Image

"بنك من الفساد" وقلة من الأثرياء وكثير من الفقراء فساد رسمي بشهادة دولية وراء انهيار العملة

واصلت أسعار العملة المحلية "الريال" انهيارها أمام العملات الأجنبية، للعام الخامس على التوالي، فيما زادت حدة الانهيار عقب كشف تورط البنك المركزي اليمني في عمليات مضاربة بالعملة ونفاد الوديعة السعودية، فضلا عما كشفته لجنة الخبراء الأممية في تقريرها الأخير، والذي تم على ضوئه إعادة تشكيل قيادة البنك، وتشكيل لجنة لمراجعة وتقييم أعماله منذ نقله إلى عدن حتى أواخر العام 2021.
ومع هذا الانهيار، انهار الاقتصاد وارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية، وضاق الحال بالمواطن، وبدأت بوادر المجاعة الحقيقة تدق أجراس الخطر في مناطق يمنية عدة؛ في ظل تفاقم أزمات المشتقات النفطية وغياب الخدمات المرتبطة بشكل كبير، بانهيار العملة.
*
خلال الفترة التي أعقبت تقرير الخبراء وتشكيل قيادة جديدة للبنك ولجنة لتقييمه، فشل البنك في احتواء أزمة انهيار العملة، رغم تعزيز إجراءاته لمنع المضاربة بالعملة المحلية "الريال"، من خلال عملية الرابط الشبكي مع قطاع الرقابة، وإيقاف العديد من شركات ومحلات الصرافة، فضلا عن تحذيره للأفراد والتجار بأنه سيصادر أي أموال مودعة في حسابات لدى منشآت الصرافة، لأن القانون لا يعطيها الحق بممارسة ذلك النشاط.
إن تجاوز الأزمة الحالية ليس بالأمر الهين، فالوضع الاقتصادي والمعيشي، الذي تعيشه البلاد، يتطلب كثيرا الخوض في التفاصيل والأسباب التي أنتجت الأزمة الأخيرة التي عصفت بالعملة المحلية، وأدت إلى التراجع المخيف في قيمتها، والكشف عن المتسبب وتحميله المسؤولية، مع المطالبة من القادرين من الخبراء الاقتصاديين والعاملين في مجال الأوراق المالية المساعدة لحل المشكلة، وسد الفجوة واستعادة الثقة، بعد أن ظلت معدومة خلال الفترة السابقة، وأسهمت بشكل كبير في إنتاج الأزمة الأخيرة التي بدأت ملامحها تعصف بالمواطن البسيط وتقوده نحو المجاعة.
 
