Image

الحوثي والمنظمات الدولية... العشق الممنوع!

 
 
 
 
 لم تتوقف اتهامات الحوثيين من المنظمات الدولية، ولم تتوقف شكاوى المنظمات الدولية من الحوثيين وتدخلهم في عملها، وفرض شروطهم عليها، وتقييد وصول المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها، ورفض التعاون بإعداد قاعدة بيانات دقيقة للمستفيدين، على مدار السنوات التي سيطر فيها الحوثي وجماعته على كل آفاق حياة اليمنيين في المناطق الواقعة تحت سيطرته.
 
 قصة العشق الممنوع بين الطرفين كانت تظهر للعلن باستمرار، سواءً عبر تحقيقات صحفية دولية، أو عبر تقارير داخلية للمنظمات العاملة في اليمن، وشروع بعضها في تحقيقات حول قضايا فساد حدثت في مكاتبها باليمن كمنظمة الصحة العالمية التي صادرت الجماعة أجهزة الكمبيوتر المحمولة في صالة مطار صنعاء لاحتوائها على إدانات للمنظمة والحوثيين في قضايا فساد مرعبة ومخجلة لم تحدث في أي بلد بالعالم.
 
 فرض الحوثيون شروطهم ورقابتهم على المنظمات الدولية والمحلية، عبر ما أسموها بهيئة تنسيق المساعدات الإنسانية المعروفة اختصاراً بـ(النمشا)، ثم تطورت لاحقاً إلى مجلس أعلى يهيمن عليها عبدالمحسن الطاووس المشرف الحوثي السابق على محافظة ذمار الذي خرج منها بفضائح مدوية حول مصادرة أراض واسعة والاستيلاء عليها.
 
 تلك الهيئة تطورت بطريقة بيكومونية/حوثية عجيبة إلى مجلس أعلى بقرار إنشاء أصدرته سلطات الجماعة، ولا يستند عمله إلى أي قانون كما كان حال الهيئة.
 
 بعد فضائحها المدوية، وقعت الجماعة اتفاقاً مع برنامج الغذاء العالمي حسب رؤية الحوثيين، لتعيد نشاطها المعلق بتوزيع المعونات الإنسانية، ولكن هذه الفترة من الصمت أو الهدنة بين الجانبين لم تصمد.
 
 في إحاطات أممية أعاد ممثلو المنظمات الدولية شكواهم واتهام الحوثي بعرقلة وصول المساعدات للمستحقين وفرض القيود على حركة العاملين الدوليين وفرق توزيع المساعدات، بل ومنع موظفين دوليين كبار من دخول اليمن وإعادتهم من مطار صنعاء بطريقة وقحة.
 
 مقابل هذه الاتهامات، صرح الطاووس الحوثي بأن هذه المنظمات تقوم بعقد "دورات سرية" قال بأنها تستهدف عقائد وأخلاق اليمنيين، وأنها تدفع الأموال للحصول على معلومات استخباراتية، وهذه التصريحات سبقتها بفارق أيام تصريحات لمحمد علي الحوثي الهامور الكبير في الجماعة وعضو المجلس السياسي الأعلى الذي هو نفسه رئيس اللجنة الثورية المفترض حلها قبل سنوات، لأن عملها يناقض عمل وغاية تشكيل المجلس السياسي الأعلى يوم كان أعضاؤه من الحوثيين وحزب المؤتمر.
 
 تصريحات محمد علي الحوثي اتهمت المنظمات الدولية بالفساد واستغلال أموال المانحين في غير مجالها، ولأن الرجل الهامور يعمل عبر شبكة واسعة من الفاسدين المدعومين منه والمشمولين برعايته وحمايته، فإن أي محاولة للتصحيح تبذلها المنظمات الدولية تتعرض للانتقاد والرفض من قبله ومن قبل جماعته.
 
