حسين الحلالي .. الرحيل الكبير والخطب الجلل.

08:49 2024/03/31

في رثاء الفقيد الأستاذ الدكتور حسين محمد الحلالي، لا أدري من أين أبدأ، و إلى أين سينتهي بي الرثاء! كيف يمكن الوقوف أمام حدث أليم بهذا الحجم؟.
الخسارة كبيرة والرحيل فاجعة وصدمة للقريب والبعيد، والكتابة في هذا التوقيت لن تكون سوى مواساة لأوجاعنا التي تنبت بين الأجفان وفي حنايا القلوب، وتخفيفاً لصدمتنا التي كسرت الخواطر وأوقعتنا في موجة من الحزن والأسى.

أتحدث عن الدكتور حسين الصديق منذ عقود والأخ منذ زمن، رفيق المرضى ومخفف الآلام؛ الباحث عن مكامن الإنسان. كان طبيبًا جديرًا بالتقدير والاحترام، وأبًا حنونًا. كان أخًا كريمًا للجميع ومعلمًا ملهمًا، تميز في صباه وفي شبابه حتى وصل إلى مرحلة من النضج العلمي حتى بات ذو شأن في مجال تخصصه. عُرف عنه صبره وحلمه وهدوءه، وصدقه وجديته في التحصيل العلمي.

الدكتور حسين رحمة الله عليه من أسرة كريمة طيبة ومعطاءة؛ فوالده الدكتور محمد الحلالي رحمه الله من أبرز الأطباء بعد ثورة سبتمبر وقد تخرج من الإتحاد السوفيتي في ستينيات القرن الماضي، وكان لطيفًا ودودًا، متواضعا، لا يُمل له حديث. كنت عند زيارتي لأخوتي استمع بحب وشغف لحديث العم محمد ونصائحه القيمة وتوجيهاته السديدة، فهو عالم ومحب للعلم والأدب والحياة.

كان الأخ أحمد من أترابي وزميل الصبا والشباب ولكني أحببت الأسرة جميعًا. أصبحت أخًا وصديقًا للجميع، وكانت بيني وبين الدكتور حسين علاقة إخاء ومودة واحترام متبادل، وكذلك كان مع كل معاريفه وجيرانه واصدقائه وأهله وذويه. رجل ودود وعلى خلق عال ومودة نادرة وأدب متميز وعمل دؤوب، متميز في عمله كجراح  عظام وعمود فقري. هو أحد الكوادر الفاعلة التي كان لها رصيد كبير حتى مماته.

نوبة قلبية خطفت منا إنسانًا محسوبًا على ملائكة الرحمة، محسوبًا على البسطاء، وعلى وطن كبير، المصاب جلل يا حسين والخطب لم يكن على بال، استعجلت الرحيل ولا زال فيك العطاء والحب، ولا زال الوطن يحتاج إليك، الناس أيضا، أروقة المستشفيات، المرضى المكلومين، طلاب كلية الطب، مدينة صنعاء. الجمهورية مازالت تحتاجك أيها الصديق الوفي الشهم.
لن نتساءل ونقول ماذا لو أنك لم ترحل لأنها مشيئة المولى عز وجل، ولا نملك الا التسليم بالقدر، وإنما سنذكرك بالخير والمحبة، وسنتذكر  وجهك البشوش دومًا، والعلم الذي كان فيك، والمثابرة التي لازمتك منذ الصبا، والعلاقة الطيبة مع الجميع.

أكثر من أربعة عقود مع هذه الإسرة الكريمة لا يمكن اختزال ذكرياتها في سطور، كانوا وما زالوا خير الأهل وأفضل الأصحاب، قدوة في السلوك والمحبة، وقدوة في التربية والتعامل والاجتهاد وبشهادة الجميع.

تابعت جنازتك قبل ساعات والتي مرت ببعض شوارع صنعاء وأزقتها تحت زخات المطر وجموع كبيرة من المحبين والأقرباء يحملون جثمانك الطاهر على الاكتاف مهللين مكبرين. مثلك لا يمكن مقابلته إلا بالوفاء حيًا وميتًا، مثلك لا يمكن أن ينسى.

رحل الدكتور حسين الحلالي الرجل النبيل والمثقف الذي يعد لبنة بارزة ضمن أسرة جليلة يحبها ويحترمها الجميع لعلمها وثقافتها ووطنيتها، وليس لي إلا أن أعزي نفسي أولًا بعد أن فقدت أخًا وشخصًا جميلًا، وأعزي أولاده جميعًا وإخواني وأحبابي وأصدقائي الغاليين أحمد وجلال وآل الحلالي الكرام  وكامل تراب الوطن، عظم الله أجرنا، وعصم القلوب بالصبر، إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.