الوحدة اليمنية فعل إيجابي ومنجز حضاري

01:46 2023/05/21

تنقسم الأفعال البشرية إلى قسمين أفعال إيجابية وأفعال سلبية، وذلك لأن الأولى تكون نتائجها ومردوداتها على الفرد والمجتمع إيجابية، بينما تكون نتائج ومردودات الثانية سلبية على الفرد والمجتمع. والوحدة والتوحد والاتحاد من الأفعال الإيجابية التي لا خلاف عليها، بينما التفرق والشتات والانقسام والتشظي من الأفعال السلبية، وما توحد قوم إلى عزوا ولا تفرقوا إلا ذلوا، كما أن الشرع  يدعو إلى الوحدة والتوحد ويثني عليها، قال تعالى (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا)، بينما ينبذ الشرع التفرق والانقسام وينهى عنه قال تعالى (ولا تفرقوا فتذهب ريحكم)، كما أن العقل يؤيد الوحدة ويستسيغها ويقبل بها ويرفع من شأنها، لأنها تعود بالخير والفائدة والمصلحة على الفرد والمجتمع ، ففي الوحدة والتوحد والاتحاد قوة وعزة ومنعة، كما أنها تساهم في توفير بيئة أكثر ملائمة للتنوع والتعدد والإبداع والتنافس الإيجابي على كل المستويات وفي كل المجالات، وتوفير مناخ مناسب لنهضة اقتصادية وعلمية وثقافية وتنموية شاملة. 
 
ولم تكن الوحدة والتوحد والاتحاد يوماً فعلا سلبيا إلا في مخيلة عقول منغلقة ومأزومة ونفسيات غير سوية، تدفعها بعض المصالح السياسية والاطماع السلطوية الضيقة وتتحكم بها مشاريع مناطقية وإنفصالية صغيرة. وهكذا دعوات للقيام بهكذا أفعال سلبية حتماً لا تصدر إلا من أفراد وجماعات سلبية أعمتها أطماعها ومصالحها السلطوية الآنية عن السير في طريق الصواب والايجابية. فالدعوة للانفصال والشتات والتفرق فعل سلبي ومرفوض عبر التاريخ البشري، وكل القيادات التي تدعو إليه أو تقوم به يسجلها التاريخ في صفحاته السوداء، بينما نشاهد التاريخ وهو يمجد ويمدح القيادات التي قامت بإنجاز فعل وحدوي لمجتمعها وشعبها وأمتها، ويسجلها في أنصع صفحاته الزعيم علي عبدالله صالح رحمه الله ونائبه علي سالم البيض أنموذجاً، فعلى يديهما تحققت الوحدة اليمنية المباركة، وبإصرار وتمسك الزعيم بها والدفاع عنها استمرت ليدخل التاريخ من أوسع أبوابه كواحد من القادة اليمنيين العظماء الذين وحدوا اليمن أرضاً وشعباً وهويةً ووطنا وكيانا وحضارة. 
 
وبعد مرور أكثر من ثلاثة عقود من تحقيق الوحدة اليمنية، ها هو هذا المنجز التاريخي والحضاري العظيم يواجه تحديات كثيرة ومشاريع مناطقية وانفصالية صغيرة ومتعددة تسعى جاهدة لإعادة عجلة التاريخ اليمني إلى الوراء من خلال تمزيق اليمن إلى دويلات وأقاليم، في فعل سياسي سلبي يتعارض مع الشرع والعقل والمصلحة الوطنية والقومية ويتعارض مع رغبة الغالبية العظمى من أبناء الشعب اليمني الذين وجدوا في الوحدة اليمنية القوة والعزة، والتي أزاحت من طريقهم تلك الحدود الشطرية التي كانت تفصل بين أبناء المنطقة الواحدة والأسرة الواحدة والتي أعادت اللحمة اليمنية لينعم أبناء اليمن بالحرية في التنقل والاستثمار والعمل في كل مناطق اليمن، ولتتوسع في وجوههم آفاق الحياة بسعة أرض اليمن الواسعة وتنوعها الجغرافي والبيئي والثقافي والزراعي والمناخي والحضاري. 
 