قلة من الأثرياء.. كثير من الفقراء
خلقت عملية المضاربة في العملة الوطنية، وعجز السلطات المالية عن كبح جماحها، ازدهارا في التربح والإثراء وارتفاع ثروات قلة من المضاربين، في مقابل زيادة الأزمات المعيشية واتساع الفقر ليطاول ملايين اليمنيين.
مصرفيون يمنيون وخبراء ماليون تحدثوا أن عمليات المضاربة التي اتبعها البنك المركزي في عدن خلال الفترة السابقة، كانت السبب الرئيسي في تدهور الريال اليمني وتهاوي سعر صرفه أمام العملات الأجنبية وعلى رأسها الدولار والريال السعودي، فضلا عن الانفلات الواسع في سوق الصرف الخاضع بشكل رئيسي للشركات الصرافة والمضاربين بالعملة، التي تعتبر من أهم أدوات التكسب والإثراء غير المشروع في اليمن منذ بداية الحرب الدائرة في البلاد، وما رافقها من تقويض المؤسسات الحكومية ورفع يدها عن إدارة القطاعات المالية والمصرفية في معظم المحافظات والمدن الرئيسية.
ويرى الخبراء والمصرفيون أن ما يتم تنفيذه من إجراءات حكومية لإدارة وتنظيم السياسة النقدية في اليمن لا يؤتي أي ثمار على أرض الواقع، لاختلال المنظومة المصرفية والقانونية؛ الأمر الذي أدى إلى تشكّل نظام اقتصادي ومالي ومصرفي موازٍ في الأسواق اليمنية، يقوده مسؤولون حكوميون ينتمون لتنظيمات وأحزاب وفرق تربطها مصالح مشتركة، لا تهتم بالمواطن أو الصالح العام.
وأكّد خبراء أمميّون مكلّفون بمراقبة العقوبات الدولية المفروضة على اليمن، في تقرير لهم، أنّ الحوثيين حقّقوا مكاسب ميدانية، في حين انخرط مسؤولون حكوميون في عمليات فساد بما في ذلك تبييض أموال.
وأوضح خبراء الأمم المتّحدة في تقريرهم أنّ "الحوثيين يؤدّون وظائف تقع حصرياً ضمن سلطة الحكومة اليمنية، إذ إنّهم يجمعون ضرائب وإيرادات عمومية أخرى، والتي يُستخدم جزء كبير منها لتمويل مجهودهم الحربي". 
ووفقاً لتقديرات الخبراء، فقد حوّل الحوثيون ما لا يقلّ عن 1.8 مليار دولار في 2019 وحدها، كانت مخصّصة في الأصل لملء خزائن الحكومة اليمنية ودفع الرواتب وتقديم خدمات أساسية للمواطنين، لتمويل عملياتهم". 
ودفع فساد الحكومة، المسيطر عليها من قبل عناصر حزب الإصلاح، وشركائهم الحوثيين، الكثير من التجار ورجال الأعمال والمستثمرين إلى شراء العملات الأجنبية من الريال السعودي والدولار وتحويلها إلى الخارج، الأمر الذي يؤدي إلى تأجيج الاضطراب في السوق المصرفية وتهاوي العملة المحلية وانخفاض متسارع في سعر صرف الريال مقابل الدولار الأميركي.
 
