ترتيب الأولويات السياسية .. والمصالح العليا للوطن ..!!

12:08 2023/07/29

لكل إنسان أولوياته المتنوعة والمتعددة في هذه الحياة ، سواء كانت شخصية أو دينية أو قومية أو سياسية أو إنسانية ...الخ ، والاختلاف بين الناس يكمن في ترتيب تلك الأولويات ، والإنسان الناجح هو من يرتبها بحسب أهميتها الأهم فالأهم ، فالترتيب الصحيح لها يعود عليه وعلى مجتمعه ووطنه والإنسانية جمعاء بالخير والصلاح والسعادة والعكس صحيح ، فعلى سبيل المثال الولاء للوطن يجب أن يكون مقدماً على الولاء للحزب ، لأن الوطن ومصالح الوطن وأمنه واستقراره وسيادته أهم بكثير جداً من الحزب ومصالح الحزب ، وإذا تعارضت مصالح الوطن مع مصالح الحزب ، يجب الوقوف مع مصالح الوطن والتخلي عن مصالح الحزب ، لأن مصالح الوطن أهم بكثير من مصالح الحزب ..!!

وذلك لأن الحزب جزء من الوطن وليس الوطن جزء من الحزب ، فالوطن هو الكل لأنه أشمل وأكبر من الحزب ، فهو يحتوي على العديد من الأحزاب ، وتضرر مصالح الجزء ( الحزب ) لن يلحق الضرر بمصالح الكل ( الوطن ) ، بينما تضرر مصالح الكل ( الوطن ) حتماً سيلحق الضرر بمصالح كل الأجزاء ( الأحزاب ) ، لذلك يجب أن تعطى الأولوية لمصالح الوطن في سلم الأولويات السياسية ، فالدفاع عن مصالح الوطن والحفاظ عليها هو دفاع عن مصالح الحزب ومحافظة عليها ، وضياع الوطن ومصالحه هو بدون شك ضياع لكل الأحزاب ومصالحها ، ولا قيمة ولا وجود للأحزاب بدون وطن يضمها ويجمعها ويوفر لها البيئة المناسبة للحركة والتفاعل ..!!

كما أن الوطن ثابت ومستقر ( أرض وموقع وهوية وإنتماء وسكن وأهل ووجود وبقاء ) بينما الحزب متغير ومتبدل ( أفكار وآراء واجتهادات وبرامج ) ، وبالإمكان تغيير الأحزاب لأفكارها وآرائها وبرامجها استجابة لمتغيرات وظروف الحياة ، لكن من الصعب تغيير الأرض والموقع والهوية والأهل والإنتماء ، وبذلك فإن الأولوية يجب أن تعطى للثابت وليس للمتغير ، فمن السهل أن تغير الأفكار والأراء إذا استدعت الضرورة ذلك ، وذلك في حال تعارضها مثلاً مع مصالح الوطن وثوابته ، لكن من الصعب أن تغير أرضك وهويتك وانتماءك وسكنك وأهلك ، من أجل ذلك يجب عقلاً ومنطقاً ومصلحةً أن يكون الولاء للوطن مقدم على الولاء للحزب  ..!!

وبذلك فإن تقديم الولاء للحزب على الولاء للوطن فعل يتعارض مع العقل والمنطق وحتى المصلحة ، كما أنه يسبب خلل كبير في سلم الأولويات السياسية ، لأنه يجعل الشخص المتحزب بوعي أو بدون وعي يقدم مصالح حزبه على ما سواها حتى وإن كانت تتعارض مع مصالح وطنه ، وحتى لو ترتب على ذلك الموقف إلحاق الضرر بالوطن ومصالحه وأمنه واستقراره وسيادته ، وهكذا مواقف تحدث بشكل واسع خصوصا في المجتمعات المتخلفة والمتعصبة ، فالتعصب الأعمى للحزب قد يدفع الشخص المتحزب بوعي وبدون وعي إلى محاربة مصالح وطنه ، وإلى المشاركة في إقلاق الأمن والسكينة العامة ، وإلى جر الوطن إلى مربعات العنف والصراع والفوضى ، وهو ما قد يؤدي إلى فقدان الوطن لسيادته واستقلاله وبضياع الوطن يضيع كل شيء ..!!

فالعنف والفوضى والصراع الداخلي ليس من مصلحة الوطن ، بينما قد يكون ذلك في مصلحة حزب ما ، والولاء والتبعية لجهة خارجية ليست من مصلحة الوطن ، بينما ذلك قد يكون من مصلحة حزب ما ، في سبيل حصوله على الدعم والمساعدة من تلك الجهة الخارجية ، والتمرد والانقلاب العسكري على نظام الحكم الديمقراطي التعددي ليس في مصلحة الوطن ، بينما قد يكون ذلك الفعل في مصلحة حزب ما ، يرى في الديمقراطية العائق الأكبر أمام وصوله إلى السلطة نظراً لعدم امتلاكه قاعدة شعبية تؤهله لتحقيق ذلك بالطرق السلمية ...الخ ، وهكذا مواقف تؤكد وجود تعارض بين المصالح العليا للوطن وبين مصالح بعض الأحزاب ، من أجل ذلك يجب على كل مواطن عاقل يريد الخير لنفسه ولوطنه أن يقدم الولاء لوطنه على الولاء لحزبه ، فالحزبية على كل حال وسيلة وليست غاية ، وسيلة في سبيل التنافس الايجابي لخدمة الوطن ، ومن غير المعقول أن تصبح الوسيلة غاية ، إلا عند الجهلة والمتعصبين والمغفلين ..!!