كيف ينبغي أن ننظر إلى اليمن؟

09:49 2022/10/19

تمثل الأوطان عاملا هاما في استقرار الشعوب وتحقيق التطور وبناء الحضارات، ولذلك يعد استقرارها ضرورة لتنمية قدرات الناس وتحقيق متطلباتهم، وترتبط أهمية الأوطان كونها تؤسس لقيم ومبادئ الشعوب وتعزز تطورها وتجربتها. وهذا ينطبق على اليمن التي تمثل عمقا سياسيا وتاريخيا وحضاريا كبيرا وهاما.
 
ويعتبر حب الوطن واجبا دينيا وأخلاقيا، أولاً تقره كافة الأديان والشرائع الإنسانية. وحب الوطن شعور إنساني وفطري جبل عليه الإنسان، وجاء الإسلام ليزيده تأكيدًا. ومحبة الوطن شيء يتطبع عليه الإنسان السوي وتبقى عاطفة نفسية تجيش في الأعماق وسائر العواطف الأخرى.
 
ويبقى ارتباط الإنسان بوطنه وبلده ومسقط رأسه مسألة روحية مرتبطة بالنفس والوجدان الداخلي. فالإنسان الطبيعي المحب لوطنه لا ينبغي أن يحبس حبه لوطنه فقط في صدره ونفسه أو في الشعارات التي يرددها من وقت لآخر، وإنما في أفعال حقيقية تعبر عن صدق الانتماء، وتسهم بشكلٍ فعال في إعلاء مصلحة الوطن العليا والعمل الحقيقي والدؤوب في الإعلاء من شأنه وبناء نهضته وتطويره.
يتحدد الانتصار للوطن عندما نشعر بحقيقة المحافظة عليه في شعورنا الداخلي، وليس في الخارج. وعندما يشعر الشخص بأن ضميره مرتاح وعقله مستقيم، فهذا هو الانتصار الحقيقي. لذلك يرتبط ذلك بما نطرحه عن اليمن، حيث لا يحق لنا عندما نتحدث عن شأن يهم وطننا ان نطرحه كمجرد كلام ونمشي، ولكننا إن لم نقف حول موضوع وطننا وما يواجه اليمن من تحديات وتآمر في وقفة حقيقية، لإعطاء فرصه لأنفسنا ولوطننا، وسننتصر عندما نعطي فرصة لأنفسنا لنأخذ المكان والموقف الصحيح والصارم، وعندما نتجنب الخطأ حتى ولو بعد الاطلاع عليه.
 
كما يجب التفريق هنا بين الشخص المتردد وغير السوي وهو ذلك الذي يخطئ في حق وطنه وفي نفس الوقت يستمر على الخطأ، فالكلام هنا ليس لمن نتحدث عنهم، ولكن إلى من نتحدث إليهم في إطار ممارستهم الديمقراطية في مساراتها وأطرها الصحيحة، وفي نفس الوقت نزيد من قدرة المواطن اليمني على الاطلاع والفهم، وهو واجب أساسي ومن مسؤوليات المسؤول في الدولة من الصغير إلى الكبير، فعند طرح أي موضوع يهم الوطن اليمني لا يكفي الإجابة على الشخص المعني، وإنما يجب أن نتوسع في الطرح لقضايا الوطن اليوم الشائكة والمعقدة. 
 
فاختراق اليمن تعاظم ما بعد 2011، وكذلك بعد فترة قصيرة من اندلاع ثورة 26 سبتمبر، الدعم المالي الخارجي وخلق عملاء كثر وولد دولة مخترقة، فمراحل سقوط الدولة توالت في الظروف الحساسة والمفصلية، وفي أدق التحولات ما بعد الربيع العربي حيث اتسعت التدخلات لنخب السياسيين والحزبيين والصحفيين، حتى أصبح معظم النخب السياسية مجرد أدوات في وطنهم لأطماع الخارج.
الشعب والمجتمع اليمني الذي لم يعرف الطبيعة الحقيقية للدولة ولوجودها، حتى إنه من المؤسف أن نلحظ تلك الطريقة التي دأبت وتربت عليها النخب السياسية اليوم على العمالة، وكيف ألا تكون مسألة الإيمان بوجود الخارج ضرورية، في فترات ومنعطفات تاريخية من الصراع الكبير على السلطة والثروة، ذلك الصراع الذي نتج عن وجود شخصيات معينه من النخب السياسية والحزبية والمشائخ والوزراء والقيادات العسكرية التي تُدعم من الخارج.
 
فما يحدث حاليًا باليمن يعد تجاوزاً واضحا لحق الشعب اليمني في العيش بحرية وسلام، وفي أن يكون شعبا حقيقيا ومحوريا يستنهض ذلك من استلهامه من تاريخه العريق والضارب في القدم، ولذلك جرى ضربه وفق مخطط دولي وإقليمي ولوضعه ضمن خطة التقسيم والتدمير والعبث بمقدراته، كما حدث في السودان ويحدث حاليًا في العراق، و هذه الخطة أنتجت عملاء لأعداء اليمن والغرب حتى وصلوا لتدمير اليمن ولوضعهم في سدة الحكم من خلال تقوية ودعم أطراف ذات نهج مناطقي وديني وفئوي وطائفي كعملاء، رتبوا لتدمير اليمن وتقسيمه وتنفيذ أجندات محدده وليس من أجل المحافظة على اليمن، فالشعب اليمني لن يقبل بهذه القوى المتطرفة طال الزمن أو قصر، وحتماً سيستعيد الوطن استقلاله وسيادته.
 
اليمن بحاجة إلى دولة ذات مؤسسات وطنية صارمة ونظام تحد من أن يمد اليمنيين أيديهم للخارج حتى لا يتحولوا إلى عملاء للخارج. كما نحن بحاجة إلى منظومة قوانين تحرم الدعم المالي والسياسي والاقتصادي لأي تيار سياسي أو تنظيم جماهيري داخل اليمن ويمارس عمل سياسي من أي دولة كانت ضد اليمن ودستورها ويهدد سيادتها ووحدتها الجغرافية والسكانية.
 
*رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الاستراتيجية
19 أكتوبر 2022