بنك من الفساد 
وكشفت وثائق معاملات مالية تورُّط البنك المركزي اليمني في عدن بعمليات فساد كبيرة ومُضارَبة بالعملة وتلاعب بالمفاضلة بين التجار، واستنزاف للمليارات من خزينة البنك، والتسبب تدهور العملية المحلية أمام العملات الأجنبية.
وأظهرت وثائق، إضافة إلى تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، تنفيذ مركزي عدن -منذ العام 2018- عمليات بيع وشراء للعملة بالعملات الأجنبية بفوارق مالية بالمليارات عن سعر السوق، لصالح تجار وبنوك محلية، إضافة إلى تأكيد تلك الوثائق ما نُشر سابقاً عن حسابات في البنك الأهلي السعودي، يتم توريد أكثر المبالغ إليها.
وبلغت الزيادة في أسعار شراء العملات الأجنبية التي قام بها البنك المركزي في عدن أكثر من 8 مليارات ريال، فيما نفذ عمليات بيع بأسعار تقل كثيراً عن أسعار السوق بفارق وصل إلى أكثر من 917 مليون ريال، ما ألحق أضراراً بالغة بالمال العام، بحسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.
وأشار تقرير الجهاز المركزي للرقابة، الذي حصل "المنتصف نت" عليه، إلى عدم تعاون البنك المركزي في عدن مع فريقه؛ موضحا أن أكثر من 9 مليارات ريال هي إجمالي المبالغ التي يتوجب اتخاذ الإجراءات القانونية لاستردادها ومحاسبة المسؤولين عن هدرها، وفقاً لإجراءات المراجعة والتقييم التي أجراها الجهاز، مشيراً إلى أنّ المبالغ التي أوردها للأضرار هي نماذج فقط تؤشر إلى "المستوى الفعلي الذي أصاب الاقتصاد الكُلي، وهو أعلى بكثير من حيث القيمة والأثر الوارد في هذه العمليات".
وكانت تقارير صحفية أشارت إلى أن البنك المركزي بعدن أعاد من خزائنه -خلال شهري فبراير ومارس من العام الحالي 2020- أكثر من 6 ملايين دولار أمريكي لتجارٍ قاموا بتوريد مبالغ بالريال اليمني، بلغت 2,280 مليار ريال يمني وبسعر صرف اعتماد 380 للدولار الواحد، في العام 2018، مقابل استيراد مشتقات نفطية، رغم أنه كان يُفترض إعادتها بالريال اليمني؛ وهو ما كشفت عنه عمليات مراجعة وتفتيش قام بها مختصون في وحدة جمع المعلومات وغسل الأموال العاملة في البنك بعدن مؤخراً.
وأشار التقرير إلى أن ذلك تم بموجب توجيهات من المسؤولين المُباشِرين في كلٍّ من قطاع العمليات المصرفية الخارجية والمحلية، مُستبعداً أن تكون العملية داخلة ضمن التسهيلات البنكية التي تذرعت بها إدارة البنك المركزي، وأن ما جرى في هذه العمليات فساد ظاهر وعملية عبث بأموال البنك المركزي وإيرادات المحافظات المحررة الجنوبية، في ظل تهاوي قيمة الريال في السوق وانعدام المرتبات وارتفاع فاحش في أسعار السلع والمنتجات.
وفي 6 ديسمبر 2021، تم صدور قرار رئاسي بتكليف الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة لمراجعة وتقييم كافة أعمال البنك المركزي اليمني منذ تاريخ نقله ومباشرة عمله من العاصمة المؤقتة عدن في سبتمبر ٢٠١٦ وحتى نهاية العام ٢٠٢١.
وطالب القرار كافة القيادة التنفيذية للبنك المركزي اليمني خلال هذه الفترة الامتثال الكامل لما يقتضيه هذا التكليف، وعلى البنك توفير كافة البيانات المطلوبة؛ وهو ما لم يتحقق وفقا لمذكرة تقييم أولي للجهاز رفعها للحكومة.
 
فساد موثق دوليا 
 
وكان تقرير الخبراء، التابع لمجلس الأمن الدولي الخاص باليمن، كشف عن معاملات مالية مخالفة أقدم عليها البنك المركزي اليمني بعدن، وارتكابه عمليات فساد وغسل أموال في الوديعة السعودية التي منحت للحكومة عام 2018.
وجاء في تقرير الخبراء في فقراته المتعلقة بفساد البنك المركزي وأسباب الأزمة الاقتصادية والمالية في اليمن، بالنص ما يلي:
ـ ظلت الأطراف المتحاربة تمارس الحرب الاقتصادية المتمثلة في استخدام العراقيل الاقتصادية والأدوات المالية كأسلحة للحيلولة دون وصول الأموال أو المواد  للمعارضين، حيث يعد التربح من النزاع أمرا مستحكما.
ويشير تقرير الخبراء في مقدمته إلى: أن انعدام سيادة القانون والرقابة في اليمن، يتيح الإثراء غير المشروع لعدد صغير من المقاولين الانتهازيين، الذين يشغل بعضهم مناصب رسمية في المؤسسات العامة.
وفي هذا السياق، وفي ظل عدم وجود أي مسألة، فإن الثروة الوطنية والمعونة الخارجية تتعرض بشكل متزايد، إما للتحويل أو الضياع، بسبب الممارسة الفاسدة للمسؤولين في حكومة اليمن والمسؤولين الحوثيين.
وفي ظل الحرب الاقتصادية المتواصلة، استحدثت الأطراف عراقيل لمنع تمويل السلع وتسببت في حالات تأخير للسفن التي تنقلها إلى اليمن.
ووجد الفريق مؤشرات تدل على الإثراء غير المشروع من خلال تلاعب البنك المركزي اليمني في عدن بأسعار الصرف الأجنبي، ولاحظ الفريق ان الحوثيين تورطوا  في حالات انتهاك لتدابير تجميد الأصول بسماحهم بتحويل أصول مجمدة وأموال عامة باستخدام عقود مزورة لصالح أفراد يتصرفون باسم الارهابي عبد الملك الحوثي، لصالح الارهابي مسفر الشاعر، وهو منتحل صفة "لواء" حوثي مسؤول عن اللوجستيات، دور أساسي أيضا في تحويل الأموال التي نزعها بطريق غير قانونية من معارضين للحوثيين.
وتحدثت الفقرة العاشرة من مقدمة التقرير عن هدفين للجماعات المسلحة في اليمن، الأول يتمثل بالسيطرة المسلحة على مناطق سيطرتها، والثاني السيطرة على الإيرادات؛ ما جعل الشعب يكافح من اجل البقاء في ظل اقتصاد متدهور.
وجاء في الفقرة 76 من التقرير:
لاحظ الفريق أن الإيرادات التي تحصلها محافظات مأرب والمهرة وحضرموت يستولي عليها مسؤولون، في ظل غياب أي رقابة فعلية للبنك المركزي في عدن. وتلقى الفريق معلومات من مسؤولين يمنيين يزعمون الإثراء غير المشروع للقيادات المحلية عن طريق اختلاس الأموال المحصلة من بيع الغاز الطبيعي في مأرب وتحصيل الرسوم الجمركية من موانئ ومعابر المهرة.
 
