العواطف والانفعالات في زمن الحروب والأزمات ..!!

04:52 2023/10/08

بداية ..... 
ولتوضيح الموقف نحن مع قيام دولة فلسطينية على كامل التراب الفلسطيني ، ونحن مع تحرير القرار السياسي العربي في كل العواصم العربية من هيمنة وتدخل اصحاب المشاريع التوسعية الخارجية بكل أشكالها وانواعها ومسمياتها ، نحن مع وطن عربي حر ومستقل ، وهذا موقفي وموقف كل عربي حر وغيور ومتحرر من تأثير التعصبات المذهبية والطائفية بكل أشكالها ، والتي قد جعلت بعض العرب بعلم او بدون علم يخدمون مشاريع توسعية خارجية على حساب استقلال وكرامة وسيادة اوطانهم ، ويقبلون بأن تصبح أوطانهم تحت وصاية تلك المشاريع الخارجية بدوافع قد تكون طائفية أو مذهبية أو حزبية ، بل قد وصل الحال بالكثير منهم إلى القتال في صفوف تلك المشاريع وصولا إلى إخضاع أبناء شعوبهم للاستعمار الجديد المغلف بغلاف طائفي أو مذهبي ، تحت تأثير العواطف والانفعالات التي يجيد اصحاب المشاريع التوسعية اللعب على وترها ، فتراهم تارةً وهم يرفعون شعار الدين وتارةً وهم يرفعون شعار تحرير فلسطين ، وتارةً وهم يرفعون شعار محاربة الارهاب ، وتارةً وهم يرفعون شعار العداء لأمريكا والغرب ... وهكذا ، لديهم قدرة وخبرة كبيرة في دغدغة عواطف وانفعالات الشعوب العربية ، لدرجة أن العديد من أبناء هذه الشعوب قد يتصرفون ضد مصالح أمتهم وأوطانهم ..!!

ومن خلال قراءة التاريخ فالشعوب العاطفية والانفعالية تتلقى دائماً ضربات موجعة ومؤلمة في كل مواقفها ومعاركها ، لأنها لا تقرأ الموقف والمشهد بعين العقل من كل الزويا والاتجاهات ، فالعواطف والانفعالات لا تصنع النصر ، لأنها لا ترسم الصورة الكاملة لنتائج وتداعيات الحرب ، فقد تدفع بدخول المعركة تحت تأثير الانتقام او تحقيق نصر مؤقت أو لتحقيق مكاسب سياسية ، ولكنها لا تضع الخطط الكفيلة بتحقيق النصر الكامل وبمواجهة تداعياتها ونتائجها الكارثية أو على الإقل الخروج بأقل الخسائر ، لذلك يظل الاعتماد على الله تعالى ثم على العقل في مثل هذه المواقف هو الافضل ، فالعقل قد يمنع الاندفاع العاطفي والانفعالي من خوض معركة ستكون نتائجها سلبية وخسائرها كارثية ، وكان ولا يزال الاندفاع العاطفي والانفعالي العربي في مواقفهم المختلفة سبب انتكاساتهم المتكررة عبر التاريخ ، فليس من العقل والمنطق والحكمة والشرع ان تدخل حرب لا تعرف نتائجها ولا تداعياتها ولا تضمن النصر فيها ، لأنك بذلك تمنح عدوك المبرر للانتقام منك وتدمير كل قدراتك وامكانياتك وقتل المزيد من أبناء شعبك ، فالعمل البطولي بدون تعقل وتبصر قد يتحول إلى مأساة وكارثة لا يحمد عقباها ..!!

نعم نحن العرب طموحاتنا كبيرة وأحلامنا أكبر ، لكن الواقع دائما يحول دون تحقيق ذلك ، بل إن الفشل والانتكاسات تلاحقنا في كل تحركاتنا وتصرفاتنا ومعاركنا ، ليس لعجز فينا ولا لقلة ولا لخوف ، بل لسيطرة انفعالاتنا وعواطفنا على كل تفكيرنا ومشاعرنا ومواقفنا ، وتعطيل عقولنا عن التفكير الحر والمفتوح ، التفكير العقلاني والموضوعي الشامل لكل ما يدور حولنا ، التفكير الكفيل بجعلنا ندرك من يقف معنا ومن يقف ضدنا ، من يستغلنا ومن يستغفلنا لنكون مجرد ادوات تخدم مشاريعه ومصالحه وسياساته ، التفكير الذي يجعلنا نقدم مصالح أمتنا وأوطاننا على المصالح الحزبية والطائفية والمذهبية والشخصية الضيقة ، التفكير الكفيل بإنقاذنا من التهور والطيش والمغامرة ، التفكير الذي يمكننا من تسخير كل ما يدور حولنا في مصلحتنا ومصلحة قضايانا ، التفكير الذي يحررنا من التبعية والانقياد خلف الاخرين وخدمة مشاريعهم ومصالحهم على حساب قضايانا ومصالحنا ..!!

نعم نحن العرب في أمس الحاجة إلى كبح جماح مشاعرنا وعواطفنا وانفعالاتنا ، التي تكون في كثير من الاحيان سبب فشلنا وعجزنا وخسارتنا ، والتي تجعلنا بدون علم نقدم الخدمات المجانية لأعدائنا للبطش والتنكيل بنا والسخرية منا ، والسيطرة على قرارنا واستعمار ارضنا ، والتي تجعلنا نندفع ونتفاعل ونتفاخر لوقت قصير ، وتجعلنا نحزن ونتألم وندفع أثمان باهضة لوقت طويل ، وفي نفس الوقت نحن في أمس الحاجة لتفعيل عقولنا من خلال قراءة كل ما يجري حولنا من كل الزوايا ، قراءة موضوعية وعقلانية وتحليلية لكل جزئياته وتفاعلاته ، القراءة التي تجعلنا ندرك من هو الطرف المستفيد مما يجري حولنا ، وندرك حجم الخسائر والنتائج السلبية المترتبة على ذلك ، القراءة التي تجعلنا نكسب الموقف او المعركة او على الاقل تجعلنا نخرج بأقل الخسائر ، القراءة التي لا تجعلنا ندخل معركة خاسرة معركة ندفع فيها تضحيات جسيمة وخسائر فادحة ، مقابل تضحيات وخسائر محدودة من الطرف الآخر ، القراءة التي تجعلنا نحرم عدونا من تحقيق أهدافه وغاياته وسياساته على حساب أرواح شعوبنا ومكاسب ومنجزات اوطاننا ، القراءة التي تجعلنا نحسب لكل صغيرة وكبيرة حسابها ، القراءة التي تجعلنا نناصل ونكافح ونعمل ونبحث وندرس حتى نتملك كل مفاتيح النصر الكامل والشامل ، عندما نصل إلى هذه المرحلة ونتمكن من كبح عواطفنا وانفعالاتنا ، ويصبح العقل والفكر هو دليلنا ومرشدنا نكون أكثر قربا من تحقيق طموحاتنا وتحرير اوطاننا ..!!