اسوأ حال لها منذ حرب أكتوبر في 73 بعد أن قام الجيش المصري بشن حرب، تجاوز بها خط بارليف حيث سارعت الولايات المتحدة إلى دعم اسرائيل عسكريا، وحاولت منحها المزيد من الوقت وذلك لمواجهة القوات المصرية وبعد أن حقق الجيش المصري المعجزة والنصر ، لكنه صار بعدها يتلاقى الضربات والهجمات الاسرائيلية، بعد أن كانت لدى القيادة العسكرية المصرية الخطط لتجاوز سيناء، لكن الخطاء أن تفكر بالحلول عندما تبدأ الحرب دون أن تنتهي .

خلقت الحرب في غزة بإعتراف الكثير من الخبراء حالة من الفزع في إسرائيل والغرب، والأمر نفسه تولد عند الكثير من الدول العربية ،خاصة تلك التي تحيط بفلسطين وتعيش تجربة من الحرب معها وتدرك أن اي انفجار للحرب يعني أنها ستكون ضخمة، فاسرائيل تعيش عالة على واقع الغرب السياسي والإقتصادي من جديد ، وليس من السهل الدخول في مواجهة مع امريكا بشكل يجعل كل شيئ يتجه لحرب تقضي على الشرق الأوسط كله.

الجماعات والحركات الاسلامية تمرر مشاريع الفوضى، لا لصالح العرب بل لضرب حدود كل دولة عربية، وبمخطط مرسوم لا فرق بين جماعات إيران أو جماعات تركيا وقطر ، الهدف والاجندة سحب البساط في داخل العمق العربي، لتكون هناك مخططات أخرى لتفكيك كل دولة، ووراء كل هذا التحرك المحموم بين جماعات إيران وتركيا ،هو جعل العرب غير قادرين على مواجهة معارك خطيرة ذات تجاعيد مختلفة ،تسعى إلى ترك المنطقة العربية قابلة لمحو وجودها تحت أجندة عنيفة ومرتبطة بمخططات غربية.

فجماعات الإسلام السياسي هي من تعمل على التفكيك المستمر في المنطقة، وهي من رسمت حدود الحرب الاعمق المذهبية والأيدلوجية، وهي من تمولها أمريكا ورسخت وجودها في العراق وسوريا ولبنان واليمن .
تآمرت القوى الدينية الشيعية والسنية على وجود الدول الوطنية العربية، واستعانت بها امريكا في كل الظروف لتتحرك بناء على الغاية والمخطط الذي تريده ،في افغانستان تحركت القوى السنية لمواجهة الاتحاد السوفيتي وفي العراق دمرت العرب لتنشئ السلطة الشيعية العميلة، وفي اليمن توجد مليشيات تخضع لإيران قلباً وقالباً، كما شاركت في التحالف في تدمير العراق ومشاركة سلطة إيران هناك، وهي من دمرت سوريا وتنهب ثروات ليبيا وتوزعه على تركيا وأمريكا والغرب.

كانت للدول العربية قيادات قومية ودول قوية، وكانت هناك روابط تتجسد أكبر في بناء المؤسسات واقامة المشاريع العلمية والعسكرية ، وتطوير الاقتصاد لكن مع وجود الجماعات الدينية السنية والشيعية العابرة الحدود ،فقد صار هدف هذه الجماعات فرض واقع أخر تدمير المنطقة العربية في كل مقومات وجودها ،هذه الجماعات تنقاد للخارج ولا يهمها مالذي سيجري ،هي تريد حرب غائرة حتى العمق تدمر الانسان وتفكك المجتمع ،وهدفها الاكبر استغلال الشعوب ونهبها واعادتها لتكون متخلفة ومحتلة ومستغلة.

وتكون هذه الدول مقاطعات لمشاريع ايران وتركيا وقابلة لاي مخطط غربي، لكن في الواقع الذي مررته تجربة الربيع العربي، فإن مخطط الجماعات الدينية ضرب الشعوب وتدميرها في كل مبادئها ،وضرب وحدة المجتمع وصهره في اطار عنيف ومتطرف وذلك لخدمة مشاريع الخارج وجعل المنطقة في حالة من الضعف والانهيار الدائم .

ما أسسته الانظمة القومية في العراق ومصر وسوريا وليبيا ،من مؤسسات و مصانع ومن تعليم أنتهى ، كانت النظم القومية لديها فكرة بناء الدولة وبناء التعليم والجيش، وكانت تقوم بحروب الكرامة . هزمت العراق إيران من أجل العرب في حرب الثمان سنوات خسرت العراق فيما مايقارب مليون جندي، وعملت مصر طوال وجودها بعد ثورة يوليو على إعادة بناء الإنسان وفق مبادئ قومية ،وواجهت مصر اسرائيل من البداية وضحت بأكثر من 500 ألف جندي في حروب تحرير أرضها وكذلك مشاركتها في اليمن .

لكن أمريكا والغرب خلال فترة وجود الانظمة السياسية العربية الحقيقية ،عمل على ايجاد مخطط لتدمير هذه الدول ،ومن خلال هذه الجماعات الدينية التي تتظاهر أنها تدير صراع من أجل الاسلام وفلسطين، وهي أكثر من تدمر القضايا وتشوه بالمعتقدات، وهي سبب الدمار والتفكك والفوضى في الشرق الأوسط. فهذه الجماعات لا تقود العرب إلا إلى الهاوية.

*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الإستراتيجية.
8 نوفمبر 2023.