وفي الفقرة 77: 
حقق الفريق في مزاعم فساد مرتبط بمعاملات  الصرف الأجنبي قام بها البنك المركزي اليمني في أواخر العام 2018، وتعززت هذه المزاعم بطلب رئيس اللجنة الاقتصادية التابعة لحكومة اليمن، الذي وجهه إلى رئيس الوزراء للتحقيق في القضية. ما أدى إلى استبدال محافظ البنك المركزي في مارس 2019.
وهذا الفساد المحتمل قد يكون أدى إلى الإثراء غير المشروع لموظفي البنك المركزي اليمني ومسؤولين تابعين لحكومة اليمن، وإلى الإثراء غير الجائر لبضعة مصارف وصيارفة تنطوي على تضارب المصالح.
 
وجاء في الفقرة 78 من التقرير:
حصل الفريق على وثائق مصرفية داعمة تؤكد قيام البنك المركزي اليمني بـ 69 معاملة للصرف الأجنبي، (15 عملية بيع للريال السعودي، 48 معاملة شراء للريال السعودي، و6 معاملات شراء للدولار) بأسعار معدلة تتراوح بين 453، و740 ريال يمني. وأكد الفريق أن حجم هذه المعاملات الخاصة بالبنك المركزي اليمني أسفر عن أصول (بالريالات السعودية والدولار الأمريكي) تعادل 185321526 دولارا، وخصوم قدرها، 107313306400 ريال يمني.
ولو قيمت حينها باستخدام سعر السوق (131 ريالا يمنيا مقابل الريال السعودي، و521 ريالا يمنيا للدولار) لبلغت خصوم البنك المركزي اليمني، 636205973 دولارا، ولخسر بالتالي 207762110 دولارات، في تلك الحافظة مع تجنب هذه الخسارة للصيارفة الذين يتحملون خطر المضاربة.
وأُجري معظم هذه المعاملات بهامش كبير مقارنة بالأسعار التي يستخدمها الصيارفة في السوق في صنعاء وعدن.
وقد أبلغت المصارف الخاصة المعنية الفريق بأنها تصرف كسماسرة بالجملة؛ إذ تنقل الأموال المستمدة من عمليات للصرف الأجنبي من صيارفة مختارين، إلى البنك المركزي اليمني لقاء تعويض أقصاه ريال يمني واحد عن كل ريال سعودي يتم تجهيزه، أي بأقل من 0.75 في المائة من القيمة. وقدمت إيضاحات تفيد بان الاختلاف عن السعر السائد في السوق كان نتيجة مهلة تراوحت بين يومين وثلاثة أيام، وامتدت من تاريخ الاتفاق إلى تاريخ التسجيل المعاملة، ولذلك يظل سعر الصرف المتفق عليه مشبوها.
 