 فرض الحوثي لنفسه عبر هيئة تنسيق المساعدات/المجلس الأعلى مؤخراً، اقتطاع نسبة 1% من كل أموال المانحين التي تدخل اليمن دون أي قانون، وهذه النسبة تترجم سنوياً إلى ملايين الدولارات، لكنها ليست كل ما يحصل عليه.
 
 تتعاقد المنظمات بمشاريع بملايين الدولارات وترسيها بضغوط الجماعة على أتباعها الذين أسسوا منظمات مدنية خاصة لهذا الغرض، دون إعلان أية مناقصة كما يفرض القانون، وفرض مرتبات شهرية بآلاف الدولارات لمستشارين إجباريين ووهميين لتلك المنظمات لتبرير دفع تلك المرتبات.
 
 لا يمكن لمنظمة دولية إرساء مشروع على أية منظمة محلية دون موافقة الحوثيين، وهذا يوجه كل مشاريعها مؤخراً إلى منظمات وهمية أسسها أتباعه عبر هيئة الطاووس ومؤسسة بنيان الشبيهة بجمعية الإصلاح الخيرية في عهد الإصلاح.
 
 أيضاً لا يمكن لأية منظمة محلية حصلت على مشاريع ممولة من المنظمات الدولية ولم يجد الحوثي ذريعة لتوقيفها، أن تنفذ أي نشاط دون تصريح مسبق من الطاووس، حتى على مستوى الاجتماعات واللقاءات وتنفيذ الدراسات البحثية، ويطلب كل الوثائق الخاصة بتلك النشاطات حتى أسماء المشاركين والمدربين، ويمكنه شطب أي اسم، ورفض أي نشاط، وقام بمنع عشرات الأنشطة في مناطق سيطرته، واعتقل الأمن القومي الخاضع للجماعة دفعة واحدة 20 صحفياً وناشطاً، منهم نقيب الصحفيين الأسبق عبدالباري طاهر بصنعاء، لأنهم حضروا لقاءً يدعو للتسامح ورفض لغة الكراهية في وسائل الإعلام.
 
 كما أن أي نشاط يدعو للسلام يتم حظره مباشرة، لأنه يحد من قدرة الجماعة على حشد المقاتلين، لدرجة أن وكالة التنمية الألمانية بصنعاء غيرت اسم أحد أهم مكوناتها باليمن من مكون السلام إلى تسمية أخرى.
 
 الاتهامات الموجهة من الحوثي والطاووس شديدة الخطورة على حياة العاملين في هذه المنظمات الدولية والمحلية، لأنها قدمتهم كمجموعة من العملاء والجواسيس لأمريكا، وهذا يشبه نهج القاعدة عندما تعدم الذريعة لانتقاد طرف آخر لا يعمل وفق عقيدتها.
 
 يمضي الحوثي قدماً في فرض قيوده على كل آفاق الحياة لليمنيين، وكل من يمكن أن يمد لهم يد العون، وأصبح لديه موظفون من أتباعه لدى كل المنظمات الدولية في اليمن يتعامل مع تلك المنظمات وفقاً لتقارير هؤلاء الذين يعملون لحسابه بينما يستلمون مرتباتهم من تلك المنظمات التي يتجسسون عليها، ويرفعون الوشايات بموظفيها من اليمنيين لتقوم الجماعة بمضايقتهم أو فرض بدلاء عنهم على تلك المنظمات، وبعضهم غادر اليمن مؤخراً هرباً من وشاية زملائه الحوثيين وملاحقة جماعتهم.
 
 الغريب في الأمر أن هذه المنظمات تلتزم الصمت أمام كل شروط الحوثيين وقيودهم، ولا يرتفع صوتها إلا إن ظهر الأمر للعلن، أو تعرض المسؤول الأول فيها للمضايقة أو الاتهامات الحوثية، لكنه يرتفع لفترة مؤقتة، ثم يعود للصمت وتبادل المنافع بين الجماعة والمنظمات، الأصدقاء سراً، الأعداء علناً، كأي قصة عشق ممنوع بين المحارم.