Image

تجنيد الأطفال في اليمن قنابل موقوتة وانتهاك صارخ للإنسانية

اتساع دائرة الفقر وغلاء المعيشة في البلاد، دفعا الكثير من الأسر اليمنية إلى إلحاق أبنائهم وأطفالهم إلى مناطق الصراع بين طرفي النزاع في اليمن، إضافة إلى الزج بهم من قبل  الجماعات الإرهابية النشطة لتنفيذ عمليات انتحارية؛ حيث تقوم تلك الجماعات بتجنيد الأطفال لخدمة صراعاتها السياسية والدينية، وتنفيذ أجندتها الداخلية تحت وعود براتب ومزايا عديدة، غير آبهة بخطورة تجنيدهم والدفع بهم إلى ساحات القتال، وعدم قدرتهم على المواجهة؛ فضلا عن التأثيرات النفسية الناجمة عن الحرب، وما قد يتعرض له الطفل من أخطار قد تفقده حياته، إضافة إلى تشوهات وإعاقات ناتجة عن المواجهات أثناء سير المعارك.

 

وكان تقرير خبراء الأمم المتحدة  السنوي لعام 2021 بشأن الأوضاع في اليمن، والذي سُلّم إلى مجلس الأمن في يناير من العام الحالي، قد وثق مقتل 1406 أطفال زج بهم الحوثيون في ساحات المعارك عام 2020، و562 طفلاً بين يناير (كانون الثاني) ومايو (أيار) عام 2021، مشيراً إلى أن أعمار الأطفال تراوحت بين 10 إلى 17 سنة، ومعظمهم قتلوا في محافظات عمران وذمار وحجة والحديدة وإب، إضافة إلى صعدة وصنعاء؛ حيث دفعتهم الجماعة وأجبرتهم للالتحاق بمعاركها مستغلة صغر سنهم واندفاعهم وسهولة استقطابهم.

وفي سبتمبر الماضي من العام 2021، أعلن نائب مندوب اليمن الدائم لدى الأمم المتحدة، أن جماعة الحوثي جندت أكثر من 35 ألف طفل منذ عام 2014، بينهم 17% دون سن الحادية عشرة، بينما لا يزال أكثر من 6700 طفل في الجبهات، فيما نفى القيادي في الجماعة، محمد على الحوثي، الاتهامات بشأن استخدام الأطفال في المعارك، قائلاً أنها لا يستند إلى حقائق ميدانية أو لجان مستقلة.

وفي تقرير سابق لمجلس الأمن صادر بتاريخ الثالث من يونيو/حزيران 2019 بعنوان "الأطفال والنزاع المسلح في اليمن"، تمت الإشارة إلى أنه تم إدراج القوات الحكومية اليمنية -بما في ذلك القوات المسلحة وائتلاف دعم الشرعية وقوات الحزام الأمني- كأحد الجهات التي تقوم باستخدام وتجنيد الأطفال. كما تم إدراج طرفي الصراع في اليمن في القائمة (ب) لمرتكبي جرائم قتل وتشويه الأطفال والتورط في هجمات على المدارس والمستشفيات.

 وكانت الأمم المتحدة أدرجت جماعة الحوثي في يونيو من العام 2021 في القائمة السوداء للجماعات المنتهكة لحقوق الأطفال. وقالت بأنها "قتلت وشوهت 250 طفلاً يمنياً".

وفي فبراير 2021، كشف تقرير حقوقي دولي أطلقه المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان ومنظمة "سام" للحقوق والحريات، عن تجنيد جماعة الحوثي نحو 10300 طفل على نحو إجباري في اليمن منذ عام 2014، محذراً من عواقب خطيرة في حال استمرار الفشل الأممي بالتصدي لهذه الظاهرة.

ووثّق التقرير أسماء 111 طفلا قُتلوا أثناء المعارك بين شهري يوليو وأغسطس 2020 فقط، مشيرا أن جماعة الحوثي بدأت في السنوات الثلاث الماضية (2018، 2019، 2020) حملة مفتوحة وإجبارية لتجنيد الأطفال، إذ افتتحت 52 معسكر تدريب لآلاف المراهقين والأطفال، وانتشرت حملات التجنيد الإجباري في مناطق صعدة وصنعاء والمحويت والحديدة وتهامة وحجة وذمار، واستهدفت الأطفال من عمر 10 سنوات خصوصا من طلبة المدارس؛ باعتبارهم أكثر الفئات العمرية عرضة للاستغلال والتأثير، والتعبئة الخاطئة من قبل الجماعات المسلحة.