الفقرة 79 من التقرير:
وفي حين ادعى البنك المركزي اليمني أن إجراءاته تتيح له تثبيت أسعار الصرف، يعتقد فريق الخبراء ان التثبيت ناتج أساسا عن التعجيل بإصدار خطابات الاعتماد الممولة من الوديعة السعودية، الموقوفة خلال صيف عام 2018، بيد أن المعاملات أتاحت للبنك المركزي ضخ سيولة بالريال اليمني في السوق، وحظر الحوثيون على المتداولين تحويل الأموال إلى البنك المركزي في عدن، وهو شرط ضروري لتقديم طلبات للحصول على خطابات الاعتماد، وهذه الطلبات مقيدة من حيث المراجحة، وكمثال على ذلك، في 4 نوفمبر 2018، يتلقى متداول بيع 20 مليون ريال سعودي للبنك المركزي في عدن، اعتماد قدره 3.18 بلايين ريال يمني (بسعر 190.5) ويتلقى خطاب اعتماد بقيمة 24580645 ريالا سعوديا، (بسعر صرف 155 ريالا يمنيا مقابل الريال السعودي). وإضافة إلى ذلك يسجل مبلغ 20 مليون ريال سعودي يبيعه المصرف ذاته مرة أخرى للبنك المركزي اليمني في نفس اليوم مبلغاً ضخما قدره 3.7 بلايين ريال يمني؛ ما تنتج عنه أرباح مراجحة قدرها 110 ملايين ريال يمني.
 
توثيق لفساد بنك دولة 
ووثق التقرير الأممي بأن البنك المركزي اليمني خسر 8.969 بلايين ريال يمني نتيجة التلاعب بأسعار صرف العملات الأجنبية في الفترة من 4 إلى 29 نوفمبر 2018.
كما شرح التقرير الاتفاق على عمليات الصرف الأجنبي للبنك المركزي اليمني، مشيرا إلى أن الاتفاق كان مع اللجنة الاقتصادية ، وبنك الكريمي الإسلامي، وبنك التضامن الإسلامي الدولي، وشركة عدن للصرافة ، وشركة القطيبي للصرافة، وشركة بن عوض للصرافة، خلال اجتماع عقد في 21 أكتوبر 2018.
وقدم شرحا حول لكيفية تقديم مهلة تتراوح بين يومين وثلاثة أيام، مشيرا إلى أن ذلك "لا يتماشى مع المعايير المعمول به في القطاع المصرفي؛ إذ تسوى المعاملة المتفق عليها، في العادة بعد يومي عمل بالنسبة لهذا النوع من الصرف الأجنبي، المعروف بالصرف الناجز".
 
تقرير الخبراء كشف عن أخر عملية مراجعة لحسابات البنك المركزي اليمني، والتي كانت في عام 2014، ومن حينها لم يتم مراجعة حسابات البنك. 
وأكد التقرير ضرورة قيام الحكومة بعملية مراجعة وتعزيز الرقابة على المعاملات المالية الكبرى، كما أكد وجود شواغل بشأن الإثراء غير المشروع.
 
وضع لا يمكن إنكاره
لقد سلط تقرير الخبراء الضوء على ما لا يمكن إنكاره من وضع يعاني فيه البنك المركزي من مشاكل واختلالات كبيرة، وهو وضع قد تنتج عنه عواقب وخيمة، منها تسجيل قيمة الريال أدنى مستوى لها على الإطلاق ، مع استمرار التدهور.
وأدى ضعف قيمة العملة إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية وتراجع القوة الشرائية للمستهلكين؛ ما يعني أن القدرة على تحمل تكاليف توفير احتياجات الحياة الأساسية تتلاشى أكثر عند ملايين اليمنيين الذين يعتمدون أساساً على المساعدات من أجل البقاء. 
 
