تنامي البيئة العِدائية في المجتمع اليمني

09:18 2022/04/18

بدايةً، من المعلوم بأن تطوير المنظومة التعليمية والثقافية وتبني الخطاب السياسي المدني والسلمي، في مجتمعٍ ما، يساهم بشكل إيجابي في نمو بيئة مدنية وسلمية وحضارية. كما يساهم في انحسار البيئة العِدائية والوحشية والهمجية في ذلك المجتمع، ويترتب على ذلك انحسار ثقافة الكراهية والعنف بين أفراد المجتمع، وانتشار وتنامي ثقافة التسامح والإخاء والتعايش السلمي، والعكس صحيح. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي الأسباب والدوافع التي ساهمت في تنامي البيئة العدائية والسلبية في المجتمع اليمني إلى هذا الحد مؤخراً؟ 
الإجابة على هذا السؤال في غاية البساطة، كان الشعب اليمني منذ فترة الثمانينات وحتى العام 2010 يشهد نهضة تعليمية وثقافية وتنموية شاملة، ويتبنى خطاباً دينياً وسياسياً وسطياً ومعتدلاً، ساهم في زيادة مساحة الوعي المجتمعي السلمي والإيجابي، والذي بدوره ساهم في انحسار البيئة العدائية والسلبية. وفي نفس الوقت ساهم في نمو وتطور البيئة السلمية والإيجابية؛ حيث صارت ثقافة التسامح والتعايش السلمي والقبول بالآخر تسود المشهد، وتسيطر على العلاقات بين الأفراد، وأصبح المجتمع اليمني يركز اهتماماته علي التعليم والعلم بمختلف فروعه وتخصصاته. وبدأ الكثير من أفراد المجتمع يندفعون نحو المنافسة الإيجابية في تحصيل العلم، والحصول على الشهادات العلمية العليا، وبدأ مقياس التعليم والعلم يتسيد الموقف. وكل ذلك جعل البيئة السلمية والايجابية هي السائدة في المجتمع اليمني خلال تلك الفترة.
لكن للأسف الشديد، جاءت أحداث 2011 السلبية وما تلاها من خلافات وصراعات وعنف، لتقوض الأمن والأمان والاستقرار والسلام المجتمعي الذي كان ينعم به المجتمع اليمني، ولتضع بصماتها السلبية على حياة أفراده، على كل المستويات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية... الخ. وترتب على ذلك القضاء على البيئة السلمية والمدنية التي كانت سائدة في هذا المجتمع، ونمو البيئة العدائية والسلبية، لتصبح ثقافة الكراهية والعنف هي السائدة، بدلاً من ثقافة التسامح والتعايش السلمي، لتعود ظاهرة حمل السلاح في المدن الرئيسية، إلى الواجهة بشكل كبير ومخيف جداً، وأصبح حمل السلاح والتجول به في المدن والأسواق والشوارع هو شعار المرحلة. ورافق ذلك تطور وانتشار الجريمة والعنف داخل المجتمع بشكل ملفت.
واعتقد بأن الأزمات المتلاحقة التي عاشها المجتمع اليمني بعد أحداث 2011، وصولاً إلى حالة الحرب المستمرة لسبعة أعوام متتالية، وما رافقها من ضغوط نفسية واجتماعية واقتصادية سلبية كبيرة على أفراد المجتمع، تسبب ذلك في نزوع الكثير منهم نحو العنف والعدائية والسلبية نحو الآخر ، وبالتدريج تسبب ذلك في تلاشي البيئة السلمية التي كانت سائدة ، فلم يعد أحد يحتمل أحد، ولم يعد أحد يلتمس العذر لأحد، ولم يعد أحد يتسامح مع أحد، وأصبحت لغة العنف والسلاح والقوة وثقافة الكراهية والعنف هي السائدة داخل المجتمع، وبمجرد حدوث مشكلة صغيرة، أو خلاف بسيط هنا أو هناك، سرعان ما تتطور الأحداث وتكبر وتخرج عن نطاق السيطرة، لأن البيئة المحيطة بالمجتمع باتت بيئة عدائية، ونفسية العديد من أفراد المجتمع باتت نفسية عدوانية وسلبية، وهو ما يساهم في نزوعهم نحو العنف والفوضى لأتفه الأسباب 
فالحرب المستمرة والمستعرة تسببت في تحميل الشعب اليمني الكثير من المعاناة والمآسي والضغوط في كل جوانب الحياة، فلم تقف تلك المعاناة عند الجانب الاقتصادي والصحي والتعليمي والسياسي، بل وصلت للجانب النفسي والثقافي وهذا أمر خطير جداً، ينذر بتفكك النسيج الإجتماعي، والقضاء التدريجي على البيئة السلمية وثقافة التسامح والتعايش السلمي التي كانت سائدة قبلاً، والتي كانت في حالة من التطور والنمو يوماً بعد آخر ، ليصبح العنف والعدائية هو عنوان المرحلة اليوم ، وهو لغة التعامل الرائجة بين الكثير من أفراد المجتمع ، في ظل إنحسار كبير جداً للبيئة السلمية، وتدني ملحوظ لثقافة التسامح والتعايش السلمي. كل ذلك يضعنا أمام مؤشرات سلبية تنذر بخطورة المرحلة. وتستوجب إيقاف الحرب في أسرع وقت، والعمل بكل جهد على ترميم العلاقات المجتمعية، وتكثيف الجهد على كل المستويات لتبني خطاب التسامح والتعايش السلمي لتهيئة الظروف للعودة بالمجتمع بالتدريج نحو البيئة السلمية والإيجابية التي بات في أمس الحاجة لها كأولوية قصوى قبل فوات الأوان.