و رصد تقرير حقوقي محلي في أغسطس 2021، عن منظمة ميون لحقوق الإنسان، مصرع 640 طفلا يمنيا خلال نصف عام 2021، تتراوح أعمارهم بين 13 - 17 عاما، ممن تم تجنيدهم من قبل جماعة الحوثي والزج بهم في محارق الموت، من ضمنهم 13 طفلا جندتهم في إعلامها الحربي.

وتصدرت محافظات صنعاء وذمار وحجة القائمة بمقتل 333 طفلا من بين 15 محافظة، وقدر عدد الجرحى بنحو 3400 طفل بحسب المعلومات للمنظمة.

وأعلنت المنظمة تورط 125 قياديا في عمليات تجنيد الأطفال في مقدمتهم شقيق زعيم الجماعة يحيى بدر الدين الحوثي، المعين وزيراً للتربية والتعليم في حكومة الانقلاب، وشقيقه محمد بدر الدين الحوثي، ومحمد علي الحوثي، رئيس ما يسمى باللجنة الثورية العليا.

وكشفت المنظمة وجود 22 جهة متورطة في عمليات التجنيد؛ حيث منحت رتبا عسكرية (عقيد - ملازم ثاني) لعدد 155 طفلاً من إجمالي عدد الضحايا، مشيرة أن الجماعة يجبرون الأطفال على تنفيذ مهمات كالقتال المباشر، ونقل الإمداد وجمع المعلومات، وزراعة الألغام، وقيادة السيارات والدراجات النارية، وبناء التحصينات والخنادق، ومرافقة القيادات والمشرفين، والعمل في نقاط التفتيش، ما يعرضهم للقتل أو الأسر والإصابات بعاهات مستديمة.

وكشف تقريرسابق لمنظمة اليونسيف، صدر في الثامن من شباط/فبراير 2016 أن ثلثي المقاتلين في اليمن هم من الأطفال دون سن الثامنة عشرة، مشيرا إلى أن جميع أطراف الصراع القائم في البلاد (جماعة الحوثي، وقوات جيش هادي المدعومة من التحالف) قامت بإرسال أطفال تتراوح أعمارهم بين سن الرابعة عشرة وما دون سن الثامنة عشرة، ودفعتهم الى خطوط المواجهة الأمامية في جبهات القتال، ما أسفر عنه سقوط عشرات الآلاف بين قتيل وجريح.

وبلغ عدد الأطفال المجندين حتى العام 2017 عشرة آلاف طفل، جندتهم أطراف النزاع؛ حيث تستخدمهم لأغراض قتالية أو أمنية، كالعمل في نقاط التفتيش، أو لوجستيه متعلقه بعمليات قتالية؛ مستغلة الوضع الإنساني والاقتصادي المتدهور منذ بداية الحرب.

ورغم صدور قانون حقوق الطفل في العام 2012 وصدور توجيهات رئاسية قضت بمنع تجنيد من هم دون سن الثامنة عشرة؛ إلا أن ذلك القانون لم يكن كافيا وحازما؛ حيث لم تتخذ إجراءات وتدابير عقابية (قانونية أو سياسية) في حق أي طرف يقوم بتجنيد الأطفال، الأمر الذي ستدعي تسليط الضوء أكثر على ملف هذه القضية، وتحريكها دوليا، وإلزام الجماعات المتحاربة بمنع تجنيد الأطفال، وباحترام حقوقهم، وعدم خرق قوانين حماية الطفولة التي بات خرقها لا يشكل خطرا على الحاضر فقط وإنما على المستقبل أيضا.

وبالتالي فإن استمرار تجنيد الأطفال في اليمن، وإقحامهم في ساحات المعارك، واستخدامهم غير المشروع في حروب الكبار تحت عناوين ومسميات عدة، يعد ظاهرة خطيرة وانتهاكا صارخا لحقوقهم؛ حيث يعتبر استخدامهم كجنود من بين الانتهاكات الست الجسيمة ضد الأطفال، والتي حددها مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كأساس لجمع القرائن بشأن الانتهاكات.