الحوثيون.. فساد كبير
وتناول تقرير الخبراء فساد الحوثيين، مشيرا إلى أن المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين شهدت تحصيل ضرائب وإيرادات أخرى للدولة مطلوبة لدفع الرواتب وتقديم خدمات أساسية للمواطنين.
وقدر التقرير قيام الحوثيين بتحويل  1.8 مليار دولار على الأقل في 2019 عن الغرض المخصص لها، واستخدموا قسماً كبيراً منها لتمويل المجهود الحربي، مشيرا إلى وجود أدلة آخذة في التزايد تبين أن أفرادا أو كيانات داخل إيران متورطة بهذا الخصوص.
 
الحوثي وفارق التحويل
 
دخلت الأزمة طوراً جديداً، أواخر العام الماضي، مع اتخاذ الحوثيين موجة إجراءات تمنع تداول الطبعات الجديدة من العملة والمطبوعة في عدن في مناطق سيطرتهم؛ وهو القرار الذي وسع الهوة بإيجاد سعرين مختلفين للعملة المحلية.
إجراء الحوثي وانهيار سعر الريال في مناطق الشرعية، وثباته في مناطق الحوثيين، دفع شركات الصرافة لفرض رسوم تحويلات وصلت إلى أكثر من مائة وعشرين في المائة، تذهب فوارقها لصالح المليشيات، وفقا لخبراء ماليين.
وبينما يتمثل التفسير السائد حول المبلغ المقتطع من الحوالات من مناطق الشرعية، فيما لا تعتمد شركات الصرافة الفوارق في الحوالات القادمة من مناطق سيطرة الحوثيين إلى بقية محافظات البلاد، على نحوٍ يثير المزيد من التكهنات والاتهامات الموجهة لشركات الصرافة بالتلاعب.
ومع استمرار الصراع القائم يُفقد جزء كبير من الأموال لصالح السوق السوداء والمضاربين في العملة، وكذلك حركة التهريب بين مناطق الطرفين، وكل ذلك يؤدي إلى انعكاسات خطيرة على الوضع المعيشي للمواطنين، من خلال تردي الخدمات المقدمة، وارتفاع أسعار السلع الغذائية، وفقدان العملة قيمتها وتشظيها أكثر بين الطرفين، وتكبيد الاقتصاد الوطني خسائر باهظة.
 
