Image

الموظفون النازحون في العاصمة المؤقتة.. ما بين مرارة النزوح وتقطع الراتب

الموظفون النازحون في اليمن .. معاناة جديدة تضاف إلى سلسلة المعاناة التي يعيشها أبناء الشعب اليمني جراء استمرار الصراع المسلح في البلاد منذ 2015, والذين يخوضون فيه جهادا من نوعا آخر , جهاد البحث عن لقمة العيش ضلوا لسنوات يسعوا إلى توفيرها من خلال ضمان راتب يعيشهم بكرامة , ولكن فجاء اختفى ذلك جراء الواقع الصعب الذي فرض على معظم أبناء البلاد .
 
وذكرت تقارير صادرة عن الأمم المتحدة أن إجمالي عدد موظفي اليمن يقدروا بنحو 1.2 مليون موظف.. 50% من عدد الموظفين في القطاع العام حاليا يعانوا من انقطاع رواتبهم , الأمر الذي ساهم في خلق موجة جديدة لم تشهدها البلاد من قبل وهي موجة النزوح من اجل لقمة العيش .
 
وجع النزوح
بحسرة ووجع تعبر أم محمد - النازحة من محافظة صنعاء منذ 2017 إلى عدن والتي تعمل معلمة - عن معاناتها مع النزوح وانقطاع راتبها لسنوات , وسعيها المستمر لدا وزارة المالية والخدمة المدنية والتربية بعدن لصرف راتبها الذي بالكاد يغطي نفقات أسرتها المكونة من 5 أولاد وزوجها العاطل عن العمل بعدما كان يعمل في قطاع خاص بصنعاء ."
وتضيف أم محمد , " تكاليف السكن أصبح يشكل عبئا كبيرا مع استمرار ارتفاع الأسعار الجنونية التي لا تراعي فيها ظروف الآخرين , الأمر الذي اضطرتنا فيه إلى بيع كل ما نملك من ذهب وأشياء ثمينة من اجل توفير سكن مناسب لأسرتي خاصة وان زوجي حاليا يعمل في إحدى المطاعم براتب زهيد " .
   
أزمة رواتب للموظفين النازحين 
أزمة الرواتب لدى الموظفين النازحين جاءت منذ 2016 عندما تم نقل مقر البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن , والبدء في تنفيذ صرف الرواتب للموظفين المدنيين والعسكريين من عدن , بالإضافة إلى صرف رواتب الموظفين النازحين الذين يستلموا رواتبهم بعد عناء   .
 
بدوره يوضح رئيس ملتقى الموظفين النازحين في العاصمة عدن محمد العزيزي , " إن معاناة الموظفين النازحين في مناطق نزوحهم تتمثل أحيانا في صعوبة الدخول إلى المناطق المحررة لمتابعة رواتبهم , وعملية السمسرة والابتزاز للموظفين النازحين من العاملين في الجهات المختصة من أجل إعادة صرف رواتبهم , وطول مدة المعاملات المضنية من أجل إعادة صرف الراتب , والنظرة إلى الموظفين النازحين والتحريض عليهم كخلايا نائمة محسوبة على أطراف الصراع , والتقاعس عن وضع آلية واضحة لمعالجة ملف الموظفين النازحين التي تتفاقم مشكلتهم وتتزايد أعدادهم مع مرور الوقت ." 
 
ظروف وتحديات صعبة
" غلاء المعيشة وارتفاع الإيجارات في مناطق النزوح , وقسوة الظروف المناخية الحارة , و الاستيلاء على المساعدات الإنسانية المخصصة لهم وتوزيعها بطريقة غير قانونية وأحيانا بيعها في السوق السوداء , والعمل في مهن شاقة ومخجلة كباعة متجولين أو عمال بناء أو في بيع الخضروات والفواكه و القات والمياه الباردة في الجولات , ووقوع بعضهم عرضة للحالات النفسية والأمراض والأوبئة , والبعض توافاه الله نتيجة جلطة أو ذبحة قلبية مؤلمة أو انتحار بسبب الظروف التي يعيشونها و التصرفات التي يقابلون بها من المجتمع .. "
 
كل هذه المعاناة التي يعاني منها الموظف النازح وغيرها اختصارها محمد العزيزي .. و أضاف , " إن عدم الانتظام بصرف الرواتب للموظفين النازحين بصورة مستمرة نهاية كل شهر أسوة ببقية الموظفين يعتبر من أهم المشاكل التي توجههم , حيث يتم تأخير الصرف إلى شهرين وأحيانا إلى أربعة أشهر وقد يصل الأمر إلى مصادرة تلك المرتبات , كما حصل من مصادرة لرواتبهم للأربعة الأشهر الأخيرة من عام ٢٠١٨م ." 
 
وطالب العزيزي ," وضع حلول سريعة في معالجة مشكلة صرف مرتبات الموظفين النازحين والقطاعات التي تصرف رواتبها للأشهر السابقة من العام ٢٠١٩م التي لم تصرف حتى اليوم مع مرتبات يناير ٢٠٢٠م , و تشكيل وحدة لاستقبال الموظفين النازحين وإعادة إرسالهم إلى مكاتب جهاتهم وصرف مرتباتهم ومستحقاتهم المالية المنصوص عليها في قوانين الخدمة المدنية وقرارات مجلس الوزراء , وتوفير مخصص لبدل السكن لأسرهم حتى تزول أسباب نزوحهم ."
 
