الأحزاب القومية العربية .. والجماعات المذهبية والطائفية ..!!

10:15 2023/11/22

لا جدال ولا نقاش بأن العالم العربي عاش أفضل أيامه في ظل حكم الأحزاب القومية العربية خلال فترة السبعينات والثمانينات وحتى التسعينات من القرن الماضي ، عاش الأمن والأمان والاستقرار والنهضة والتطور والتنمية في كل مجالات الحياة ، عاش التلاحم والتعاون والتقارب العربي العربي في أروع صوره ، عاش الاستقلال والسيادة بكل تفاصيلها ، رغم بعض السلبيات التي رافقت تلك المرحلة ، والتي لم تعد تذكر مقارنة بالمراحل الأخرى التي جاءت بعدها والتي أصبحت السلبيات فيها هي العنوان الأبرز لكل مجريات الحياة ، بعد أن سيطرت فيها الاحزاب والجماعات الدينية والمذهبية والطائفية على السلطة في العديد من الدول العربية ، وحولتها إلى ساحة مفتوحة للعنف والصراعات والانقسامات المذهبية والطائفية ، ساحة مفتوحة للتبعية والولاءت الخارجية ، ساحة مفتوحة للعبث والفوضى والتخلف والتراجع والفشل والعجز ، ساحة مفتوحة لسفك الدماء ، وضياع الأمن والأمان والاستقلال والسيادة ، ساحة مفتوحة للتسابق وإلتفاخر بالتبعية والولاءات لقوى ومشاريع خارجية ، جعلت العرب يندمون ويتحسرون على الأيام الجميلة التي قضوها تحت حكم ورعاية وحماية الأحزاب القومية العربية ، بعد أن شاهدوا حالة الضياع والفشل والتبعية التي تعيشها أوطانهم وأمتهم اليوم ، وهي قابعة تحت سلطة ورحمة الاحزاب والجماعات الطائفية والمذهبية المدعومة من قوى ومشاريع خارجية معادية للهوية والقومية العربية ..!!

كل ذلك يجعل المشاهد والمتابع للحال العربي يشعر بالحسرة والندامة للأحوال السلبية التي يعيشها العرب وخصوصاً القابعة بلدانهم تحت هيمنة الاحزاب والجماعات الطائفية والمذهبية ، بعد أن صارت الدعوات الطائفية والمذهبية هي سيدة الموقف ، وهي الطاغية على السطح والمهيمنة على الحراك الفكري والثقافي بين الأوساط الثقافية والفكرية في تلك البلدان ، بعد أن كانت تلك الدعوات العصبية البغيضة قد بدأت تتلاشى وتختفي في ظل حكم الأحزاب القومية العربية ، التي حاربت تلك الدعوات وحاصرتها وجففت منابعها ، وكادت أن تقضي عليها ، ولو لم يحسب لتلك الأحزاب إلا هذه المواقف القوية والجريئة لكفاها ذلك ، وجعلها تستحق كل الاحترام والتقدير والريادة . فهل هناك ما هو أفضل من كبح جماح الدعوات التي تعمل على تقسيم المجتمع وتمزيقه على أسس طائفية أو مذهبية أو عنصرية ، والتي تصنع الحواجز بين أبناء الدين الواحد والوطن الواحد ، والتي تؤجج نار الأحقاد والكراهية والعداوة والبغضاء بين الأخوة ، والتي تذهب بهم إلى مربعات العنف والصراع والتفتت والتشظي والانقسام ، نعم لن نبالغ إذا قلنا بأن الدعوات العصبوية والمذهبية والطائفية والمناطقية هي الأشد خطراً وفتكاً على وحدة الأوطان وقوتها وتماسكها وتلاحمها ، وهي البوابة التي تنفذ منها سموم الخلاف والشقاق والتشرذم والضعف والهوان ..!!

نعم خلال فترة حكم الأحزاب القومية العربية كانت مفاهيم ومصطلحات الهوية والقومية والوحدة العربية هي الحاضرة والمهيمنة على كل الأدبيات والندوات والدوريات والصحف ، وعلى الإنتاج الفكري والثقافي بشكل عام في كل الدول العربية ، وكان هناك حالة من التفاعل السياسي والفكري على كل المستويات يدفع بكل قوة نحو التقارب العربي العربي ، ويشجع على تعزيز وتقوية التبادل الفكري والثقافي والاقتصادي بين الأقطار العربية ، وكانت الجماهير العربية تتغنى بالوحدة العربية في كل فعالياتها ومهرجاناتها وابداعاتها الفكرية والثقافية ، وكان العرب أكثر قربا من بعض خلال تلك الفترة ، بعكس الحال اليوم حيث تلاشت كل مفاهيم ومصطلحات الوحدة العربية ، واصبحت الهيمنة اليوم على كل المستويات الفكرية والثقافية لمصطلحات ومفاهيم الطائفية والمذهبية ، والترويج لثقافات وأفكار وأدبيات قوميات غير عربية ، والتهكم والسخرية من الهوية والقومية العربية ، وأصبح أبناء الوطن الواحد منقسمون على أنفسهم ، ويعيشون حالة غير مسبوقة من الصراعات والخلافات الداخلية ، أبعدتهم كثيراً عن التفكير والاهتمام بقضايا الأمة العربية ..!!

وكم هو مؤسف مشاهدة تلك الأحزاب والجماعات المذهبية والطائفية، وهي تستغل السلطة والحكم لترسيخ أفكارها وسياساتها ومناهجها ودعواتها وثقافتها الطائفية والمذهبية المستوردة ( العراق إنموذجا ) ، على حساب إهمالها بكل ما له علاقة بالثقافة والهوية والقومية العربية ، وفوق هذا وذاك تعيش الشعوب العربية المنكوبة بالاحزاب والجماعات الطائفية والمذهبية حالة من الفشل التنموي والعجز الاقتصادي والتراجع العلمي والحضاري في كل المجالات ، وتفشي ظاهرة الفساد المالي والإداري بشكل غير مسبوق ، تسببت كلها في تردى الاوضاع المعيشية والتعليمية والاقتصادية لتلك الشعوب ، التي وصلت اليوم إلى قناعة تامة بأن العيش تحت حكم الاحزاب القومية العربية بكل سلبياتها أفضل بكثير من وضعها الحالي ، ففسادها وسلبياتها لم تعد تذكر أمام الأوضاع السلبية والكارثية التي تعيشها وتتجرعها اليوم تحت حكم الأحزاب والجماعات الطائفية والمذهبية ، ولسان حالهم يقول ( نار الأحزاب القومية العربية ولا جنة الجماعات المذهبية والطائفية ) ..!!