ولا يتسع المجال هنا لسرد الإيجابيات الكثيرة التي حققتها الوحدة اليمنية لكل أبناء اليمن، ومن لم يتجرع مرارة الحدود الشطرية والحروب الشطرية وآثارها السلبية في كل المجالات، حتماً لا يدرك نعمة الوحدة وقيمة الوحدة والمردودات الإيجابية التي حققتها الوحدة. قد تكون هناك بعض السلبيات التي رافقت الوحدة وخصوصاً بعد حرب الانفصال في عام 1994، لكنها كانت فردية ومحدودة ناتجه عن نزعة نفعية وحزبية واستحواذية، ولم تكن يوماً نزعة جماعية ورغبة انتقامية، كما يراد لها اليوم أن تكون من أصحاب المشاريع المناطقية والانفصالية الذين يعملون علي إثارة الأحقاد والكراهية والعنف بين أبناء المناطق الجنوبية وإخوانهم من أبناء المناطق الشمالية الذين تعايشوا مع بعضهم لأكثر من ثلاثة عقود في وئام واتفاق ومحبة وسلام. إنها الأطماع السلطوية التي تذهب بهؤلاء لتبني هكذا دعوات سلبية وعدوانية ضد إخوانهم من أبناء المناطق الأخرى، فهم يرون في الانفصال وتقسيم اليمن إلى دويلات الفرصة المناسبة للحكم والسيطرة ، وفي سبيل ذلك هم على استعداد للقيام بكل الافعال السلبية مهما كانت عواقبها ونتائجها كارثية. 
 
وهناك من يذهب إلى أن هناك دولا عربية تدعم تلك الجماعات المناطقية والانفصالية وتدعم تقسيم اليمن وتمزيقه وإنهاء وحدته، لا أعتقد أن قادة تلك الدول يدعمون هكذا أفعالا سلبية تتعارض مع الشرع والعقل ومع المصالح القومية العربية عموماً ومع المصالح الخليجية على وجه الخصوص، ولا يمكن لقيادات مسؤولة أن تعمل على دعم هكذا مشاريع تؤثر بشكل سلبي على مصالحها الوطنية والقومية إلا اذا كانت تعاني من غباء سياسي أو بلادة سياسية مستفحلة، فالوحدة اليمنية لم ولن تمثل يوماً تهدبدا لأحد، بل كانت وما تزال رافد قوة ودعم لكل الدول العربية، ومشروع سلام ومحبة وتعايش سلمي مع جميع دول العالم والحفاظ على الوحدة اليمنية ودعمها واجب ديني وإنساني قبل أن بكون واجب وطني وأخوي وقومي وعربي. 
 
وليس من مصلحة أحد محاربة هذا المنجز العربي الإيجابي والحضاري وخصوصا الأشقاء العرب، وهو ما يجعلنا نقف كثيراً ونفكر كثيرا قبل أن نأخذ هكذا توقعات مأخذ الجد، خصوصا ومواقف تلك الدول الرسمية تلتزم وتتمسك بوحدة اليمن قرارات قمة جدة إنموذجا، وإذا كانت هناك سياسات غير رسمية لهذه الدول تدعم الجماعات الانفصالية فإنها ترتكب بذلك خطأ سياسيا واستراتيجيا وقوميا كبيرا سيكون له عواقب سلبية على اليمن والمنطقة، فمن يتبرأ من انتمائه الوطني لن يتردد في التبرؤ من انتمائه القومي، ومن يقبل بتقسيم وطنه وشعبه من أجل مصالح سياسية واطماع سلطوية، لن يتردد عن جحود ونكران فضل كل من مد يد العون له في سبيل الحفاظ على مصالحه واطماعه، ومن حق أبناء أي منطقة إعلان الانفصال عن أي فعل وحدوي إذا ترتب عليه آثار سلبية على حياتهم ، فالوحدة رغبة وشراكة، والوحدة اليمنية عم خيرها ومشاريعها كل ربوع الوطن، ففي عهدها عاش المواطن اليمني الحرية والديمقراطية والمشاركة السياسية ولو لم تحقق الوحدة إلا هذا المنجز العظيم لكان كافياً ليضعها كل مواطن تاجاً فوق رأسه ويدافع عنها بكل ما يملك.