نزوح اضطراري
نائب مدير عام مكتب التربية والتعليم في محافظة البيضاء , ممثل المعلمين المنقولين والنازحين علي سليمان واصل يقول , " نحن نعاني من ظروف معيشية وإنسانية صعبة  , أنا وكثير من زملائي , حيث كان نزوحنا الأول في بداية العام 2015 ونزوحنا الثاني في منتصف العام 2017 بين محافظات أبين ، عدن ، لحج و الضالع , بسبب تحويل البيضاء إلى بؤرة صراع سياسي اضطرينا مجبرين الخروج منها ."
 
علي واصل نزح من محافظة البيضاء التي تعاني من صراع مسلح متواصل اضطر فيها الخروج إلى محافظة أبين مديرية خنفر منطقة جعار في 2017 , وجند نفسه للدفاع عن حقوق المعلمين النازحين في كل الجهات المعنية .
 
وأوضح واصل ," إن القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان يؤكدوا على قضية كرامة الإنسان وحريته والحفاظ على حقه في الحياة والأمان , ولكن ما يمارس على النازحين الموظفين من ظلم ومعاناة يجعل من هذا القانون حبر على ورق , وتطبيقه على مجموعة من النازحين وحرمان آخرين يجعله غير مجدي وعادل  ." 
 
وضع مأساوي وخوف من المجهول
يخشى الكثير من الموظفين النازحين في عدن إن يكون مصيرهم مثل مصير المعلم عبد الله عميره الذي مات بالسكتة القلبية قهرا وهو يبحث عن لقمة العيش ويحاول مواجهة الظروف الصعبة التي فرضت عليه وان تنتهي معاناتهم على هذه المعاناة . 
 
حيث قال علي واصل ," إن المعلم قبل الحرب كان راتبه يساوي حوالي 418$  بينما اليوم أصبح يساوي أقل 118$ , فكيف يلبي الاحتياجات الضرورية للعيش ؟ "
 
علي سليمان واصل تطرق إلى الأوضاع المأساوية التي يعانيها الموظف النازح في المحافظات المحررة والتي جعلته يبحث عن عمل آخر يستطيع يوفر فيه لقمة العيش في ظل ارتفاع الأسعار .. حيث بين ," إن هناك أسر مكونه من 6 أو 8 أفراد بمرتب خالي من إي حوافز أو زيادات , غير قادرة على توفير الاحتياجات الأساسية كإيجارات ، وتوفير المواد الغذائية والصحية ، والمدارس والأدوية , الأمر الذي يزيد من حجم المعاناة التي يعيشها الموظف النازح خاصة مع تجاهل متعمد لكافة النداءات والمطالبات بصرف المرتبات بالشكل المطلوب والذي يخفف من المعاناة  ." 
 
معاناة إنسانية متزايدة
الموظف النازح يعاني الآمرين في متابعة صرف راتبه بالشكل المطلوب , وتحمل مشقة الذهاب والإياب من والى عدن , ومتابعة الإجراءات التي تنفذ لصرف راتبه , وأحيانا للمشاركة في مظاهرات واعتصامات واحتجاجات متواصلة أثناء تأخر صرف المرتبات , والذي يعتبر بالنسبة له الملجأ الوحيد للعيش في مثل هذه الظروف القاسية .
 
ويقول علي واصل ," إن المشكلة الأساسية التي يعاني منها الموظف النازح وخاصة المعلم هو تأخر المرتبات بوقتها مثل باقي الموظفين المدنيين , وعدم صرف الزيادة 30 % وحرمانه من دعم برامج اليونيسيف ( الحافز)  , والأكثر من ذلك المقايضة بالراتب من خلال عدم صرفها إلا عبر كريمي البيضاء لإجبارهم مرغمين على العودة وفرض الدوام بشكل إلزامي خاصة في هذه المرحلة الصعبة التي  تمر بها البلاد بعد حرمانهم الدعم الإغاثي الإنساني والمساعدات النقدية الطارئة من المنظمات منذ 2019 والذي زاد من الهموم والتفكير في كيفية السعي خلف القمة ."   
 
وزارة المالية .. 30 ألف موظف من النازحين  
وزارة المالية في عدن تبين " إن عدد الموظفين النازحين الموجودين في سجلات الوزارة بلغوا قرابة 30 ألف موظف وموظفة يستلموا مرتباتهم ضمن قوائم النازحين بعد إن يتم استكمال كافة الإجراءات المتعلقة بصرف المرتبات في المناطق المحررة ".
 
وبينت الوزارة عبر مصدر لها لم يشاء ذكر اسمه ," إن تأخير تسليم المرتبات في بعض الشهور يكون بسبب عدم توفر السيولة في البنك المركزي , وتأخر في بعض الإجراءات الفنية والإدارية , ورغم ذلك الوزارة تعي أهمية المراتب لدى الموظف النازح في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد وكمية المعاناة التي يعانيها النازح بسبب النزوح ."
 
وهنا يؤكد رئيس ملتقى الموظفين النازحين في العاصمة عدن محمد محمد العزيزي , "  انه لا يوجد إحصائية دقيقة للعدد الإجمالي من الموظفين النازحين في عدن , لكن نستطيع القول أن عدد من سلموا وثائقهم من أجل الحصول على مرتباتهم إلى الجهات المختصة بالحكومة في عدن ومكاتبها بالمحافظات المحررة يقدروا بـ 90 ألف موظف وموظفة على وعد بإعادة صرف رواتبهم , حيث تم صرف رواتب ما يقارب بـ 30  ألف موظف وموظفة حتى اليوم من إجمالي عدد الموظفين النازحين الذين تقدموا بملفاتهم ."