فساد الثالوث المرعب
وتمارس مليشيات الحوثي بمساعدة شركات الصرافة والتحويلات المالية عمليات نصب على المواطنين بذريعة فارق العملة المحلية في حين تبدو الحكومة غير مكترثة أو عاجزة على الأرجح عن اتخاذ إجراءات حازمة، رغم ما بيدها من أوراق كثيرة.
وباتت عمولات التحويل التي يفرضها الصرافين على العملاء تثقل كاهل المواطن البسيط ويجني من خلالها الصرافين الذين باتت محلاتهم أكثر من أي محال تجارية أخرى في مناطق الحوثيين والشرعية على حد سواء، مئات الملايين من الأرباح التي يحققونها فقط من عمولات التحويل التي يجني منها الحوثيون النصيب الأوفر، نتيجة القبضة الحديدة التي يفرضونها على القطاع المصرفي في مناطق سيطرتهم. 
وعن سبب تفاقم هذا الوضع والجهة التي تتحمل مسؤولية ذلك، تؤكد المعلومات أن الصرافين والحوثيين يجنون مئات الملايين من أرباح عمولات التحويل التي ارتفعت بعد اتخاذ مليشيا الحوثي منع تداول الطبعة الجديدة من العمولة النقدية التي طبعتها الحكومة الشرعية دون غطاء نقدي، ودون اتخاذ أي سياسة نقدية، من جهة، ودون اتخاذ إجراء مواز لقرار منع الحوثيين من تداولها في مناطق سيطرتهم.. 
وأوضحت المصادر أن الحكومة الشرعية ممثلة بالبنك المركزي وميناء عدن وشركة صافر في مأرب والجمارك والبنك في محافظة المهرة، تعتبر أهم الجهات التي تساهم في ضرب سعر العملة الوطنية في مناطق الحكومة الشرعية، مشيرة إلى أن التجار في مناطق سيطرة الحوثيين الذين يقومون بعملية استيراد البضائع من الخارج، يلجأون إلى دفع مبالغ الضرائب والجمارك الخاصة بتخليص بضائعهم في ميناء عدن مثلاً، بالعملة الصعبة، في حين أن الحكومة قادرة على فرض أن يتم توريد هذه المبالغ بالريال اليمني؛ وهو ما سيجبر التجار في مناطق الحوثيين على تحويل هذه المبلغ بالريال اليمني، وقد يجبر الحوثيين أيضاً على التعامل بالعملة الجديدة لأن التجار والصرافين سيفرضون على الحوثي الأمر كي لا يتحملون فوارق عمولات التحويل بالريال اليمني نتيجة "الطبعة الجديدة والطبعة القديمة" كما هو حاصل في مناطق الشرعية التي تتدفق منها الحوالات النقدية إلى مناطق الحوثيين.
وذكرت المصادر أن هذا الأمر يتم أيضاً في منفذ شحن الجمركي الواقع على الحدود اليمنية العمانية، ومنفذ الوديعة مع السعودية، حيث يتم دفع كل المبالغ الخاصة بالضرائب والجمارك بالعملة الصعبة "الدولار" يتم تحويلها إلى تلك المناطق عبر صرافين ويتجنبوا تحويلها بالريال اليمني، مستفيدين من فارق سعر الصرف وكذا انخفاض عمولة التحويل بالدولار، منوهة إلى أن التجار في مناطق سيطرة الشرعية، يستفيدون من هذه العملية أيضاً نتيجة فارق سعر صرف الدولار في المناطق المحررة، ما يخلق مضاربة كبيرة بالعملة الوطنية وارتفاع سعر صرف الدولار في مناطق الحكومة الشرعية واستقرار نسبي في مناطق الحوثيين الذي يتسبب مباشرة في رفع سعر عمولات التحويل. إلاّ أن الحكومة والبنك المركزي لم يتدخلا حتى اليوم تجاه هذا الأمر، بل أن ثمة تواطؤ مع التجار والصرافين في مناطق الحوثيين، من خلال ترك الحبل الغارب وجعل الأمر يتحكم به مجموعة من كبار الصرافين في المناطق المحررة وغير المحررة.
 
وفي مأرب، كشفت المصادر التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، أن شركة الغاز ومجموعة من المسؤولين الحكوميين والصرافين في مناطق الشرعية، تواطؤ مع مليشيا الحوثي على مدى سنوات من خلال التلاعب بالتحويلات النقدية الخاصة بشركة الغاز "قيمة الغاز المنزلي" المصدر من مأرب إلى مناطق الحوثيين، الذي تقدر قيمته في اليوم، بـ "300" مليون ريال يمني في اليوم الواحد ويتم خصم عمولة التحويل من مناطق الحوثيين إلى مأرب بمبلغ يصل إلى "75" مليون ريال، لصالح صرافين من الطرفين، في حين أن هذه المبالغ يفترض ألاّ تخضع لأي عمولات تحويل، كونها أموال قطاع حكومي، يفترض أن يتم تحويلها دون أي عمولة. 
وتستمر معاناة اليمنيين وتتضاعف، نتيجة فساد الثالوث المرعب "الحوثي والإخوان والشرعية"، وتزداد كل يوم حالات الانتحار، والبحث عن القوات في مخلفات الأغنياء، فيما لا يوجد أفق قريب لانفراج أزمة الفساد المستشري في جسد اليمن غير السعيد