ضرورة استدعاء الهوية والقومية العربية

01:00 2022/02/16

بدايةً، هناك فرق بين استدعاء القومية والهوية بغرض الدفاع عنها من محاولات تجريفها وتهميشها والاستخفاف بها، وبغرض حمايتها من الأخطار المحدقة بها من مشاريع توسعية واستعمارية أخرى، تعمل على احتلال أراضيها ونهب خيراتها وثرواتها واستعباد أبنائها، وبين استدعاء القومية والهوية بغرض الاعتداء على الآخرين، ومصادرة حقوقهم وحرياتهم. 
ففي الحالة الأولى يكون استدعاء القومية والهوية فعلاً إيجابياً، كون ذلك يندرج في إطار الدفاع عن النفس وعن الهوية وعن الحقوق والحريات، التي كفلتها كل الشرائع السماوية والأعراف والقوانين الأرضية؛ بينما يكون استدعاء الهوية والقومية في الحالة الثانية فعلاً سلبياً، كون ذلك يندرج في إطار الاعتداء على الآخرين، والذي حرمته كل الشرائع السماوية والقوانين الأرضية.
وبذلك، فإنه وفي ظل المؤامرات والأخطار الكثيرة المحدقة بالأمة العربية، من العديد من المشاريع التوسعية والاستعمارية الإقليمية والدولية، والتي تستهدف وجودها وكيانها واستعباد وإذلال أبنائها ، ونهب خيراتها وثرواتها، وتمزيق شعوبها ودولها، فإن استدعاء الهوية والقومية العربية لا يعدو أن يكون فعلاً إيجابياً اقتضته الضرورة، دفاعاً عن النفس وعن الهوية وعن الأرض والكرامة والسيادة والحرية والاستقلال. 
ولا يستطيع أحد أن ينكر بأن استدعاء القومية والهوية العربية كان له الفضل الكبير في تحرير العالم العربي من جبروت وبطش الاحتلال الأجنبي في القرن الماضي، ولا يستطيع أحد أن ينكر بأن استدعاء القومية العربية كان له الفضل الكبير في بروز العديد من الأحزاب والقوى القومية العربية الرائدة، التي تمكنت من إحداث نقلة علمية وفكرية وثقافية وتنموية رائدة وشاملة في شتى مجالات الحياة، في جميع البلدان العربية، ولا يستطيع أحد أن ينكر بأن القائمين على المشاريع التوسعية والاستعمارية الإقليمية والدولية قد سخروا كل إمكانياتهم واستخدموا كل أدواتهم في سبيل هزيمة الأحزاب والقوى القومية العربية، لأنهم كانوا ولا يزالون يرون فيها حاجزاً قوياً وجداراً منيعاً، يقف عائقاً أمام مشاريعهم التوسعية والاستعمارية. 
وما الخطاب الأخير لرئيس الوزراء الإسرائيلي، والذي نقلته قناة روسيا اليوم بالعربي، والذي أعلن فيه تمكن إسرائيل، ومن خلفها القوى الإقليمية والدولية، من هزيمة القومية العربية، إلا خير دليل على الأهمية الكبيرة للقومية العربية في مواجهة المشاريع التوسعية والاستعمارية الإقليمية والدولية. وكل ذلك يؤكد على صوابية دعواتنا وتوجهاتنا في استدعاء هويتنا وقوميتنا العربية، لمواجهة الأخطار المحدقة بأمتنا العربية. ويؤكد أيضاً بأن هذا الاستدعاء ليس تعصباً، ولا من أجل الاعتداء على الآخرين واحتلال أراضيهم والتدخل في شؤونهم الداخلية. كما أن ذلك ليس عملاً ترفياً، بل عمل ضروري اقتضته الضرورة القصوى، للدفاع عن النفس والهوية والأرض والكرامة والسيادة والقرار.
 
ولا يستطيع أحد أن ينكر بأن ما تسمى ثورات الربيع العربي قد استهدفت الأحزاب القومية العربية، واستهدفت القيادات القومية العربية؛ وهو ما يؤكد بأن الربيع العربي كان مخططاً استعمارياً بامتياز، كونه قدم خدمات جليلة وعظيمة للمشاريع التوسعية الإقليمية والدولية التي باتت اليوم تسرح وتمرح في المنطقة العربية بدون رقيب أو حسيب، وذلك لأن الأحزاب والقيادات القومية العربية كانت حجر العثرة أمام الطموحات والمخططات الاستعمارية لتلك المشاريع. والأحداث السلبية والفوضوية القائمة اليوم على أرض الواقع العربي تؤكد كل ما ذهبنا إليه. 
من أجل ذلك، يجب التمييز بين استدعاء الهوية والقومية لمواجهة الأخطار المحدقة والدفاع عن الأرض والقرار والثروة والسيادة والكرامة والاستقلالية، وبين استدعاء الهوية والقومية للاعتداء على الآخرين واستعمار أوطانهم والتدخل في شؤونهم ونهب ثرواتهم ومصادرة حقوقهم وحرياتهم. وكم هو مؤلم ونحن نشاهد بعض الأحزاب والجماعات المحسوبة على العرب وهي تحارب القومية العربية وتمجد مشاريع وقوميات أخرى، بل وتجند نفسها في خدمتها، وتحارب معها ومن أجلها!